أجل، إننا في بلاد ما زال فيها الألمعي غريبا، بيد أنه قد يجد الغريب في مطرحه لذة لا تقل عن لذة الموسرين الغارقين بين حشايا الحرير والديباج، ولولا ذلك لانتحر البؤساء الذين هم السواد الأعظم، لانتحر المساكين، وتقوضت أركان راحة الأغنياء، وأصبحت القصور الشاهقة قاعا صفصفا.
وكما يطمع الناسك المتقشف بسعادة دائمة بعد عيشته الخشنة هكذا يطمع الأديب بحياة ثانية، وهي حياة الذكر والروح. وعلى هذا الأمل يكتب هذا المنكود الطالع رواية أتعس التعساء «كريستوف كولومب» لنفكر بمصائب هذا الرجل فتصغر مصائبنا، وبضدها تتميز الأشياء.
كتبت هذه الرواية وفكري ميال إلى الروايات الوطنية، كما صرحت بذلك مرارا، ولكن اعتباري كولومب رجلا وطنه الإنسانية جمعاء، حملني على تأليف روايته؛ لأنه لم تبق أمة ولم تمتزج بالشعوب التي هي غرس اجتهاد كولومب وبلادها وطنه الحقيقي.
فليقرأ كل ناطق بالضاد هذه الرواية ويحيي عظام كولومب العظام، ويذكر القلم الذي كتب تاريخ حياته بالدعاء.
مارون عبود «جبيل» غرة آذار سنة 1910
المقدمة
(يظهر الملعب بهيئة دير رابيدا وكولومب وولده في فنائه.) (كولومب - دياكو (ولده) - الأب جوان - مرتين ألونزو - فرنسوى («قندلفت» خادم))
كريستوف كولومب :
خداع كله هذا الوجود
وغير الكذب فيه لا يسود
Page inconnue