فتهلل وجه بيبي وقال بسرور: حييتم من جنود بواسل، والآن أصغوا إلي؛ لم يبق من جيشنا إلا أقله، ولكننا سنخوض المعركة غدا على رءوسهم حتى آخر رجل، وسيكون من جراء قتالنا أن نعوق تقدم أبوفيس حتى تتهيأ فرص النجاة لأسرة سيكننرع، فما دام أفراد هذه الأسرة على قيد الحياة، فالحرب بيننا وبين الرعاة لن تنتهي، وإن سكنت في الميادين إلى حين، سأفارقكم بعض يوم لأؤدي واجبي نحو هذه الجثة ونحو ذريتها الباسلة، ثم أعود إليكم قبل مطلع الفجر، لنموت معا في ميدان القتال.
طلب منهم أن يصلوا جميعا أمام جثة سيكننرع، فجثوا وجثا، واستغرقوا في صلاة حارة، وختم بيبي صلاته قائلا: أيها الرب الرحيم، تغمد مليكنا الباسل برحمتك في جوار أوزوريس، واكتب لنا ميتة سعيدة كميتته، كي نلقاه في العالم الغربي بوجوه لا يخزيها لقاؤه.
ثم نادى بعض الجنود وأمرهم بحمل الهودج إلى السفينة الفرعونية، والتفت نحو رفاقه وقال: أستودعكم الرب وإلى اللقاء القريب.
سار خلف الهودج حتى وضعوه في المقصورة، ثم قال لهم: حين تبلغ بكم السفينة طيبة، سيروا به إلى معبد آمون، وضعوه في البهو المقدس، ولا تجيبوا من يسألكم عنه حتى أوافيكم.
وعاد القائد إلى عجلته، وأمر السائق بالمسير إلى طيبة، فانطلقت بهما تنهب الأرض نهبا. •••
وكانت طيبة تسلم جفونها للنوم ، تحت ستار الظلام الذي يغشى معابدها ومسلاتها وقصورها، في غفلة عما يقع خارج أسوارها من الأحداث الجسام، فاتخذ سبيله رأسا إلى القصر الفرعوني، وأعلن الحرس حضوره، فجاء رئيس الحجاب على عجل، ورد تحيته، وسأله بقلق: ماذا وراءك أيها القائد؟
فقال بيبي بلهجة دلت على الجزع: ستعلم كل شيء في حينه أيها الحاجب الأكبر، والآن استأذن لي في المثول بين يدي ولي العهد!
فغادر الحاجب الحجرة غير مرتاح البال، ثم عاد بعد زمن قصير وهو يقول: «إن صاحب السمو ينتظرك في جناحه الخاص»، فمضى القائد إلى جناح ولي العهد وأدخل عليه في بهو الاستقبال. وسجد بين يديه، وقد أدهشت الزيارة غير المتوقعة الأمير، فلما رفع بيبي رأسه ورأى الأمير وجهه الشاحب، وعينيه الذابلتين، وشفتيه الممتقعتين، ساوره القلق، وسأل كما سأل حاجبه من قبل قائلا: ماذا وراءك أيها القائد بيبي؟ .. فلا بد من أمر جلل دعاك إلى مفارقة الميدان في هذا الوقت؟
فقال القائد بصوت دلت لهجته على الحزن والكآبة: مولاي، ما تزال الآلهة - لأمر تخفى علي حكمته - غاضبة على مصر وأهلها!
فوقع هذا الكلام من نفس الأمير موقع اليد القابضة من العنق، وأدرك ما يدل عليه من الأخبار المحزنة فتساءل في قلق وجزع: هل أصيب جيشنا بكارثة؟ .. هل يطلب والدي مددا؟
Page inconnue