62
ولكن بعض الجلود التي كتب عنها الأستاذ جروهمان ترجع إلى العصر الفاطمي، وأهمها واحدة يستنبط من طراز الكتابة في الورق المقوى (الدشت)، الذي لصقت فوقه الجلدة أنها من القرن الرابع الهجري (العاشر والحادي عشر الميلادي)، وهي خطيرة الشأن؛ لأن تأثير الصناعة القبطية ظاهر فيها، كما أن فيها أيضا الأساليب الفنية في صناعة التجليد الإسلامية كما نراها في العصور المتأخرة، فلا يزال باقيا بها قطعة من «اللسان» الذي يطوى لحماية الأطراف الأمامية من الكتاب، وأكبر الظن أن اللسان كان في هذه الجلدة مثلث الشكل، والجلدة نفسها من جلد عجل مدبوغ قاتم اللون، سمكها نحو مليمتر واحد، وذات حجم متوسط، وأما زخرفتها فمحفورة ومضغوطة، وقوامها إطار مملوء بورق شجر مرسوم رسما تقليديا مهذبا،
63
وأحيط هذا الإطار بمستطيل، فيه رسم شريط مجدول، به نقطة في كل مسافة من المسافات الصغيرة التي يكونها الشريط في سيره.
64
وهناك قطع أخرى ليست في حالة جيدة من الحفظ تسمح بدارستها، أو فهم شيء يذكر من صورها. وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما فيها من زخارف مجدولة، ومن وريقات شجر مهذبة تقليدية، تتخذ أحيانا شكل القلب، وفي بطانة جلدة منها نرى آثار رسوم هندسية ونباتية، ورسم طائر صغير ووريدات جميلة.
65
وعلى كل حال فإنه من الصعب التمييز بين جلود العصر الفاطمي، والجلود التي صنعت في القرن الذي سبق قدوم الفواطم إلى مصر؛ فإن التطور كان بطيئا، وقد استقرت أساليب الصناعة في العصر الفاطمي، وازدهر هذا الفن طبقا لناموس العرض والطلب.
66
ويجدر بنا في هذه المناسبة أن نشير إلى جلود الكتب التي كشفت منذ بضع سنين في تونس، ويرجع تاريخها إلى عصر بني الأغلب، وتشبه في زخارفها جلود الكتب القبطية. وقد ألقى الأستاذ جرج مارسيه بحثا عن هذه الجلود التونسية في مؤتمر اللغة والآداب والفنون العربية الذي عقد بتونس في ديسمبر سنة (1931)، والمنتظر أن يصدر عنها بحثا مفصلا بالاشتراك مع المسيو بوانسو
Page inconnue