لو كان هذا القائد العظيم رجلا عظيما كاملا، لو كان واشنطون أوروبا، لو أنه بعد أن دافع عن الوطن وأدب الذعر في أخصام الثورة في الخارج، أيد التنظيمات الحرة، وثبت ظهور الديموقراطية في فرنسا، لو أنه بدل أن يجعل نفسه رجعة حية للماضي، فيتصرف بالحكم المطلق ويستثمر هوس الروح الموقت، تنحى هو نفسه كصولون أو كواضع شرائع أمريكا، ولو أنه تنحى في نزاهته ومجده ليترك المكان للحرية، قد تكون جميع هذه الاحترامات التي يرفعها إليه جمهور يخص بالعبادة من يسحقه قد جنحت عنه، وقد يكون رقاده في ضريحه أكثر سلاما منه اليوم.»
الشعر في السياسة
كان لامرتين، على انغماسه في السياسة، يجد متسعا لاستقبال عروس شعره؛ فقد كان يصرف فرص الصيف في قصره بسان بوان ساعيا جهده لنسيان السياسة - إن كانت السياسة تتخلى دقيقة عمن يعتنقها - والرجوع إلى قيثارته. إلا أنه كثيرا ما كان يقاطع عمله ليستقبل زواره، وقليلا ما كان هؤلاء الزوار يهادنون في الهبوط عليه؛ فلامرتين في ذلك الوقت كان غنيا وعظيما، وكان عليه أن يستقبل ويضيف أمراء الفكر ورجال الفن والخطباء والسياسيين وملكات الجمال والجاذب والشعراء والكتبة والصحفيين الذين كانوا يفدون عليه جماعات جماعات.
على أن هؤلاء الزوار لم يكونوا يستطيعون الحيلولة التامة بين الشاعر وعروسه؛ فبعد أن نشر «جوسلين» و«سقوط ملاك»؛ الروايتين الشعريتين اللتين أنجزهما في وسط مشاغله السياسية، راح يعد للطبع ديوانا جديدا، إلا أنه كلما كان يكبر ويسمو في مقام السياسة والخطابة كان الجمهور يقصيه عن مقامه الشعري. على أن هذا الإقصاء المتكلف لم يكن يسلخه عن عروسه، بل كان يستقبلها ويستقبل السياسة معا.
جوسلين
3
في أواخر شهر شباط من العام 1831 ظهرت «جوسلين»، وهي رواية شعرية مؤسسة على فكرة التضحية، فراجت رواجا عظيما، إلا أنها لم تسلم من لذعات النقاد، الذين حملوا على الشاعر حملات عنيفة؛ فقد أخذوا عليه نقصا في وحدة القصيدة وضعفا في بعض مقاطعها، وأخذ عليه دكاترة الدين مآخذ شتى، فقد أبى بعضهم إلا أن يرى في «جوسلين» تحاملا على الإكليروس وعلى المسيحية معا، وهذا ما دعا لامرتين إلى الرد على هذا البعض بقوله: «يضل القارئ إذا هو رأى في «جوسلين» غير الوجهة الشعرية، فليس ثمة مقصد خفي، ولا مذهب من المذاهب ولا جدال لنقض إيمان ديني أو لتأييده، وليس موضوع روايتي هذه من المخترعات، بل هو حادث حقيقي.»
سقوط ملاك
4
لم تكد «جوسلين» تظهر حتى كتب لامرتين إلى فيريو يقول: «سأصدر بعد مرور ثمانية عشر شهرا رواية شعرية في مجلدين، تختلف اختلافا كبيرا عن «جوسلين»، وهي الصفحة الثانية من ملحمتي الهندية ...»
Page inconnue