وكان أول كلمة نطق بها إسفينيس على أثر مبارحة الحاكم لسفينته، أن قال للشيخ الذي يلازمه: منذ هذه الساعة لا أحمس هناك ولا حور، ولكن إسفينيس التاجر ووكيله لاتو.
فابتسم الشيخ وقال: نطقت بالحكمة أيها التاجر إسفينيس.
ونشرت القافلة شراعها، وتحركت مجاديفها، فانحدرت مع الموج صوب حدود مصر واجتازتها في أمان وسلام، وكان إسفينيس ولاتو يقفان عند مقدم السفينة يكابدان شوقا واحدا، تكاد عيناهما تشرقان بالدمع، قال إسفينيس: بدء حسن.
فقال لاتو: نعم فلنصل للرب آمون شكرا، ونسأله أن يسدد خطانا ويكلل مسعانا بالفوز المبين.
وجثوا على سطح السفينة وصليا معا، ثم عادا إلى وقفتهما، وقال إسفينيس: إذا ظفرنا بإعادة الروابط مع النوبة إلى سابق عهدها، فقد ظفرنا بنصف النجاح، فنعطيهم ذهبا ونأخذ رجالا. - اطمئن، فهم لا قبل لهم بمقاومة إغراء الذهب، ألم يفتح لنا الحدود المغلقة منذ عشرة أعوام؟ .. إن الرجل من الرعاة عظيم العنجهية والصلف شديد البأس؛ ولكنه كسلان يستخدم غيره، ويتعالى على التجارة، ولا يحتمل الحياة في النوبة، فلا سبيل إلى ذهبها إلا بمن يتطوع مثل التاجر إسفينيس بحمله إليه!
ومضيا معا يلقيان ببصرهما إلى مجاهل الأفق البعيد الغارق في مجرى النيل، يقلبان الطرف في خضرة ناضرة تكتنف القرى والدساكر، تحلق فوقها الأطيار، وترعاها الثيران والبقر نشاوى؛ والفلاحون يعملون هنا وهنالك عراة لا يرفعون رءوسهم عن الأرض، فأثار منظرهم في صدر الشاب الحب والغضب، واستعر قلبه حنانا وحنقا، فقال: انظر إلى جنود أمنمحيت، كيف يعملون عبيدا للبيض الحمقى المتعجرفين ذوي اللحى القذرة!
وتقدم المسير بالقافلة، فمرت بأمبوس وسلسليس ومجنا ونخب وترت، فلم يبق دون طيبة سوى ساعة، وتساءل إسفينيس: أين ينبغي أن ترسو السفينة؟
فقال لاتو مبتسما: في الجنوب من طيبة حيث توجد أحياء الفقراء والصيادين، وجميعهم مصريون خلص.
فأمن الشاب على قوله، ولاحت منه نظرة إلى الأمام فرأى على البعد سفينة تسير نحوهم فعلق بصره بها وهي تدنو رويدا رويدا، حتى استطاع أن يتنورها؛ فرأى سفينة فخمة جميلة التركيب بادية الأناقة، تعلو وسطها مقصورة حسناء يتألق في جوانبها الفن الجميل، فخال أنه رأى مثلها من قبل، ولكز لاتو في ذراعه متمتما: انظر.
فنظر الرجل وقال بسرعة: رباه! هذه سفينة فرعونية، (ثم استدرك) إنها تسير بغير حرس، فلعل راكبها أحد رجال القصر، أو أمير يطلب الخلوة!
Page inconnue