La Superstition: Une Très Courte Introduction
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
يعارض أسلوب بولتمان ويوناس في تناول الأسطورة أسلوب تايلور في التعاطي معها معارضة شديدة. فمن ناحية، يسلم تايلور بأن الأسطورة يجب تفسيرها حرفيا كي يمكن أخذها على محمل الجد، ويرى أن الرمزيين الأخلاقيين والمؤلهين يقللون من قيمة الأسطورة عن طريق تفسيرها تفسيرا رمزيا. ومن ناحية أخرى، يرى بولتمان ويوناس، فضلا عن منظرين آخرين مثل جوزيف كامبل، النقيض؛ إذ يعتقدون أن الأسطورة يجب تفسيرها تفسيرا رمزيا حتى يمكن أخذها على محمل الجد. وبينما يرى تايلور أن الأسطورة يمكن أن يصدقها البدائيون، فقط لأنهم يفسرونها حرفيا، فإن بولتمان ويوناس يعتقدان أن الأسطورة كانت محل تصديق المسيحيين الأوائل والغنوصيين القدماء أيما تصديق؛ لأنهم كانوا يفسرونها وجوديا. وفيما يرى تايلور أن الحداثيين لا يستطيعون تصديق الأسطورة، وذلك على وجه التحديد لأنهم يفسرونها تفسيرا حرفيا بحق، يرى بولتمان ويوناس أن الحداثيين يمكن أن يصدقوا الأسطورة، فقط ما داموا يفسرونها تفسيرا رمزيا بحق. ومع ذلك، فإن تايلور لا يعترض على رؤى أولئك المنظرين الذين يفسرون الأسطورة رمزيا للحداثيين، بل على أولئك الذين يفسرونها رمزيا للبدائيين؛ بناء عليه، كان تايلور لينتقد بولتمان ويوناس انتقادا لاذعا فيما يقولاه عن المسيحيين الأوائل والغنوصيين القدماء، أكثر مما ينتقدهما فيما يقولاه عن الحداثيين.
وللمفارقة، يكتب تايلور وبولتمان ويوناس جميعا مؤلفات تدافع عن الأسطورة. والفرق بين كل منهم يتمثل في أن الدفاع عند تايلور يتطلب التخلي عن الأسطورة في ظل وجود العلم، بينما يتطلب الدفاع عنها عند كل من بولتمان ويوناس تبيين المعنى الحقيقي للأسطورة في ظل وجود العلم. وهذا المعنى ليس جديدا من ابتكار الحداثيين لإنقاذ الأسطورة، بل هو معنى طالما انطوت عليه الأسطورة، ولم يدرك بالكامل إلا بعد أن تعرض للضغط من خطر العلم. وبإجبار الحداثيين على الرجوع إلى النصوص العتيقة لاكتشاف المعنى الذي لم تنفك الأسطورة تعبر عنه دوما، جعل العلم من إحدى الضرورات فضيلة.
ميرسيا إلياد
إن السير الذاتية التي تعلي من شأن المشاهير تحولهم إلى أشباه آلهة، وتجعل من سير حياتهم الحافلة بالبطولات أساطير. على سبيل المثال، بعد وقوع حرب الخليج الأولى مباشرة، أثنت السير الذاتية للقائد الأمريكي الأعلى شوارزكوف، أو «نورمان العاصف»، بأنه أذكى وأشجع عسكري في العالم، بل إنه أذكى وأشجع من أي إنسان؛ ما جعله يتجاوز مرتبة البشر.
والمنظر الرئيس هنا في هذا القسم هو مؤرخ الأديان روماني المولد ميرسيا إلياد (1907-1986)، الذي قضى العقود الثلاثة الأخيرة من حياته في الولايات المتحدة. وعلى عكس بولتمان ويوناس، لا يسعى إلياد إلى التوفيق بين الأسطورة والدين من خلال تفسير الأسطورة رمزيا. فهو يفسر الأسطورة حرفيا كتايلور. وعلى عكس بولتمان ويوناس، لا يغير إلياد من الوظيفة الظاهرية للأسطورة؛ فهو يرى، متفقا في كثير من الجوانب مع تايلور، أن الأسطورة تفسر أصل الظواهر وليس فقط تكرارها تفسيرا دقيقا. وبما يتعارض مع بولتمان ويوناس، لا يحاول إلياد تحديث الأساطير التقليدية. ويختلف أيضا عن تايلور الذي يلتزم بالأساطير الدينية التقليدية الصريحة، ليحول أنظاره نحو الأساطير الحديثة غير الدينية ظاهريا. وبدلا من محاولة التوفيق بين هذه الأساطير والعلم، مثلما قد يفعل بولتمان ويوناس، يجد إلياد أن كثافة وجودها يؤكد على توافقها مع العلم؛ فإذا كان الحداثيون الذين يملكون علما، في رأي إلياد وغيره من المنظرين، يملكون الأساطير إلى جانبه، فيجب أن تكون الأسطورة متوافقة مع العلم.
شكل 3-1: ميرسيا إلياد، باريس، 1978.
1
يتمثل معيار الأسطورة عند إلياد في أن تنسب قصة إلى بطلها عملا بطوليا استثنائيا يجعل من هذا البطل شخصا خارقا. فتفسر الأسطورة كيف أن إلها أو شبه إله، في حقبة «مقدسة» في أول الزمان، خلق ظاهرة لا تزال مستمرة في الوجود. وربما تكون هذه الظاهرة اجتماعية «أو» طبيعية: على سبيل المثال، الزواج أو الأمطار:
تبين الأسطورة، من خلال أفعال الكائنات الخارقة، كيف ينشأ واقع ما في الوجود، سواء أكان ذلك الواقع كاملا، مثل الكون، أو جزءا منه فقط، فلنقل كالجزيرة، أو أحد أنواع النباتات، أو نمط معين من أنماط السلوك الإنساني، أو مؤسسة. (إلياد، «الأسطورة والحقيقة»، ص5-6)
بينما يعزى الفضل في خلق الظواهر الطبيعية إلى الآلهة، يعزى الفضل إلى «أبطال الثقافة» في خلق الظواهر الاجتماعية. فالعمل البطولي الفذ الخرافي يعد بمنزلة الخلق.
Page inconnue