تربع عقلي على عرشه في انتصار وزهو يتأمل الجدران الشاهقة المنقوشة، ويتشمم الأطباق الشهية المتنوعة، ويتطلع إلى الملابس الفاخرة المتعددة، ويتحسس الفراش الوثير الثمين، ويطل على العربة الطويلة القابعة أمام القصر في خشوع وانتظار.
نعم، هذه هي الحياة؛ الحياة التي تستحق أن تعيشيها، أتلقين بكل هذه الأشياء الثمينة الغالية النادرة من أجل أوهام ترتع في قلبك؟!
تعلمي أن تحبي هذه الحياة، وأن تحبي هذا النعيم وهذا الترف، عودي حواسك على هذه المتع الجديدة.
ماذا كان يرضيك في ذلك الحرمان الذي كنت تعيشين فيه؟! تفضلين بضع كلمات ضائعة في الهواء على أكلة دسمة لذيذة، تفضلين رجفة القلب الوهمية على رجفة الجسد المحسوسة، تعلمي أن تعشقي جسدك وتشبعي حواسك. •••
جلست إلى المائدة الكبيرة الشهية، وأكلت وأكلت، فتحت صوان الملابس الفاخرة، ولبست ولبست، ركبت العربة الطويلة الفارهة، وسبحت وسبحت، تمددت على الفراش الناعم الوثير، ونمت ونمت، لفتني دوامة رهيبة، لها دوي كئيب شديد صم أذني، وسحب الضوء من عيني، وأوصد منافذ إحساسي وإدراكي، أحسست أنني نوع غريب من البهائم يمشي على قدمين، نظرت إلى نفسي في المرآة فرأيت وجها غريبا علي، مليئا باللحم والأصباغ، فارغا من الوعي والتعبير، وعينين مطفأتين جاحظتين كعيني الضفدع، وشفتين يابستين لا تقويان على الابتسام.
لم أعثر في وجهي على ملامح وجهي، ولم أعثر في أغوار نفسي على نفسي، رأيت نفسا أخرى متخمة مترهلة، وأحسست جسدا سميكا غليظا ليست فيه ملامح جسدي، وكأنما ضاع مني كل شيء، ضاع مني نور عيني، الابتسامة الطبيعية السهلة استعصت على شفتي.
لا شيء يواسيني، لا شيء يبعث في الأمل، لا شيء يثيرني، لا شيء يحمسني.
ذهب قلبي وذهب معه إيماني بوجودي وحياتي.
ورأيته يقبل نحوي.
من هذا الرجل الغريب الكئيب الذي يقتحم علي غرفة نومي؟
Page inconnue