أغلقت الباب ووقفت حائرا عاجزا عن الفهم. بحثت بينهم عن رئيسهم الذي لا يرى جيدا ويسمع بأذن واحدة فقط فلم أجده. واستنتجت أنه إما لم يأت معهم أصلا أو عجز عن صعود الدرج بسبب سنه. ولاحظت وجود الرجل القصير القبيح الوجه، وزميله الأشقر ذي العينين الملونتين. وكما حدث في المرة السابقة لم أتمكن من إحصاء عددهم من جراء عجزي عن التركيز، وانشغالي بإيجاد تفسير للزيارة غير المتوقعة.
قلت بصوت جاهدت أن أجعله مرتفعا ثابتا: «هل أعد شايا أم قهوة؟»
لم يرد علي أحد فلزمت الصمت، ورأيتهم يتجمعون أمام صفوف الكتب التي وضعتها بنظام على أرض الممر المؤدي إلى غرفة نومي ويقلبون بينها. ووجدتها فرصة نادرة - لم أتعمدها - يتبينون منها سعة اطلاعي، خاصة وأن الكتب في لغات متعددة، وفروع متباينة.
انفصل الرجل القصير فجأة عن الجميع واتجه برفقة زميله الأشقر في خطوات سريعة إلى الغرفة الداخلية التي أعمل وأنام بها، فهرعت خلفهما.
كانت هناك أكوام من الكتب والصحف والمجلات في كل مكان، لكنهما تجاهلاها، ووجها اهتمامهما إلى المائدة الصغيرة التي أستخدمها في الكتابة. وكان سطحها مكتظا ببعض الملفات والصحف في جانب، وكوم من الكتب يعلوها أحد المعاجم في جانب آخر، بينما استقر الكراس الذي كنت أعمل به في الوسط وإلى جواره البطاقات التي فرغت لتوي من ملئها، وصندوق الأحذية الذي اصطفت به بقية البطاقات في نظام كنت فخورا به.
دار القصير حول المائدة وجلس فوق مقعدها، وانكب على البطاقات يفحصها باهتمام وهو لا يخفي انفعاله. أما زميله فقد وقف يقلب في الملفات والصحف دون أن يشي وجهه بتعبير ما.
تكلم الأخير فجأة وهو يستخرج قطعة كبيرة من الورق المقوى من بين الملفات، فقال: «ما هذا؟»
كان يشير إلى عدد من الصور المنتزعة من المجلات المصورة، ألصقتها في براعة فوق قطعة الورق حتى بدت وكأنها صورة واحدة يتصدرها الرئيس الأمريكي كارتر، معطيا وجهه لنا وهو ينظر فوق رءوسنا، بما يتفق مع منصبه من جلال، وإلى جواره مباشرة صورة صغيرة الحجم للغاية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بيجين، وقد استبدلت سرواله الطويل بآخر صغير لأحد التلاميذ، فبدا الاثنان كما لو كانا أبا وابنه. وفي نصف دائرة أمامهما ألصقت مجموعة من صور أبرز الشخصيات في العالم العربي، من رؤساء وملوك وقادة ومفكرين ورجال أعمال، راكعين في وضع الصلاة وقد أعطوا مؤخراتهم لنا.
ابتسمت مجيبا: «إنها هواية أمارسها بين الحين والآخر، فأنا أقص صور الأشخاص المعروفين من المجلات وأعيد لصقها على الورق المقوى بعد أن أختار لها الأوضاع التي تناسبها، وأضيف إليها صورا أخرى في أوضاع مكملة، إلى أن أحصل على لوحة متكاملة.»
ظل يتأمل اللوحة باستغراب، فأضفت بعد لحظة: «كما تعلمون، فإن هناك مدرسة فنية كاملة تستند في عملها على أساس مشابه. وللوهلة الأولى يبدو الأمر بسيطا للغاية، لكن الوصول إلى نتائج قيمة يتطلب النجاح في إيجاد ارتباطات تجمع بين الطرافة والجدة من ناحية، والعمق الفكري من ناحية أخرى.»
Page inconnue