قلت موضحا: «لقد اضطرني بحثي عن «الدكتور» إلى مراجعة أعدادها على مدى ربع قرن؛ ومكنني هذا من رؤية الوقائع والأحداث في ترابطها والوصول إلى استنتاجات قيمة يسرت لي تفسير كثير من الظواهر المعاصرة.»
مال أحد العسكريين فجأة إلى الأمام وقال: «هل لك أن تحدثنا عن هذه «الظواهر» كما تسميها؟»
قلت في إعياء: «أعتقد أن إجابتي على هذا السؤال الذي سبق أن وجهه إلي الفقيد، موجودة في الأوراق التي أمامكم، بالنظر إلى كفاءة الأجهزة التي تملكونها.»
قلب في عدة أوراق أمامه وهو يقول: «أجل .. أجل. لدينا هنا بضعة أمور .. الأمراض النفسية، والسيجارة المصرية .. مياه الحنفية .. الأدوية الأجنبية، و«الكوكاكولا» .. لكنك لم توضح لماذا تعتبر هذه الأمور دون غيرها ظواهر جديرة بالالتفات؟»
قلت: «لم أقل هذا أبدا ... لقد ذكرتها في معرض الاستشهاد بأمثلة؛ فالظواهر المماثلة لا تعد ولا تحصى.»
قال: «لقد تجنبت أيضا الحديث عما تبينته بصددها، كما أنك أشرت إلى العلاقة بينها دون أن توضح ما تعنيه بذلك.»
فكرت بسرعة حتى وصلت إلى قرار، فقلت بلهجة من استبان أخيرا أن الصدق والصراحة التامة هما أسلم وسائل الدفاع: «سأتحدث بصراحة كي أثبت لكم صدق نيتي وسلامة طويتي. والواقع أني ضحية لطموحي من ناحية، وشغفي بالمعرفة من ناحية أخرى. ولولا الخاصية الأخيرة بالذات ما وقفت هذا الموقف الآن.»
قاطعني العسكري قائلا: «الأفضل أن تطرق الموضوع مباشرة.»
قلت: «لقد أردت فقط أن أوضح كيف انسقت إلى التفكير في هذه الأمور والبحث عن تفسير لها، إلا أني سرعان ما تبينت أن تناول إحداها بمعزل عن البقية لن يؤدي بي إلى شيء. والنتيجة ذاتها تنتظرني إذا ما تناولتها جميعا، من خلال العلاقات المتبادلة بينها، دون أن يكون لدي المنهاج السليم للبحث.
هكذا توصلت إلى نقطة البدء، وهي العثور على المنهاج الذي يصلح لتفسير كل ظاهرة على حدة، وكافة الظواهر في علاقتها بعضها ببعض.»
Page inconnue