وقد تسرب إلى متصوفين -لأسباب تاريخية وعلمية عديدة- تأثير الفلسفة الاشراقية التي جاءت من يونان والهند، وامتزجت بالعقائد الإسلامية وأفكارها امتزاجا لا يتسنى لكل واحد فصلها عنها، إن اشراقية الأفلاطونية الجديدة أو تنسك الهنود، وعقيدة الحلول والاتحاد، ومذهب وحدة الوجود، وتقسيم الظاهر والباطن، وفتنة الرموز والأسرار، والعلم الدفين، وسقوط التكاليف الشرعية عن (الكاملين) و(الواصلين) واستثناؤهم عن الأحكام الشرعية كل ذلك كانت معتقدات وأفكارا نالت إعجاب طبقة كبيرة من المتصوفين، وبالرغم من إنكار أصحاب التحقيق والرسوخ في العلم من هذه الطائفة في كل زمان لهذه المعتقدات الفاسدة كانت طبقة من المتصوفين تلح عليها، حتى تسفل بعض فروع التصوف وسلاسله إلى حد الشعوذة والتهويل، ولا سيما بعض فروع السلسلة الرفاعية التي انحرفت في العهد الأخير (للأسف أن بعض المعاصرين من الرفاعية ما زالوا يفتخرون بمثل هذه الأعمال الشيطانية)، عن أصلها وتعاليم مؤسسها الكبير وآثر كثير من رجالها الذين لم ترسخ قدمهم في العلوم الشرعية والعقائد الإسلامية الأعمال البهلوانية، زاعمين أنها تؤثر في عقول المغول والتتار وترغبهم في الإسلام، وكان لذلك ضرر عظيم على سلامة العقيدة ومكانة الشريعة، وقد استفحلت هذه الفتنة في القرنين السابع والثامن، ووقع العامة وكثير من الخاصة فريسة هذه المغالطات.
ولقمع هذا الخطر الناجم أيضا والحفاظ على الشريعة كانت الحاجة شديدة إلى مؤمن قوي، ومصلح جريء يتناول هذه الطوائف المنحرفة بالنقد اللاذع ويكشف القناع عن وجه أخطائها ومغالطاتها بكل حرية وجراءة، معرضا عن صولتها وقوتها، وغير مبال بعدد أتباعها ونفوذهم.
تجديد الفكر الإسلامي:
Page 40