كنت أقف إلى جوار سيدة ممتلئة في أواسط العمر، أوشك أن يلتصق بها من الخلف عملاق في قميص مفتوح الصدر، أرسل بصره عبر النافذة متظاهرا بالشرود. وكانت السيدة دائبة الحركة في محاولة واضحة للابتعاد عنه، مما جعلها تصطدم بي.
أفسحت لها قليلا بقدر ما سمح الزحام. وتطلعت - كما فعل أغلب الواقفين من حولنا - إلى الفراغ الضئيل بين ساقه ومؤخرتها، فألفيته قد ثنى ركبته قليلا إلى الأمام، على أهبة التحرش بها. ولم أملك إلا أن رفعت إليه عيني في استياء صريح.
وأسارع فأقول إنني شخصيا من المغرمين بذلك الجزء البارز من جسد المرأة، بل ومن عشاق هذه اللحظات المختلسة في الزحام. ووجهة نظري أن هذا السلوك الذي قد يستهجنه البعض ليس إلا بديلا عربيا، نابعا من واقعنا وشخصيتنا المستقلة للرقص الغربي، حيث يمارس الناس الأمر ذاته متواجهين.
لكن البديل القومي يؤدي وظائف متنوعة أكثر من مجرد تفريغ الرغبات المكبوتة؛ فهو طريقة ناجحة لمكافحة الملل الناشئ عن الزحام والتوقف المتكرر لفترات طويلة في الشوارع التي زحمتها السيارات الخاصة. كما أنه - لدي على الأقل - وسيلة هامة - مشحونة بالتوتر - من وسائل المعرفة.
فالمرأة تظل كائنا مجهولا محملا بعشرات التكهنات، خاصة إذا ما حملت وجها مترفعا معاديا، إلى أن تكشف عن نفسها فجأة - ككتاب - إثر لمسة ساق خفيفة، معلنة تواطؤها، أو رفضها.
على أني جعلت لنفسي قيدا هاما على هذه الممارسة يمثل بالنسبة لي جوهر المتعة الناتجة، بالإضافة إلى أنه يتفق وأحد المبادئ الأخلاقية التي وضعتها لنفسي، وهو تجنب الإساءة إلى الآخرين؛ فاللمسة الأولى أو الثانية من ساقي لإحدى المؤخرات تكفي - في حالة شخص مدرب مثلي - لأن تعين لي ما إذا كانت المرأة تشاركني متعتي السرية، وإلا تلاشى اهتمامي بها وابتعدت عنها.
وهو ما أثار استنكاري في مسلك العملاق مع السيدة بعد أن أبدت أكثر من مرة - وبجلاء ووضوح تامين - نفورها من المشروع الذي عرضه عليها بلمسات متكررة من ساقه.
ويبدو أنه كان يدين بمبادئ أخلاقية مغايرة؛ لأنه لم يعبأ بتأففها ومحاولتها الابتعاد عنه، ولاحقها بلمساته؛ مما دفعها لأن تحتج صراحة.
فقد استدارت إليه فجأة وقالت بصوت منفعل:«أرجوك أن تكف!»
بهت، ثم انفجر فيها زاعقا: «أكف عن ماذا يا امرأة؟!»
Page inconnue