Résumé de l'histoire de l'Irak : depuis ses origines jusqu'à nos jours
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
وكأن الزمان قد ادخر تأخير مد سكك العراق إلى دولة لها فيها أعظم المنافع، ولسكان العراق بأجمعهم فوائد أعظم؛ فالهند من مستعمرات بريطانية العظمى، وديار مصر لاحقة بتلك الدولة الكبرى، وهي منفصلة عنهما ببحار بعيدة الأرجاء، إلا أن مراكبها الضخمة تصلها بهما وصالا يكاد يكون شديدا، لولا بين الهند ومصر حاجز هو من أمنع الموانع لربط مصر بالهند، بل قل لربط آسية بأوروبة؛ فلقد اتصلت بلاد الدنيا كلها بعضها ببعض، إلا الشرق الأقصى، فإنه بقي منفصلا عن الشرق الأدنى وعن أوروبة، وما ذلك إلا من مقاومة تركية لروح العصر ونوره، فساقت الأقدار خروج هذه الديار من أيديها لتكون في أيدي دولة تخرجها من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم. وعلى ذلك سنرى عن قريب عصرا جديدا يدخل الخطة العراقية في مصف البلاد الراقية، وتكون عضوا متصلا بسائر أعضاء جسم العالم الكبير، فتحيا بحياته وتنمو بنمائه، وتسير سيرا حثيثا في الرقي والاعتلاء.
إن ديار العراق سترى من الفلاح والنجاح ما لم تحلم به في غابر الزمن، سترى جميع زوار العجم يذهبون للحج بعد أداء فرائضهم الدينية في النجف وكربلاء، وبدلا من أن يذهبوا على البحر فيصرفوا المبالغ الطائلة، سوف يركبون سكة الحديد من بغداد إلى مكة. وكذا القول عن الهنود، فإن أغلبهم سيحجون عن طريق دار السلام إذا ما رأوا سهولة السفر برا وتحققوا منافعه، لا سيما إذا كانت عيالهم معهم. وهناك مندوحة عن الانتقال من جدة إلى مكة سيرا في البر، ووقوعهم في أيدي أقوام البادية الذين كثيرا ما يسلبون ما عليهم ويتركونهم عراة لا يملكون إلا أنفسهم. وعلى كل حال: إن الهنود الأغنياء الذين يذهبون للحج عل طريق البحر يرجعون إلى ديارهم عن طريق البر، لا سيما إذا كانوا من الشيعة؛ ليتبركوا بالبلدين المقدسين عندهم ويزوروهما بعد الحج المفروض، وبعد أن يكونوا قد مروا ببلاد الشام؛ إذ فيها مدافن كثير من الأنبياء والأولياء. فمما تقدم بسطه نرى أن العراق قد أخذ ينفض الغبار القديم عن ثيابه، ذلك الغبار الذي قد علق بها منذ مئات من السنين، وأملنا أنه يسرع حثيثا في طريق النجاح بفضل مساعي الدولة التي وعدت أهاليه بكل خير، وبإنهاضه من كبوته في أقرب زمن. (11) البصرة باب واسع لتجارة الشرق
البصرة هي آخر مدينة كبيرة من العراق. والعراق كله كمخزن عظيم بابه البصرة، والمخزن الذي لا باب له لا فائدة فيه؛ إذ يبقى مغلقا دون منفعة الناس. والظاهر من مسرى الحوادث والأشغال أن ثغر البصرة يفوق عن قريب مدينة بغداد، وسيكون له من الشأن والخطر ما يجعل دار السلام دونه منزلة ومقاما، وسوف ترتبط به ارتباط التابع بالمتبوع، ولا يبقى لها من الحياة إلا ما يجود به عليها ذاك الثغر الباسم. بغداد وإن كانت شهيرة بتاريخها القديم المجيد؛ لأنها كانت مقر خلافة بني العباس، وقبة الإسلام، ومندفق أنوار الحضارة العربية، إلا أن البصرة لم تقل عنها شأنا بما أنجبت من العلماء الذين جروا في ميدان الشعر واللغة ولا سيما النحو، جريا ظهر فيه أن من كان في عهدهم من الكوفيين ومن جاء بعدهم بقرون لم يشقوا غبارهم، بل تخلفوا عنهم بمسافات عظيمة لا تقدر، وقد أبقوا من الذكر ما لو مرت عليه القرون فإنها لا تزيده إلا شهرة ورفعة ونباهة. البصرة لم يكن لها في التاريخ شهرة في تجارتها؛ لأن الأموال في سابق العهد كانت تأتيها من جميع الجهات على طريق البادية، إلا ما كان يأتيها من طريق الهند، فإنه كان يصلها عن طريق البصرة. أما اليوم فالبضائع والأموال وأنواع البياعات لا تأتيها إلا على البواخر من ديار الغرب إلى البصرة ومنها إليها، بدون أن تلقى على البر البتة، ولا يأتيها بالقوافل إلا ما يحمل من أنحاء الموصل وحلب وسورية وديار الأناضول، وهو شيء زهيد لا يكاد يذكر بجانب ما يأتي عن طريق البحر والنهر. البصرة تكون عن قريب مدينة أكبر من بغداد، وسوف يزيد سكانها على سكان دار السلام، وسوف تكون تجارتها من أكبر ما يمكن أن تكون لهذه البلاد، وسوف يكثر فيها الغرباء والمحلات الأجنبية، حتى تكون من المدن التي تضاهي الحواضر الكبرى في ديار الإفرنج. كانت البضائع تنقل إليها سابقا من ديار الغرب قبل أن تخرق ترعة السويس على سفن بحرية تعرف الواحدة منها باسم «البغلة»، والجمع «بغال»، وعلى سفن شراعية لا يتجاوز عددها في السنة الثلاث والأربع، فكانت تصلها من بعد أن تجول حول رأس أفريقية المعروف يومئذ برأس الزوابع أو العواصف، وهو المسمى اليوم «رأس الرجاء الصالح»، وكانت تجارتها شيئا زهيدا لا يستحق الذكر.
ولما خرقت الترعة وبدأ عبورها سنة 1869 تغيرت الأحوال تغيرا عظيما، وأخذت تجارتها ترتفع ارتفاعا عجيبا؛ إذ ما كانت تمضي السنة الواحدة إلا وقد تضاعفت المقادير عما كانت في السنة المنصرمة. وكان الإنكليز أسبق سائر الأمم إلى نقل البضائع منها وإليها، وهم الذين نشطوا البصريين لترويج التجارة ولغرس النخيل لاجتناء التمر. نعم إن النخل كان موجودا في البصرة ونواحيها، لكن لم يكن بالألوف المؤلفة على ما نشاهد عدده اليوم؛ فلقد أكد لي العارفون أن النخل زاد مائة ضعف عددا من بعد عشر سنوات من فتح قناة السويس. وفي سنة 1890 كان عدد السفن الشراعية والبواخر كما يأتي:
جنسية العلم
عدد سفن الأشرعة
محمولها بالطن
عدد البواخر
محمولها
مجموعها معا
Page inconnue