الفصل الثاني حياته العلمية وتكوينه الثقافي
يعدّ أبو الفداء موسوعة علمية ثقافية متنوعة، فقد نهل من علوم كثيرة وأجاد في فنون متعدّدة، فكان كما وصفته كتب التراجم «رجلا عالما جامعا لأشتات العلوم ..
ماهرا في الفقه والتفسير والأصلين والنحو وعلم الميقات والفلسفة والمنطق والطب والعروض والتاريخ وغير ذلك من العلوم، شاعرا ماهرا كريما ... وكان معتنيا بعلوم الأوائل اعتناء كبيرا (١) وله يد طولى في الهيئة» (٢).
ولا ريب أنّ هذا التنوع الثقافي قد قام على أسس متينة متنوعة، غير أن كتب التراجم ضنّت علينا بأخبار حياته العلمية الأولى ولم تذكر لنا أسماء شيوخه ومؤدّبيه.
وأحسب أن أبا الفداء قد تردّد على العلماء والمؤدّبين، أو جاء إليه المؤدبون والعلماء شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك والأمراء، فأخذ عنهم ونهل من معينهم، وتفتّق ذهنه عن عبقرية مبدعة فأصبح «أعجوبة من عجائب الدنيا» (٣) وثمة إشارات وردت عرضا لدى أصحاب التراجم، وفي كتابه المختصر تبين لنا بعض سيرته العلمية وتكوينه الثقافي وهي (٤):
_________
(١) طبقات الشافعية للإسنوي، ١/ ٤٥٥.
(٢) الدرر الكامنة، ١/ ٣٧٢ وعلم الهيئة هو علم يبحث عن أحوال الأجرام السماوية وعلاقة بعضها ببعض وما لها من تأثير في الأرض، المعجم الوجيز، هيأ.
(٣) طبقات الشافعية للإسنوي، ١/ ٤٥٥.
(٤) انظر منهج أبي الفداء في البحث للدكتور حسن الساعاتي، ٥٦ - ٥٧ والمؤرخ أبو الفداء ونزعته العلمية للدكتور كامل عياد ٧٥ - ٩٥، وأبو الفداء للدكتور عبد الرحمن حميدة، ١١ - ١٧ وحماة في عصر أبي الفداء للأستاذ إحسان العظم ١٧٧ بحوث ضمن (كتاب المؤرخ الجغرافي أبو الفداء صاحب حماة).
1 / 15