تبشير النبي ﷺ للصحابة بالجنة
رابعًا: أن الصحابة بشروا بالجنة بأسمائهم، فالواحد منهم كان يمشي على الأرض وهو يعلم علم اليقين أنه من أهل الجنة، فكيف يصبر على الحياة؟! وهذا ليس فقط في حق العشرة المبشرين بالجنة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وأبو عبيدة وسعيد بن زيد، بل كثير من صحابته ﷺ بشروا بالجنة وهم أحياء، فمثلًا روى البخاري عن أبي هريرة ﵁ وأرضاه أن النبي ﷺ قال لـ بلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) ودف نعليك، يعني: تحريك نعليك أو صوت نعليك في الجنة، قال بلال: ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار -يعني: لم أتوضأ أي مرة- إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي، يعني: أن بلالًا كان يعيش في الدنيا وهو يعرف أنه من أهل الجنة، ولذلك من أجل هذا عند موته كانت زوجة بلال تبكي وتصرخ وتولول فقال لها: لماذا تبكين؟ غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه، وانظروا كيف حال بلال وهو مقبل على الموت! إنه إقبال بفرحة؛ لأنه على يقين أنه ذاهب إلى الجنة، فقد أخبر بذلك الصادق المصدوق ﷺ.
وهذا عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه عندما رآه الصحابة وهو يصعد شجرة للإتيان بعود أراك أو تمر من نخلة على اختلاف في الروايات فضحك الصحابة من دقة ساقيه، فقال الرسول ﷺ: (والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)، فتخيل عبد الله بن مسعود وكيف يكون حاله في الدنيا وهو عارف أنه أثقل في ميزان الله ﷿ من جبل أحد؟ وكذلك: الحسن والحسين ﵄، ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري ﵁ وأرضاه قال: قال رسول الله ﷺ: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، وأيضًا هنا: كيف تكون قيمة الدنيا في عين الحسن أو الحسين وقد علما أنهما سيدا شباب أهل الجنة؟ وأيضًا: السيدة خديجة ﵂، ففي البخاري عن أبي هريرة ﵁ وأرضاه أنه قال: (جاء جبريل ﵇ إلى النبي ﷺ وقال له: اقرأ ﵍ -أي: اقرأ على خديجة السلام- من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب -والقصب هو: اللؤلؤ- لا صخب فيه ولا نصب)، أي: لا ضوضاء ولا تعب في هذا البيت، فالسيدة خديجة تعرف أنها من أهل الجنة، وليس فقط ذلك، بل إن ربها قد أقرأها السلام، ومن جبريل أيضًا، وبشرها بقصر في الجنة من لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، إذًا فكيف يمكن أن تكون متعلقة بالدنيا! وكيف يمكن ألا تخشع في الصلاة! وكيف يمكن ألا تجاهد بمالها! وكيف يمكن ألا تشتاق إلى جنات الرحمن! وأيضًا عندما تحدث رسول الله ﷺ عن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب قال له عكاشة بن محصن - عكاشة: بتشديد الكاف أو تخفيفها-: (ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، فقام رجل آخر يطلب نفسه الطلب، فقال له رسول الله ﷺ: سبقك بها عكاشة)، لذلك نفهم كيف جاهد عكاشة حياته كلها، وجاهد كل حياته، وشهد مع رسول الله ﷺ المشاهد كلها، واستمر على ذلك بعد وفاة رسول الله ﷺ حتى استشهد في اليمامة في حرب المرتدين، وهو عارف أنه من أهل الجنة، فكيف يصبر على حياة الدنيا؟! وكل هذه التجارب نقلت الصحابة من المرتبة الإيمانية المسماة بعلم اليقين إلى المرتبة الإيمانية الأعلى المسماة بمرتبة عين اليقين: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر:٥ - ٧]، وعلى كل فالصحابة كانوا يرون كل شيء بأعينهم، حتى أمور الغيب رأوا كثيرًا منها بأعينهم وقت رسول الله ﷺ.
1 / 8