النظر إلى إمكانيات الصحابة على أنها إمكانيات رجل واحد
السبب الثالث: أنهم ينظرون إلى إمكانيات جيل الصحابة بأكمله على أنها إمكانيات رجل واحد أو امرأة واحدة منهم، وهذا ليس بصحيح، صحيح أن الصحابي أو الصحابية شخصية متكاملة؛ لكنه لم يكن متفوقًا في كل المجالات بدرجة واحدة، وإنما كان يبرز في مجال ويتفوق عليه غيره في مجال آخر، فهناك من تفوق في جانب الجهاد كـ خالد بن الوليد ﵁ والقعقاع بن عمرو التميمي والزبير بن العوام ﵃ أجمعين، فكانت عبقريات عسكرية فذة، لكن في نفس الوقت كان خالد بن الوليد ﵁ لا يحفظ من القرآن كثيرًا، فكان إذا صلى بالناس أخطأ في القراءة، فكان يلتفت إلى الناس بعد الصلاة ويعتذر منهم ويقول: إنما شغلت عن القرآن بالجهاد، لكن تعال للقرآن وعلوم القرآن تجد زيد بن ثابت وأبي بن كعب وأبا موسى الأشعري علماء أفذاذًا ﵃، لكن تفوقهم في المجال العسكري غير بارز.
وتعالوا لننظر مجال الأحاديث وحفظها، وطلب العلم ونقله، تجد أبا هريرة أسطورة علمية ومكتبة حافظة وكمبيوتر متحرك، لكن في مجال الإفتاء والأحكام الشرعية تجد غيره أبرز منه، فتجد عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب.
وتعالوا لننظر مجال الإنفاق، فـ أبو بكر الصديق وإن كان أبو بكر الصديق قد تفوق في كل المجالات، كذلك تجد عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.
وتعالوا لننظر أيضًا في الإدارة تجد عمر بن الخطاب، وفي إدارة الأمور تجد معاوية ﵁، فكل واحد متفوق في شيء، وكل واحد بارز في شيء، ونحن أيضًا منا من ينفق في سبيل الله ببساطة وبسرعة، ولكن حظه من العلم قليل، وواحد خطيب مفوه، لكن ليست له في السياسة خبرة، وواحد بارع في علوم القرآن، لكن ليس بارزًا جدًا في القضاء، فهناك إمكانيات مختلفة في مواهب مختلفة، وحصيلة علمية مختلفة، وتربية مختلفة، توجد ثغرات كثيرة جدًا، ونحن محتاجون لكل هذه المواهب لسد كل هذه الثغرات، وعليه عندما تنظر إلى جيل الصحابة بهذه الصورة فإنك وإن كنت ستتخذ كل الجيل بصفة عامة قدوة، إلا أنك ستتخذ من بينهم قدوة خاصة في المجال الذي أنت بارز فيه، فلو أنك قائد في الجيش سيكون قدوتك خالدًا، ولو أنك إداري سيكون قدوتك عمر وهكذا، وبذلك يصعب تسلل الإحباط إلى قلبك.
2 / 7