وأشفعت حديثي بحركة مسرحية تدربت عليها؛ إذ تناولت حقيبتي وفتحتها، ثم أخرجت منها مجموعة من الشهادات التي حصلت عليها من مصادر مختلفة تنوه بكفاءاتي، وتؤكد صحة المعلومات التي قدمتها عن نفسي.
ولما كانت أغلب هذه المواد باللغة العربية؛ فقد انطلقت أتحدث عنها بلغة اللجنة، فاستمعوا إلي باهتمام وهم يتصفحون الأوراق التي وضعتها أمامهم. لكني لاحظت أن العضو الجالس إلى يسار العجوز - وهو أشقر الشعر ملون العينين - لم يعبأ بهذه الشهادات، وانهمك في تصفح ملف يضم - ولا شك - التقارير السرية بشأني.
رفع عضو قصير القامة قبيح الوجه رأسه نحوي، وكان يجلس إلى يمين الرئيس بينه وبين أحد العسكريين، وخاطبني في لهجة عدائية: «أنا لا أستطيع أن أفهمك؛ فأنت فيما يبدو قطعت شوطا بعيدا، وها أنت في هذه السن تسعى وراء بداية جديدة. ألا تظن أن الوقت قد فات لذلك؟!»
أجبته بلهفة: «إن الكثيرين يبدءون حياة جديدة بعد الأربعين. ثم إنها ليست بداية جديدة بمعنى الكلمة، وإنما هي تتويج للمسيرة السابقة، واستثمار شامل للإمكانيات المختلفة التي أملكها، ومن زوايا عديدة يمكن اعتبارها تطورا طبيعيا لشخصيتي.»
همهم القصير غاضبا، وعجبت لحقده علي، وأحسست إحساسا مبهما أني أثرته عندما أبرزت مواهبي، ودللت عليها بالشهادات الصادرة من جهات محترمة ذات نفوذ.
وتتبعت هذا الخط من التفكير، فقدرت أنه ربما وقف موقفي في صدر شبابه وأجازته اللجنة، لكنه فشل في تحقيق الآمال المعقودة عليه، وانتهى به الأمر إلى أن يكون مجرد عضو من أعضائها؛ ذلك أنه بالرغم من خطورة اللجنة وضخامة نفوذها، فإن البعض - وأنا منهم - يعتبرون عضويتها دليلا على نضوب الموهبة والفشل التام.
تكلمت إحدى السيدات وهي عجوز وقور، كانت تجلس في أقصى اليسار إلى جوار رجل بدين يرتدي سترة بيضاء، ويضع ساقا على ساق رافعا رأسه إلى أعلى، محدقا في السقف كأنه ليس معنا. سألتني: «هل تعرف الرقص؟»
أجبت: «أجل، بالطبع.»
فتدخل الرجل القصير الغاضب قائلا: «أرنا إذن.»
سألته: «أي أنواع الرقص؟»
Page inconnue