كتاب الكليات في الطب

Page 1

Page 2

/ وبعد حمد الله والصلاة على محمد رسوله بسم الله الرحمان الرحيم صلى الله على محمد وعلى اله وسلم تسليما الغرض في هذا القول في أن نثبت ها هنا من صناعة الطب جملة كافية على جهة الايجاز والاختصار تكون كالمدخل لمن أحب أن يتقصى أجزاء الصناعة وكالتذكرة أيضا لمن نظر في الصناعة ونتحرى في ذلك الأقاويل المطابقة للحق وان خالف ذلك أراء أهل الصناعة. فنقول ان صناعة الطب هي صناعة فاعلة عن مباديء صادقة يلتمس بها حفظ صحة بدن الانسان وابطال المرض وذلك بأقصى ما يمكن في واحد واحد من الابدان فان هذه الصناعة ليس غايتها ان تبريء ولا بد بل ان تفعل ما يجب بالمقدار الذي يجب وفي الوقت الذي يجب. ثم تنتظر حصول غايتها كالحال في صناعة الملاحة وقود الجيوش. ولما كانت الصنائع الفاعلة بما هي صنائع فاعلة تشتمل على ثلاثة أشياء: أحدها معرفة موضوعاتها والثاني معرفة الغايات المطلوب تحصيلها في تلك الموضوعات والثالث معرفة الالات التي بها تحصل تلك الغايات في تلك الموضوعات انقسمت باضطرار صناعة الطب أولا الى هذه الاقسام الثلاثة. فالقسم الاول الذي هو معرفة الموضوعات يعرف فيه الاعضاء التي يتركب منها بدن الانسان البسيطة والمركبة ولما كانت الغاية المطلوبة ها هنا صنفين حفظ الصحة وازالة المرض انقسم هذا الجزء الى قسمين أحدهما يعرف فيه ما هي الصحة بجميع ما به تتقوم وهي الاسباب الاربعة التي هي العنصر والصورة والفاعل والغاية وجميع لواحقها والقسم الثاني يعرف فيه ما هو المرض أيضا بجميع اسبابه ولواحقه ولما كان ايضا ليس في معرفة ماهية الصحة والمرض كفاية في حفظ هذه وازالة هذا انقسم هذان الجزان ايضا الى جزءين اخرين احدهما يعرف فيه كيف تحفظ الصحة والثاني كيف يبطل المرض ولما كانت الصحة ايضا والمرض ليسا بينين بانفسهما من اول الأمر احتيج ايضا الى تعرف العلامات الصحية والمرضية وصار هذا ايضا احد اجزاء هذه الصناعة واذا كان ذلك كذلك فاضطرار ما انقسمت هذه الصناعة الى سبعة اجزاء عظمى. الجزء الاول يذكر فيه اعضاء الانسان التي شوهدت بالحس البسيطة والمركبة والثاني يعرف فيه الصحة وانواعها ولواحقها والثالث المرض وانواعه واعراضه والرابع العلامات الصحية والمرضية والخامس الآلات وهي الأغذية والأدوية والسادس الوجه في حفظ الصحة والسابع الحيلة في ازالة المرض ونحن نقصد في ترتيبها ها هنا الى هذه القسمة اذ كانت هي القسمة الذاتية لها ولما كانت الصنائع الفكرية أحد ما تتسلم هي الموضوعات والمبادئ سوا كانت الموضوعات والمبادئ بينة بنفسها أو مما شأنها أن تتبين في صناعة اخرى وجب أن نعرف أولا الصنائع التي تتسلم عنها هذه الصناعة كثيرا من مباديها. ثم بعد ذلك نشير الى القول في جزء جزء منها فنقول ان هذه الصنائع بعضها نظرية وهي العلم الطبيعي وبعضها عملية وهذه منها صناعة الطب التجريبية ومنها صناعة التشريح اما العلم الطبيعي فانه تتسلم منه كثيرا من اسباب الصحة والمرض ولا سيما الأسباب القصوى كالاسطقسات وغيرها.

Page 3

Page 4

واما صناعة الطب التجريبية فانه يستفيد منها معرفة قسوى أكثر الأدوية فان الذي يدرك منها بالقياس نزر بالاضافة الى ما يحتاج من ذلك اليه بل بسبيل هذه الصناعة الطبية القياسية أن تعطى اسباب ما أوجدته الطب التجريبية واما صناعة التشريح فانها تتسلم منها كثيرا من أجزاء موضوعاتها ولما كان صاحب الصناعة ليس يمكنه بما هو صاحب تلك الصناعة ان يعلم المبادئ المتسلمة في تلك الصناعة بل ان كان فمن حيث هو صاحب صناعة اخرى وجب أن ياخذ/ تلك المبادى في صناعته من حيث هي مشهورة وبخاصة في التي لا يتفق له فيها الوقوف على اليقين في جميع اجزائها كتجربة الأدوية فانه بالاضافة الى الوقوف على هذا الجزء من الصناعة استقصر ابقراط العمر الانساني في قوله العمر قصير واما فى الجزء القياسي منها فليس هنالك قصر وكذلك الأمر في زماننا هذا في كثير من الأعضاء المشاهدة بالتشريح اذ كانت هذه الصناعة قد دثرت. وينبغي أن تعلم ان صاحب العلم الطبيعي يشارك الطبيب اذ كان بدن الانسان أحد أجزاء موضوعات صاحب علم الطباع لاكن يفترقان بان هذا ينظر في الصحة والمرض من حيث هي أحد الموجودات الطبيعية وينظر الطبيب فيهما من حيث يروم حفظ هذه وازالة هذا ولذلك يحتاج الطبيب بعد معرفة الكليات التي تحتوي عليها هذه الصناعة الى طول مزاولة وحينئذ يمكن أن يوجدها في المواد فان الكليات المكتوبة في هذه الصناعة يلحقها عند ايجادها في المواد أعراض ليس يمكن أن تكتب. فاذا زاول الانسان اعمال هذه الصناعة حصلت له مقدمات تجريبية يقدر بها أن يوجد تلك الكليات في المواد وذلك كالحال في الصنائع العملية التي تستعمل الروية وارسطو يخص هذه من بين الصنائع العملية بالقوى ومن هنا يظهر أن ما قيل في حد الطب من أنه معرفة الصحة والمرض والاشياء المنسوبة اليهما أنه حد غير صحيح وذلك أنه اسقط من هذا الحد الفضل الذي به يتميز نظر صاحب هذا العلم من نظر صاحب العلم الطبيعي وكذلك أيضا لا يلتفت الى ما يقولونه من الحال التي ليست بصحة ولا مرض فانه ليس بين ضرر الفعل المحسوس ولا ضرره وسط وانما يختلف بالاقل والاكثر وليس المتوسط بين الضدين أن يكون كل واحد منهما في جزء غير الجزء الذي فيه الآخر ولا في زمن غير الزمن الذي فيه الآخر وهذا بين مما قيل في العلم النظري.

واذ قد تبين من هذا القول ما غرض هذه الصناعة وما أجزاؤها وكيف وجه النظر فيها فقد ينبغي أن نشرع في القول في جزء جزء منها.

Page 5