30
واستقبلت العروس ليلتها، وجعلت تقلب وجهها في السماء، وترنو إلى النجوم بعينين قد ثبت في إنسانيهما خيال ذلك الرجل كما يثبت خيال القاتل في عين المقتول،
31
فلم تر في هذه النجوم إلا هرم الدهر وتحجر الأيام، وقد استيقنت أن نجمها طامس لا محالة
32
وكأنما خرج عن الفلك، وضل في ذلك الحلك!
وما هي إلا خطرة الفكر حتى لاح في مرآة نفسها خيال ذلك الشاب الذي اختلبها أياما بالهوى، وكان لها منه الداء وكان له منها الدواء، وأغواها في عرف الناس ولكنه هو ما ضل وما غوى، وكان هذا الفتى قرويا فحلا، ظريف الهيئة، مستوي القامة، عريض الصدر، تام الخلقة، وثيق التركيب قد ارتوت مفاصله، واستحكم نسجه، وله مع ذلك خلابة، وفي لسانه دعابة، فما أطل حديثه وأنداه! وما أحلى خبره إذا كان من الغزل مبتداه!
وقد أحب الفتاة أكثر مما أحبته، ولكنها كانت غريرة لا تتبين منزلة ما بين الحب والاستسلام، وبين ما يعده الرجل وعدا بالفعل وما يراه وعدا بالكلام، ولم تعرف أن هذا الحب سلاح ذو حدين، فالمرأة تقتل به من ناحية الرجل، فإن غفلت مرة عن نفسها قتلت هي به أيضا من ناحيتها؛ وأن حب الرجل حب مجنون بطبيعته، فإذا لم يكن حب المرأة عاقلا، انقلب كلاهما حيوانا طامس القلب
33
لا يبالي ما جنى على نفسه؛ وأن الرجل يقاد من رغبته ما دامت أملا في قلبه، فهو يعد المرأة ما شاءت وشاء لها الهوى، حتى إذا انقطع هذا الزمام انقطع ما بين لفظ الوعد ومعناه، فأخذ منها ما أخذ وترك في يدها ما أعطى، وما عسى أن يكون قد أعطاها إلا آمالا ومواعيد وغرورا من زخرف القول؟ وكذلك أمر الرجل والمرأة؛ تحسب الفتاة إذا هي أحبت فاستأسرت لصاحبها أنها تبذل في مرضاته أعز ما تملك، وتنوله خير ما استؤمنت عليه، وتعطيه ما لا تستعيض منه آخر الدهر؛ وأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما،
Page inconnue