Aperçus de ma vie : une autobiographie partielle
لمحات من حياتي: سيرة شبه ذاتية
Genres
استمرت حكومة إبراهيم باشا عبد الهادي إلى أواخر عام 1949م وكان مجلس النواب بهذا قد أكمل دورته الخامسة، وأعتقد أن هذا المجلس هو المجلس الوحيد في الحياة النيابية التي بدأت بدستور 1923م الذي أكمل في مقاعده خمس سنوات كاملة تقريبا، وأصبح لا بد من التفكير في حل المجلس.
استقال إبراهيم باشا عبد الهادي وظهرت في الأفق بعض آمال أن تتكون وزارة مؤتلفة من كل الأحزاب، وتمهيدا لهذا الأمل كلف الملك حسين سري باشا بتأليف الوزارة من كل الأحزاب وقبل حزب الوفد أن يشترك في الوزارة، وكان أبي وزيرا فيها وفي الإسكندرية راح الوزراء يدعون إخوانهم لموائد الغداء لتأكيد التآلف، وكان من ضمن أعضاء الوزارة كريم ثابت باشا الذي فرضه الملك فرضا فكان الوزراء يدعونه مع الأعضاء الآخرين على موائدهم حتى جاء دور أبي ليدعو الوزارة فوجه إليهم الدعوة للغداء في بيته بالإسكندرية، ولكنه رفض أن يدعو كريم ثابت، وكنت أنا موجودا في هذه الدعوة.
قليلا ما بقيت هذه الوزارة وتفجر الائتلاف، وهو أمر كان منتظرا طبعا، وألف سري باشا وزارة من المستقلين كان أوضح ما فيها أنه أشرك منه زوج ابنته الدكتور محمد هاشم باشا وأطلق عليه الشعب لقب شيانو مشبها إياه بزوج ابنة موسيليني الذي كان الديكتاتور القتيل يطلق يده في حكم إيطاليا أيام رئاسته، وقد قتلهما الشعب معا وعلق كليهما من أرجليهما في ميدان عام.
وقد توثقت صلتي بعد ذلك بالمرحوم محمد هاشم باشا، وأشهد أنه كان كفئا للمنصب الذي تولاه مع حميه ، بل كان أكبر منه بعلمه وثقافته واتزانه، وقد نال في هذه الوزارة لقب الباشوية، وأجرت وزارة سري باشا الانتخابات وقد اكتسح الوفد، وكان اكتساحه لسببين؛ أولهما وأهمهما طول بقاء الوزارات المعادية للوفد في الحكم والشعب المصري تواق إلى التغيير، حتى وإن كان التغيير إلى الأسوأ؛ ولذلك فإنني أعتقد أن الوفد لم يحافظ على شعبيته إلا لأن الملك كان يقيله دائما، وكانت هذه الإقالة ترفع أسهمه عند الشعب الذي يقدر أي إنسان يقف في وجه الحاكم الأعلى، ولو أن الوفد ترك في الوزارة ليكمل دورة واحدة لفقد شعبيته التي كان يتمتع بها إلى الأبد.
أما السبب الثاني لنجاح الوفد نجاحا باهرا في هذه الانتخابات فهو شعور رجال الشرطة أن التيار العام مؤيد للوفد فأعملوا تزويرهم لحسابه حتى يطالبوا بالمكافآت حين يقتعد الوفد كراسي الوزارة.
ومع ذلك فحين أحصى أهل الإحصاء الأصوات التي نالها حزبا الأحرار الدستوريين والهيئة السعدية في هذه الانتخابات أوضحت الإحصاءات أنها كانت تفوق بكثير عدد الأصوات التي نالها الوفد مع أن كلا من الحزبين لم ينل إلا حوالي ثلاثين مقعدا في البرلمان، وهكذا كانت المعارضة ممثلة في ستين نائبا ونيف من مجموع عدد الأعضاء الذي كان مائتين وخمسين عضوا في تلك الأيام.
نهج الوفد في هذه الوزارة نهجا جديدا كل الجدة على سياساته السابقة، والجدة فيه أنه أخذ نفسه بالنفاق الرخيص كل الرخص للملك، وقد بدأ ذلك في اليوم الذي حلفت فيه الوزارة اليمين برئاسة النحاس باشا؛ إذ قال النحاس للملك فجأة وبدون مقدمات: مولاي إن لي عندك رجاء أنا مصمم أن أناله. - ما هو؟ - أن أقبل يدك.
وبهذه الجملة وهذا الشعار بدأت الوزارة الوفدية الجديدة عهدها الذي نسبت فيه الملك إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - والذي قال في أثنائها النحاس باشا حين سئل عن رأي له في إحدى المشكلات : «إن في «كابري» قبلة نتجه إليها جميعا.» وكان الملك يصطاف في «كابري» في هذه الأيام، وأذكر أن روز اليوسف ظهرت في أحد أعدادها وفي صدرها صورة لحذاء ضخم وكتبت تحته: القبلة التي يتجه إليها رئيس الوزراء.
على أي حال، دخل أبي طبعا هذه المعركة الانتخابية وكنت في ذلك الحين في السنة النهائية من كلية الحقوق، وقد شاركت في هذه الانتخابات مشاركة جدية ونجح أبي طبعا نجاحا ساحقا، ومن الطرائف التي لا أنساها أنه طلب مني أن أحضر له من كاتب الحسابات المبالغ التي أنفقها في المعركة الانتخابية، وكانت هذه المبالغ تنفق على الولائم التي كانت يومية طبعا في بيتنا، وفعلت ما أمر به وأحضرت الحساب وصعدت به إليه في الطابق الأعلى، وكان المبلغ أقل من ألف جنيه فنظر في الورقة ومزقها ونظر إلي قائلا: لا أحب أن يعرف أحد هذا المبلغ. فقلت: طبعا. وأدركت أنه يستكبر أن يعرف الناس أنه ينفق في الانتخابات هذا المبلغ مع أنه أنفق كله على مواجهة الزوار، فلم نكن نعرف في هذه الأيام كلمة الرشوة للأصوات ولا عرفناها في انتخابات أخي في انتخابات 1976م والحمد لله.
أصبح أبي في مجلس النواب زعيم المعارضة عن الأحرار الدستوريين، وكان الأستاذ حامد جودة الذي كان رئيسا للمجلس السابق زعيما للمعارضة عن الهيئة السعدية.
Page inconnue