82

La Lutte de Thèbes

كفاح طيبة

Genres

فلاح الارتياح في وجه القائد، واستأذن الملك في العودة إلى أسطوله ليهجم على الشاطئ، فأذن له الملك وقال لحور مغتبطا: لن يفلت أصحاب الضياع هذه المرة بأموالهم.

فقال حور بصوت متهدج من الفرح: نعم يا مولاي، وعما قريب تفتح لك طيبة المجيدة أبوابها. - ولكن أبوفيس فر بجيشه. - لن نكف عن الكفاح حتى تسقط هواريس ويجلو عن مصر آخر رجل من الرعاة.

وعاد الملك إلى مراقبة القتال فرأى جنوده تقاتل على أدراج الحصار وفي أعلى السور وتضغط على الرعاة المتقهقرين أمامها، وصعدت فيالق الجند من حملة الرماح والسيوف بكثرة وعلت السور من كل جانب وأحاطت بالرعاة وأعملت فيهم القتل والذبح، وما لبث أن رأى جنوده تمزق علم الهكسوس وترفع علم طيبة الخفاق ، ثم شاهد أبواب طيبة العظيمة تنفتح على مصراعيها وجنوده تندفع إلى داخلها هاتفة باسمه، فتمتم قائلا بصوت خافت: «طيبة .. يا منبع دمي .. ومنبت جسدي .. ومرتع روحي .. افتحي ذراعيك وضمي إلى صدرك الحنون أبناءك البررة البواسل»، ثم حنى رأسه ليخفي دمعة منتزعة من ضلوعه، وكان حور إلى يمينه يصلي ويجفف عينيه وقد تندى خداه النحيلان.

13

ومضت ساعات أخرى وأخذت الشمس تميل نحو المغيب، وأقبل الملك والقائدان محب وديب، ثم تبعهما على الأثر أحمس إبانا فانحنوا لأحمس في إجلال وهنأوه بالنصر، فقال أحمس: ينبغي قبل أن يهنئ بعضنا بعضا أن نؤدي الواجب نحو جثث الأبطال والجنود والنساء والأطفال الذين استشهدوا في سبيل طيبة فائتوني بها جميعا.

وكانت الجثث ملقاة في جنبات الميدان وعلى سطح السور وخلف الأبواب، وقد عفرتها الأتربة وخضبتها الدماء، وسقطت من رءوسها الخوذ الحديدية، وشملها سكون الموت الرهيب، فرفعها الجنود باحترام وساروا بها إلى جانب من المعسكر وأرقدوها جنبا إلى جنب، وأتوا بالنساء والأطفال اللاتي مزقتهن سهام جنودهم ووضعوهن في مكان منعزل، وتوجه الملك إلى مرقد الشهداء يتبعه الحاجب حور والقواد الثلاثة والحاشية، ولما دنا من الجثث المتراصة انحنى في إجلال صامت حزين ففعل رجاله مثله، ثم سار في خطى بطيئة مارا بها كأنما يستعرضها في حفل رسمي مشهود، ثم عدل إلى حيث يرقد النسوة والأطفال وقد سجوا أجسادهن العارية بأغطية من الكتان، فأظلت وجه الملك سحابة حزن وأظلمت عيناه، وتنبه من كمده على صوت القائد أحمس إبانا وهو يصيح بالرغم منه بصوت مرتعش النبرات قائلا: أماه!

فالتفت الملك وراءه فرأى قائده يجثو متألما متفجعا أمام إحدى الجثث، فألقى عليها الملك نظرة فاحصة فعرف السيدة إبانا وقد ارتسم على محياها شبح الفناء المروع، فوقف الملك إلى جانب قائده الجاثي خاشعا حزين الفؤاد، وكان يكن للسيدة احتراما عظيما ويعرف لها وطنيتها وشجاعتها وفضلها في تربية أحمس خير قواده بلا نزاع، ورفع الملك رأسه إلى السماء وقال بصوت متهدج: أيها الرب المعبود آمون، خالق الكون، وواهب الحياة ومنظم كل شيء بسنته العالية، هذه ودائعك ترد إليك تبعا لمشيئتك، وقد كانوا في عالمنا يعيشون لغيرهم وكذلك ماتوا، إنهم قطع عزيزة تناثرت من قلبي، فتغمدهم برحمتك، وعوضهم عما فقدوا من حياة فانية حياة سعيدة أبدية باقية.

والتفت الملك إلى الحاجب حور وقال: أيها الحاجب، أريد أن تحفظ هذه الجثث جميعا وتودع مقابر طيبة الغربية، ولعمري إن أحق الناس بأرض طيبة من استشهدوا في سبيلها.

وعاد في تلك الأثناء الرسول الذي كان أرسله الملك إلى أسرته في دابور وقدم إلى مولاه رسالة، فعجب الملك وسأله: هل عادت أسرتي إلى هابو؟

فقال الرجل: كلا يا مولاي.

Page inconnue