ولا يمكن النجاح العلمي إلا بصفات خلقية لا بد من توافرها: (1)
تحمل الصعاب والصبر عليها، فالوصول إلى الحق يحتاج إلى عناء ومكابدة في جمع الحقائق وامتحانها، واستخراج النتائج الصحيحة منها، فمن لم يتسلح بالصبر لا يمكنه أن يكون عالما، وكما قيل: «إن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك» ليس مجرد الحفظ والإستظهار بل ولا مجرد الفهم مما يصح أن يسمى علما، إنما العلم أن تمتحن الحقائق بنفسك وتبحثها لتتبين صحيحها من فاسدها. (2)
حب الحقيقة، فلا نندفع وراء عواطفنا في اعتقاد شيء أو عدم اعتقاده ما لم يثبت لدينا بالبرهان صحته، نتوقف في صدور الحكم إذا كانت البراهين لم تتوافر عليه، لا نخدع بحسن المظهر أو العبارات المنمقة حتى نصل إلى كنه الشيء ونزنه وزنا دقيقا، نلتزم الصدق في العلم فلا نصبغ الحقيقة بميلنا الشخصي ولا بشهواتنا وأهوائنا، ويدعونا حب الحقيقة إلى أن نوسع صدرنا للنقد يصدر على آرائنا وأفكارنا، نشغف بالقراءة فلا يكون كل غرضنا من العلم امتحانا ننجح فيه أو شهادة نحصل عليها، وإنما نقرأ لأن القراءة غذاء عقولنا، ولكن بجانب هذا يجب أن نتعلم كيف نقرأ، قال رسكن: «قد تقرأ كل ما في دار الكتب الإنجليزية ثم تصبح بعد - كما كنت - إنسانا غير متعلم، ولكن إذا أنت قرأت عشر صفحات بإمعان في كتاب جيد كنت إلى درجة ما إنسانا متعلما» وقال آخر: «لا تعمل القراءة أكثر من تزويد العقل بالمعرفة، أما التفكير فهو الذي يجعل ما نقرأ جزءا من أنفسنا، يجب أن ننعم النظر ونطيل الفكر فيما نقرأ، وليس يكفي أن نثقل أنفسنا بالمعلومات الكثيرة نكدسها، فما لم نمضغه ونهضمه لا يغذينا ولا يكسبنا قوة».
الناحية الخلقية:
أهم أسباب الوقوع في الرذائل شيئان: (1)
الأثرة أو التغالي في حب النفس. (2)
الجهل.
فالأثرة نوع من أنواع الضعف متأصل في الإنسان، فكل امرئ يتحزب لنفسه ويفكر فيها أكثر مما يفكر في غيره، ويدعوه ذلك في كثير من الأحيان أن يضحي بمصالح غيره وسعادتهم لمنفعته الشخصية، ذلك هو ما نسميه الأثرة.
حارب المصلحون هذه الأثرة كثيرا ونجحت تعاليمهم، ففرق كبير بين أثرة المتوحشين وأثرة الممدنين، ولكنها لا تزال باقية، ولا يزال الطريق طويلا أمام الناس حتى يستطيعوا أن يعاملوا غيرهم كما يعاملون أنفسهم، ولا تزال هناك عوامل تحيي في النفوس هذه الأثرة كالحرب وتزاحم الناس على وسائل العيش.
وهذه الأثرة أصل كبير من أصول الشر، فلو بحثت عن أكثر ما يرتكب من الجرائم لرأيت أن سببها التغالي في حب النفس، وأن المجرم لم يستطع أن يتصور أن يضع نفسه موضع من أجرم معه، ولو وضع نفسه وغيره في مستو واحد ما استباح لنفسه الإجرام.
Page inconnue