واستخزى رفعت وأطرق، ودون سلام جمع نفسه المبعثرة وقام إلى الباب، وخرج صدقي يشيعه وصيحة تملأ نفسه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
8
حفني سلام، سائق سيارة، اشتراها بعد جهد جهيد طوال سنوات عشر، كان يوفر من ضرورات الحياة حتى يحصل على ثمنها. وقد اشتراها قديمة توشك أن تكون مستهلكة، فقام بإصلاح آلتها وتجميل خارجها بكل ما يطيق من جهد وخبرة. واستخرج رخصة تتيح له أن يجعل السيارة على الخط، وهو تعبير يعرفه سكان المراكز، ويعني أن السيارة تعمل بين مصر والمركز بشكل منتظم. واستخراج هذه الرخصة يحتاج إلى مجهود كبير آخر مع الجهات الرسمية ومع زملائه على الخط حتى لا يعدو عليهم ولا يعدوا عليه.
وبدأ حفني عمله على الخط وهو مثقل بالديون، فكان يعمل ليل نهار ليسدد ما عليه من ديون، وليتبقى له ما يقيم أوده وزوجته وردة وبناته الأربع وابنه الذي جاء بعد البنات، فاعتبره أعظم ما وهبته له السماء، وأسماه محروس، داعيا الله بالاسم الذي اختاره أن يحرسه.
ومرت سنوات خمس، وبدأ محروس يذهب إلى المدرسة، ولكن شاء الله أن يمتحن عبده حفني، فأصيب محروس بالمصران الأعور، وكان لا بد أن تتم له العملية بين يوم وليلة.
وجن جنون حفني، وراح يجري هنا وهناك. ولكن من أين لأصدقاء حفني أن يعينوه بالرقم الذي تحتاجه العملية، وكان قريبا من خمسمائة جنيه. وفي لحظة الجنون التي تمر والأب يخشى على ابنه الموت المحقق اتجه إلى رفعت الربيعي. - أنت تعرفني العمر كله وطالما كنت تحت أمرك. - هذا كلام لا ينفع الآن. كيف أضمن المبلغ إذا أنا أعطيته لك؟ - خذ كل الضمانات التي ترضيك. أكتب وصل أمانة. - وماذا أفيد أنا من حبسك إذا لم تدفع؟ - فماذا تريد؟ - تبيع لي السيارة. - يا نهار أسود! وكيف أعيش؟ - البيع صوري. - أمرك، ولكن معنى البيع الصوري أن تكتب لي ورقة تذكر فيها أن البيع صوري. - هل أنت عبيط؟! - فكيف يكون البيع صوريا إذن؟ - يكون كذلك بيني وبينك. - وإذا استوليت سعادتك على السيارة؟ - واحدة من اثنين، إما أن تثق في ذمتي أو لا تثق.
وأرتج علي حفني، وأصبح في موقف لا خيار فيه. إن قال له لا أثق في ذمتك، فقد الأمل في السلفة، وربما فقد حياته هو أيضا بعد ذلك. وإن قال أثق، فمعنى ذلك أنه باع نفسه جميعا إلى ذلك الرجل المتوحش، وأصبح لا يملك من أمر نفسه شيئا. قضاء أخف من قضاء، أبيع نفسي خير من أن أفقد ابني وحياتي. - يا سلام يا سعادة البيه، وهل يستطيع مثلي ألا يثق في مثلك؟
وكتبت الأوراق، وأخذ المبلغ، وأجريت العملية لمحروس، ونجحت وأفاق حفني إلى الكارثة التي حلت به.
لم تمر أيام حتى وجد عند وردة طلبا من رفعت أن يذهب إليه في باكر الصباح. ومعنى هذا أن يخسر دورا من أدواره في الخط، فاحتسب دوره عند الله وذهب إلى رفعت. - اسمع يا عم حفني، سيارتك تلزمني في توصيلة. - أنت تأمر يا رفعت بك، هل ستركب أنت سيارتي المسكينة هذه؟ - لا، أنا عندي سيارتي، هذه توصيلة إلى القاهرة، سيكون معك فيها عتمان أبو سعيد. - أمرك. - كم تأخذ في التوصيلة؟ - ثلاثة جنيهات من النفر، يعني 15 جنيها. - أنا سأعطيك خمسين جنيها. - ماذا؟ - ما سمعت. - لماذا؟ - أنا حر يا أخي، أتصرف في مالي كيف أشاء. - هيه.
وفهم حفني الوضع تماما؛ فقد كان يسمع أن عتمان من الذين يعملون في تهريب المخدرات لرفعت بك، والآن تحقق له ما سمع، ولكن اضطر أن يتظاهر بأنه لم يفهم.
Page inconnue