La Superstition: Une Très Courte Introduction
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وفيما ترجع بعض نظريات الأساطير الحديثة إلى مجالات الفلسفة والأدب العتيقة، فهي تعكس أيضا تأثير العلوم الاجتماعية. حتى ميرسيا إلياد - الذي تناطح نظريته المستلهمة من الدراسات الروحية نظريات العلوم الاجتماعية - يدرج بيانات مشتقة من العلوم الاجتماعية لدعم نظريته!
يتضمن كل مجال من المجالات المذكورة نظريات متعددة عن الأساطير. وعلى نحو دقيق، تنتمي نظريات الأساطير إلى مجال أرحب كثيرا لا تشغل الأسطورة فيه إلا مجرد فرع. على سبيل المثال، تعتبر النظريات الأنثروبولوجية للأساطير نظريات ثقافية «مطبقة» على حالة الأساطير، كما تعتبر النظريات النفسية للأساطير نظريات عقلية، ونظريات علم الاجتماع للأساطير نظريات مجتمعية. فلا توجد نظريات للأساطير قائمة بذاتها، إذ لا يوجد مجال معرفي منفصل للأساطير. وليست الأسطورة كالأدب الذي - مثلما كانت المزاعم التقليدية حوله دوما وما زالت قائمة - يجب دراسته «كأدب» لا كتاريخ، أو علم اجتماع، أو شيء آخر غير أدبي. فلا توجد دراسة للأسطورة في حد ذاتها.
إن ما يربط بين دراسة الأساطير في المجالات المختلفة التي توجد فيها هي الأسئلة المطروحة؛ وتتمثل الثلاثة أسئلة الرئيسة المطروحة حول الأسطورة في الأصل، والوظيفة، والموضوع. فيشير «الأصل» إلى السبب والطريقة التي نشأت بها الأسطورة، وتشير «الوظيفة» إلى السبب والطريقة التي تستمر بها الأسطورة في الوجود. وتتمثل إجابة السبب في أصل ووظيفة الأسطورة عادة في حاجة ما تستثيرها الأسطورة لتلبيتها، وتستمر من خلال مواصلتها في تلبية الحاجة. وتختلف الحاجة من نظرية إلى أخرى. بينما يشير «الموضوع» إلى المدلول في نظرية الأساطير. بعض النظريات تفسر الأسطورة تفسيرا حرفيا بحيث يتمثل المدلول في المعنى المباشر الصريح، مثل الآلهة، وفي المقابل، تفسر نظريات أخرى الأسطورة تفسيرا رمزيا قد يكون المدلول المجسد فيها أي شيء.
لا تختلف النظريات فيما بينها في الإجابات التي تقدمها بل في الأسئلة التي تطرحها أيضا. فبينما تركز بعض النظريات، وربما بعض المجالات المعرفية، على أصل الأسطورة، تركز نظريات أخرى على الوظيفة، فيما تركز نظريات أخرى على الموضوع. إضافة إلى ذلك، فيما لا تتناول الأسئلة الثلاثة سوى نظريات قليلة، لا تركز بعض النظريات التي تتناول أصل أو وظيفة الأسطورة إلا على «سبب» أو «طريقة» النشوء فقط، لا على كليهما.
من السائد قول إن نظريات القرن التاسع عشر ركزت على سؤال الأصل، وإن نظريات القرن العشرين ركزت على سؤالي الوظيفة والموضوع. ويؤدي هذا التمييز إلى الخلط بين الأصل التاريخي والأصل المتكرر. ولا تزعم النظريات التي تدعي تقديمها لأصل الأساطير معرفتها بمكان وزمان ظهور الأسطورة للمرة الأولى، بل بسبب وطريقة ظهور الأسطورة متى وأينما ظهرت. وكان موضوع الأصل المتكرر للأسطورة موضوعا شائعا في نظريات القرن العشرين مثلما كان كذلك في نظريات القرن التاسع عشر، وكان الاهتمام بالوظيفة والموضوع مسألة شائعة في نظريات القرن التاسع عشر مثلما كان الحال في نظريات القرن العشرين.
ثمة اختلاف حقيقي واحد بين نظريات القرن التاسع عشر ونظريات القرن العشرين؛ فكانت نظريات القرن التاسع عشر تنحو إلى النظر إلى موضوع الأسطورة باعتباره العالم المادي، وإلى الوظيفة باعتبارها التفسير الحرفي أو التعبير الرمزي عن ذلك العالم. وكانت الأسطورة تعتبر على نحو نموذجي النظير «البدائي» للعلم الذي كان يفترض حديثا في مجمله. ولم يجعل العلم الأسطورة مجرد شيء لا لزوم له، بل جعلها غير متوافقة معه على الإطلاق؛ ولذا توجب على الحداثيين - الذي كانوا علميين بطبيعتهم - لفظها. في المقابل، لم تمل نظريات القرن العشرين إلى النظر إلى الأسطورة باعتبارها نظيرا للعلم عفا عليه الزمن، سواء فيما يتعلق بالموضوع أو الوظيفة؛ بناء عليه، لا يتوجب على الحداثيين الاستغناء عن الأساطير من أجل العلم.
وإضافة إلى الأسئلة المتعلقة بالأصل، والوظيفة، والموضوع، تشمل الأسئلة المتعلقة بالأساطير الآتي: هل الأسطورة عامة؟ وهل هي حقيقية؟ تنبثق إجابات هذين السؤالين من الإجابات عن الأسئلة الثلاثة الأولى. فالنظرية التي ترى أن الأساطير تنشأ وتعمل على تفسير العمليات المادية سوف تقصر الأسطورة - على الأرجح - على المجتمعات التي يفترض افتقارها إلى العلم. وفي المقابل، النظرية التي ترى أن الأساطير تنشأ وتعمل على توحيد المجتمع قد تجعل من الأسطورة أمرا مقبولا، بل وربما لا غنى عنه في جميع المجتمعات.
تتمسك النظرية التي ترى أن الأساطير تعمل على تفسير العمليات المادية باعتقادها في زيف الأساطير، في حال إثبات أن التفسير المقدم لا يتماشى مع التفسير العلمي. من ناحية أخرى، قد تتلافى النظرية التي ترى أن الأسطورة تعمل على توحيد المجتمع؛ مسألة حقيقتها من خلال التأكيد على أن المجتمع يتوحد عندما «يؤمن» أعضاؤه بأن القوانين التي من المتوقع التزامهم بها وضعها أسلاف مبجلون قبل وقت طويل مضى، سواء وضعت هذه القوانين قبل هذا الوقت الطويل أم لا. ويتجنب مثل هذا النوع من النظريات مسألة حقيقة الأساطير؛ نظرا لأن الإجابات التي تقدمها لأسئلة الأصل والوظيفة تفي بالغرض نفسه.
تعريف الأسطورة
حضرت مؤتمرات عديدة طرح المتحدثون فيها آراءهم بحماس شديد حول «طبيعة الأسطورة» في الرواية «س» أو المسرحية «ص» أو الفيلم «ع». في المقابل، تعتمد معظم هذه الآراء على تعريف الأسطورة، فدعوني أطرح تعريفي للأسطورة.
Page inconnue