Aperçus de ma vie : une autobiographie partielle
لمحات من حياتي: سيرة شبه ذاتية
Genres
نجحت من السنة الثالثة إلى الرابعة، ولا شك أن الخطبة ألهتني عن المذاكرة التي تكفل لي النجاح في الليسانس، وتزوجت في 11 يونيو عام 1950م، ولم تكن النتيجة قد ظهرت بعد، وفوجئت بأنني لم أنجح وأنه لا بد لي أن أؤدي ملحقا في المرافعات والتجاري، وهكذا بدأت حياتي مع زوجتي وأنا بعد طالب في كلية الحقوق، ورحت أذاكر في منزل الزوجية وأنا أشعر بحرج شديد ألا أنجح فتكون فضيحة لي كزوج وهو تلميذ، وشاء الله أن يكتب لي النجاح، وربما من الذكريات التي تستحق أن تقال أنني عرفت نتيجة الليسانس وأنا أتكلم من تليفون في مطبخ مطعم الكورسال الذي كان مواجها لسينما ديانا في ذلك الحين، فقد كان يحلو لي أنا وزوجتي أن نتناول غداءنا خارج البيت، ونذهب إلى السينما في حفلة 3، وخطر لي ونحن ننتظر الغداء أن أسأل نسيبنا الدكتور العظيم عثمان خليل عثمان أستاذ القانون الدولي إن كان عرف شيئا عن نتيجتي، ولم أتوان وقمت أبحث عن التليفون في المطعم، فإذا هو داخل المطبخ فلم أجد بدا من أن أقتحم المطبخ وبين لغط الطهاة أجابني الدكتور عثمان خليل وبشرني أنني أصبحت محاميا، وبشرت زوجتي، وما دمت ذكرت الدكتور عثمان، فلا بد أن أذكر فضله علي وموقفه الذي يدل على منتهى الأمانة مع النفس ومع شرف المهنة.
الدكتور عثمان متزوج من السيدة هدى هانم أباظة ابنة عمي عبد العظيم بك أباظة الذي كان مديرا لحسابات السكة الحديد وهو ابن عمة والدي، فحين دخلت كلية الحقوق رجوت د. عثمان أن أزوره ليشرف على مذاكرتي فرحب بذلك، فكنت أقصد إليه وأنا في السنة الأولى من كلية الحقوق ويسترجع معي المواد جميعا، فهو لم يكن يدرس للسنة الأولى، وفي السنة الثانية كان أستاذنا في المدرج للقانون الإداري، ولم أتوقف عن الذهاب إليه وكنت دائما أتناول عشائي عنده كلما زرته، وفي مرة تمنعت عن العشاء خجلا مدعيا أنني تعشيت فألح علي قائلا: نقنق.
أي كل شيئا بسيطا.
وأثناء العشاء نسيت نفسي وأكلت فإذا هو يبتسم ويقول لي: في المرات القادمة نقنق في بيتكم وتعشى عندنا.
وضحكنا. ومما أذكر من أفضاله أنني ذهبت بعد ذلك بسنوات إلى الكويت فاستضافني في بيته وأكرمني هو وزوجته كل الإكرام ، وقد كان يعمل في الكويت مستشارا دستوريا للمجلس التشريعي بها.
وقبل أن أروي موقفه الشريف مني يحلو لي أن أروي الموقف الذي ترك من أجله العمل في الجامعات المصرية، فقد نشأ خلاف بينه وكان عميدا في ذلك الحين وبين الوزير العسكري الذي كان وزيرا للمعارف، فقدم د. عثمان استقالته ففرحت زوجه بهذا فرحا عظيما؛ لأنها كانت ترجوه أن يترك الجامعة ويفتح مكتب محاماة حتى يستطيع أن يواجه المصاريف المتزايدة التي يضطران لها لكثرة ما أنجبا من بنين وبنات، ولكن الفرحة لم تتم، ففي ذلك اليوم الذي قدم فيه استقالته طلبه مكتب الوزير في التليفون وأبلغه أن الوزير يريد أن يراه مساء هذا اليوم، ولم يستطع طبعا أن يعتذر وتوجست زوجته شرا أن يلح عليه الوزير ليسحب استقالته، فطلبت إلى زوجها أن تذهب معه وتنتظر في السيارة حتى ينتهي من مقابلة الوزير. وفعلت، وصعد إلى مكتب الوزير ومكث قرابة ساعتين ونزل وقد بدا على وجهه الضيق والألم وقالت له زوجته: سحبت الاستقالة؟ - كان الإلحاح أكبر من قدرتي.
فبكت زوجته.
وظهرت الصحف في الصباح أن الدكتور عثمان خليل عثمان سحب الاستقالة التي كان قدمها.
وفي اليوم التالي ظهرت الصحف أن وزير المعارف أو التربية والتعليم لا أذكر ماذا كان اسمها في الحين أصدر قرارا بإحالة الدكتور عثمان خليل عثمان إلى المعاش.
وهكذا كان عهد الطغاة يأبى للإنسان أن يحتفظ بكرامته، وإن كان لا بد أن يترك عمله فإنه حتم عليه أن يتركه مفصولا لا مستقيلا.
Page inconnue