87

La Lutte de Thèbes

كفاح طيبة

Genres

فنظرت إليه نظرة طويلة تحير في إدراك كنهها، وحاول أن يدنو منها مرة أخرى، ولكنها صدته بإشارة من يدها وجمدت قسمات وجهها وتبدت القساوة والكبرياء في عينيها، فأحس خيبة أمل وبرودة تشتمل آماله وتقتل بلابل الرجاء المغردة في صدره، وسمعها تقول بشدة: ابتعد عني.

فقال لها برجاء: ألا تذكرين ...؟!

ولكنها قاطعته قبل أن يتم كلامه قائلة وقد استولى عليها الغضب الذي اشتهر به قومها: أذكر وسأذكر دائما أنك جاسوس وضيع!

فأحس صدمة مروعة جعلته يقطب، وقال بغضب: أيتها الأميرة .. ألا تدركين أنك تخاطبين ملكا؟ - أي ملك يا هذا؟

فاستولى عليه الغضب وقال بشدة: فرعون مصر.

فقالت بتهكم: وأبي أيكون أحد ولاتك؟!

فاشتد الغضب بالملك وغلب كبرياؤه عواطفه جميعا، فقال: ليس أبوك أهلا لأن يكون واليا من ولاتي، ولكنه مغتصب عرش بلادي، وقد هزمته شر هزيمة وجعلته يفر من أبواب طيبة الشمالية تاركا ابنته تقع أسيرة بين أيدي القوم الذين ظلمهم، وسوف أتبعه بجيوشي حتى يلوذ بالصحاري التي قذفته إلى وادينا .. ألا تدركين هذا؟ .. أما أنا فملك هذا الوادي الشرعي لأني من سلالة فراعنة طيبة المجيدة، ولأني قائد مظفر أسترد بلادي عنوة واقتدارا.

فقالت ببرود وسخرية: طبت من ملك يبرع قومه في مقاتلة النساء! - يا للعجب ألا تعلمين أنك مدينة لقومي هؤلاء بحياتك؟ .. لقد كنت تحت رحمتهم ولو أنهم قتلوك ما خالفوا السنة التي استنها أبوك في تعريض النساء والأطفال لنبال المقاتلين. - وهل تضعني على قدم المساواة مع أولئك النسوة؟ - ولم لا؟ - معذرة أيها الملك .. فإنه كبر علي أن أتصور أني مثل إحدى نسائكم أو أن أحدا من قومي مثل أحد من قومكم إلا أن يتساوى السادة والعبيد .. ألا تعلم أن جيشنا غادر طيبة لا يحس ذل المغلوب؟ وكانوا يقولون باستهانة ثأر عبيدنا وسنكر عليهم!

وجن جنون الملك وغلبه الغضب على أمره، فصاح بها: من العبيد ومن السادة؟ .. إنك لا تدركين شيئا أيتها الفتاة المغرورة؛ لأنك ولدت بين أحضان هذا الوادي الذي يوحي بالمجد والعزة، ولو تأخر مولدك قرنا من الزمان لولدت في أقسى صحاري الشمال الباردة، ولما سمعت من يقول لك: أميرة، أو يدعو أباك: ملكا، من تلك الصحاري جاء قومك فاغتصبوا سيادة وادينا وجعلوا أعزته أذلة، ثم قالوا جهلا وغرورا إنهم أمراء وإننا فلاحون عبيد، وإنهم بيض وإننا سمر، واليوم يأخذ العدل مجراه فيرد إلى السيد سيادته، وينقلب العبد إلى عبوديته، ويصير البياض سمة الضاربين في الصحاري الباردة، والسمرة شعار سادة مصر المطهرين بنور الشمس.

هذا الحق الذي لا مراء فيه!

Page inconnue