من أسباب رقي الصحابة: اختيار الله ﷿ لهم
السبب الأول: أن هذا الجيل جيل مختار من الله ﷿، أي: أن هؤلاء الصحابة بأعيانهم خلقوا ليكونوا أصحاب النبي ﷺ، فكان لازمًا أن يكون أبا بكر موجود ﵁، لأن له دورًا لا بد أن يقوم به، ولن يستطيع أن يقوم به غيره، وكذلك عمر يكون موجودًا، وعثمان وعلي وطلحة والزبير وبلال وخالد والسيدة خديجة والسيدة عائشة، فكل الصحابة لا بد أن يكونوا موجودين بأعيانهم، وكما يصطفي الله ﷿ رسله من الملائكة ومن البشر فكذلك يصطفي أصحاب رسله عليهم الصلاة والسلام: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج:٧٥].
وتأمل إلى الله ﷾ وهو يتكلم على أصحاب عيسى ﵇ إذ يقول: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا﴾ [المائدة:١١١]، يعني: أن أصحاب عيسى ﵇ قد خاطبهم الله ﷿ عن طريق الإلهام أو الوحي غير المباشر، واختيار الله ﷿ لأصحاب رسله لا بد أن يكون ذلك بطريقة معينة، وهذه الطريقة قد تكون عسيرة وصعبة، كأصحاب موسى الذين اشتهروا بالشر والأذى وسوء الأدب، ومع ذلك يقول الله ﷿ عنهم في كتابه: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان:٣٢ - ٣٣].
أما عن أصحاب رسول الله ﷺ فقد روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت ﵁ وأرضاه قال: (فقد النبي ﷺ ليلة أصحابه -يعني: أن الصحابة فقدوا النبي ﷺ وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم) يعني: إذا كانوا في سفر وأرادوا النوم في ليلتهم تلك جعلوا رسول الله ﷺ في وسطهم؛ حماية له ﷺ، (فلما استيقظوا من نومهم في جوف الليل لم يجدوا رسول الله ﷺ، يقول عبادة بن الصامت: ففزعوا وظنوا -وانتبه لهذه الكلمات- أن الله ﵎ قد اختار له أصحابًا غيرهم، فإذا هم بخيال رسول الله ﷺ، فكبروا حين رأوه، قالوا: يا رسول الله أشفقنا أن يكون الله ﵎ اختار لك أصحابًا غيرنا، فقال رسول الله ﷺ: لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة).
فالصحابة مختارون؛ لأن على أكتافهم تبعة حمل هذا الدين كاملًا من فم رسول الله ﷺ إلى أهل الأرض أجمعين، وليس هناك بعد رسول الله ﷺ رسول، فماذا لو كان أصحابه يتصفون بكذب أو خيانة أو كسل أو فتور أو حب لدنيا وانغماس فيها؟! وماذا سيكون حال الأرض إلى يوم القيامة لو نقل إلينا الدين مشوهًا أو مغيرًا أو مبدلًا؟! ولذلك تحتم أن يختار الله ﷿ من البشر من يستمعون إلى رسول الله ﷺ بإنصات، ويستمعون إليه بإمعان وتقدير، ثم ينقلون هذا الذي استمعوه إلينا جميعًا، فيقيمون بذلك الحجة على أهل الأرض أجمعين، وإلا فكيف سيحاسب الله ﷿ أهل الأرض؟! وكيف سيحاسب من يأتي من البشر بعد رسول الله ﷺ وقد قال الله ﷿ في كتابه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:١٥].
إذًا: لا بد أن يوجد جيل يحمل الأمانة، ويحمِّل الأجيال التي تأتي من بعد رسول الله ﷺ هذه الأمانة، وكأن النبي ﷺ حيٌّ بينهم، وهذا هو السبب الأول الذي من أجله استحق أن يكون هذا الجيل جيلًا فريدًا، وهذا الجيل جيل غير متكرر، وهو جيل قد اختاره الله ﷿ بعناية لصحبة رسوله الكريم ﷺ.
1 / 3