114

كن صحابيا

كن صحابيا

Genres

من نصر مسلمًا أو ذب عن عرضه نصره الله في موطن يحتاج فيه إلى نصرته أيضًا: الصحابي لم يكن يقبل أن يقال في حق أخيه وهو غائب كلمة قدح أو جرح، وإنما لابد أن يرد عنه في غيبته، وأن يدفع عنه. فقد روى أبو داود وأحمد عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري ﵄ أنهما قالا: قال رسول الله ﷺ: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته)، وفي المقابل (وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)، هذا هو أحد المفاهيم التي ترسخت عند الصحابة. وفي البخاري ومسلم عن كعب بن مالك ﵁ وأرضاه أحد المخلفين في غزوة تبوك أنه قال: (إن رسول الله ﷺ لما علم بغيابه في الغزوة قال: ما فعل كعب؟)، اطمئنانًا منه ﷺ على أصحابه، فهو يسأل لماذا لم يأت كعب معنا؟ فقال رجل من بني سلمة -بكسر اللام- يا رسول الله! حبسه برداه أي: حبسته ثيابه، ونظره في عطفيه يعني: في حسن وبهاء الثوب الذي عليه، والمراد من ذلك: أن الدنيا قد شغلته عن القدوم إلى الغزوة. فرد عليه معاذ بن جبل ﵁ قائلًا: (بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا)، والشاهد أن معاذًا دافع عن أخيه كعب، وإن كان كعب متخلفًا عن أهم غزوة في حياة المؤمنين، لكن معاذًا عذر أخاه حتى يعرف سبب تخلفه عن هذه الغزوة هذه هي الأخوة الحقيقية وهذا هو المعنى الذي فهمه الصحابة عن الأخوة. كذلك: لما وقع الناس في عائشة أم المؤمنين ﵂ في حادثة الإفك المشهورة قالت أم أيوب لزوجها أبي أيوب الأنصاري ﵄: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: نعم، وذلك الكذب، وتأمل كيف يدافع عن عائشة وهو جالس في بيته ولا أحد يراه، ثم قال كلمة شديدة لامرأته أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب، يعني: أكنت تفعلين هذا الفعل الذي يقوله الناس على السيدة عائشة ﵂؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فـ عائشة والله خير منك، فهكذا قال أبو أيوب الأنصاري مدافعًا عن السيدة عائشة في غياب كل الناس، وهو قاعد مع امرأته فقط، ولذا كان من حق السيدة عائشة ﵂ على أبي أيوب الأنصاري أن يدافع عنها في غيبتها، وبهذا فعلًا تُحفظ حرمة المؤمنين وحرمة المؤمنات من السوء. والخلاصة: أن الأخوة مسئولية وتضحية، ولن نستطيع أن نستفيض بذكر كل الروايات التي أتت في هذا الموضوع؛ لأن هذا يعني أننا سنتكلم عن حياة الصحابة من أولها إلى آخرها، لنرى مدى عملهم من أجل إخوانهم ومن أجل أخواتهم.

10 / 15