ماذا عسانا أن نصنع وماذا عسانا أن ندع؟ من أين نبدأ وإلى أين ننتهي؟ الوحل يملأ الطريق في كل أرجائها فأين نلتمس سبيل النجاة؟ ... هذه وأمثالها أسئلة يلقيها السائلون المهتمون بإصلاح الفساد، فيقف الناس إزاءها رجلين: رجل يلقي السلاح قنوطا ورجل يحمل العبء لأنه يؤمن بالمصباح السحري وقدرته على محو الظلام مهما يكن حالكا.
والحديث ذو شجون ... فقد ذكرتني قصة علاء الدين ومصباحه بقصة صينية تقع منها موقع النقيض من نقيضه، إذ يروى أن عالما في الصين قد صنع عربة تطير في الهواء كما تطير ذوات الجناح، وتناقل الناس هذا النبأ العجيب حتى انتهى إلى مسامع الحاكم، فأمر الحاكم أن يؤتى له بذلك الشيطان البشري ولعبته، فجاءه العالم يصطحب العربة الطائرة، ولم يجد سبيلا إلى شرح أجزائها للحاكم؛ لأن هذا لم يكن على كثير ولا قليل من العلم بالآلات وفعلها، فطلب صاحب العربة الطائرة إلى الحاكم أن يصحبه في رحلة جوية ليقطع شكه بيقين لا ريبة فيه، وصعد الرجلان، فما هي إلا أن طارت بهما العربة العجيبة مع الطير في أجواز الفضاء، وهذا هو السحاب قد بات دونهم بعد أن كان فوق رءوسهم، ثم هبطا إلى الأرض. أما العالم فملئ بالزهو والأمل، وأما الحاكم فمرتعش مرتجف من هول ما رأى. الحق أنها معجزة قد تحققت على يدي هذا الشيطان، لكنه بعد أن هدأ قليلا التفت إلى صاحبنا العالم، وقال له: هذا عجيب! عجيب جدا تحار معه العقول، لكنه يجاوز بغرابته حدود ما أطلبه لشعبي! لا، إني لا أريد لبلادي بدعة كهذه مهما تكن براعتها وإعجازها لأنها ستكون للناس عاملا من عوامل القلق بحيث تضطرب أوضاعهم اضطرابا تتغير معه الأشياء والقيم، لا، لا، إني أريد لنفسي ولشعبي راحة البال ... ثم أمر بالعربة الطائرة فتحطمت أوصالها وأجزاؤها، وأمر ذلك الشيطان البشري ألا يعود إلى مثل هذا في غد قريب أو بعيد.
العربة الطائرة ومصباح علاء الدين رمزان يختلفان فيما يشيران إليه: القصة الأولى ترمز إلى الجمود والرغبة في ألا يتغير من أمر الناس شيء، والقصة الثانية تشير إلى الإنشاء السريع والمحو السريع، وترمز إلى إمكان التجديد والتغيير - وكل ما ندخله على قصة مصباح علاء الدين من تحوير وتعديل حتى تناسب الرجولة الناضجة العاملة، بعد أن كانت خيالا يلهو به الشباب الحالم، هو أن نجعل ذلك المصباح داخل نفوسنا لا خارجها، فنجعله في الإرادة الفعالة الماضية، والعزم المصمم الذي لا ينثني.
إن للإرادة القوية لسحرا، هو بذاته ما نسبه علاء الدين إلى مصباحه؛ لأنها تستطيع أن تغير كل شيء بمثل ما غير علاء الدين بمصباحه كل شيء.
لقد روي عن شاعر إيطالي بعد الحرب الكبرى الأولى أنه قال:
مات الماضي، قتلناه بأسنة الحراب
وهذا هو الحاضر فلنفتك به فتكا
حتى نقيم للمستقبل قوائم عرش مجيد
فيا ليت ما قاله الشاعر الإيطالي يتردد في أرضنا على كل لسان.
مقومات الحياة
Page inconnue