Résumé de l'histoire de l'Irak : depuis ses origines jusqu'à nos jours
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
هذه هي أشهر قبائل العرب في التاريخ، ومنها تتفرع فروع عديدة لا تحصى، وكلها ترجع إلى أمهاتها هذه. فلما جاء الإسلام وامتدت فتوحاته أحدث تغيرا عظيما في عالم البداوة، فلقد أمد البدو الجيوش العربية بمقاتلين كثيرين، فأنشئت مسالح في العراق وديار الشام شديدة البأس والبطش، ثم أنشئت مراكز جديدة في غربي وشرقي تلك الديار، وأقاموا فيها جندا من أهل البادية، فتضعضعت بذلك بعض القبائل، واضطرت إلى التناصر والتعاهد والتعاقد ، وأضاعت ما كان لها من الاستقلال في ديارها الأصلية. وقد وقع من التحاسد بين قبائل ربيعة وقبائل مضر ما أكره بني ربيعة على محالفة قبائل اليمن منذ عهد بعيد في القدم مقاومة قبائل مضر.
بقي علينا ذكر من لا يعتبر من صميم العرب، وإن كانوا يطوون بساط أيامهم بين ظهرانيهم، من ذلك «بنو هتيم»، وهم مبثوثون في الحجاز ونجد، وقد قال عنهم السيد مرتضى إنهم ألأم قبيلة من العرب، وهم ينزلون أطراف مصر (ما عدا منازلهم المذكورة)، وهم صيادون مشهورون، وهم أهل غنم وماشية، وفيهم حدادون كثيرون، ومن خساس الأعراب (الشرارات)، وهم في جنوب غربي بادية الشام، وهم متصلون نسبا ببني هتيم، وهم أصحاب أباعر. وممن لا يعد من الأعراب بتاتا: الصلبة، أو الصليب، فهم بمنزلة بني ساسان (أي الكاولية، أو النور) في البوادي، وهم يحسنون الرماية والصيد، فهم مبيضو قدورة، ومركوبهم الحمار لا غير، وهم لم يذكروا بهذا الاسم في كتب المصنفين، وسببه عندنا هو لأنهم كانوا يذكرونهم بأسماء تحقرهم، كالزعانفة والأجلاف ونحوهما، واسمهم مشتق من الصلابة، بمعنى خشونة المعيشة، وليس كما قال قوم من الإفرنج إنه مشتق من الصليب، لاعتقاد أهل البادية أنهم من صليبية الإفرنج دفعهم المسلمون إلى بوادي العرب تذليلا لهم واحتقارا لمذهبهم، فأضاعوا في تلك الفلوات أصلهم ودينهم. (8-3) أشغال أهل البادية
البدوي الشريف تأبى نفسه أشغال اليد، أما الأشغال التي يعتبرها جديرة به فهي تربية المواشي، والتجارة، والصيد، والغزو. ونحن نذكر هنا كلا من هذه الأشغال الأربعة على ما هي معروفة عند أهل البادية، وعلى ما يتعاطونها. وأما الزراعة والبحارة فهما عندهم من الأشغال التي تصغر بجانب الأربعة الشريفة، ولقد كان بنو تميم يعيرون الأزد بالنوتية؛ لأن إخوانهم العمانيين كانوا يسافرون على البحار ويشتغلون في السفن. وكانت قريش تحتقر أهل المدينة؛ لأنهم كانوا يعنون بالزراعة.
أما أكثر عناية أهل البادية فهو تربية المواشي ورعاية الأغنام؛ لأن معيشتهم متوقفة عليهما؛ فمن الأغنام والمواشي يستخرجون اللبن الحليب، وهم يخرجون ما فيه من المائية، فيخثرونه ويحفظونه إلى وقت الحاجة، فإذا أرادوا أكله خلطوا به ماء، وهم يتخذونه كثيرا في أسفارهم، واسمه لاقط (وقد صحفوا هذه الكلمة في عهدنا هذا فيدعونه: القطي)، والمريسة، والمضير. وهم يستخرجون الزبد ويحفظونه بعد أن ينفوا عنه مائيته. وصنع الجبن غير معروف عند أغلب البدو، وهم لا يأكلون اللحم بمنزلة طعام لهم يعتمد عليه؛ لأنهم لا يذبحون إلا في أيام الأعياد والمواسم، اللهم إلا في فرص متعددة يضطرون فيها إلى الذبح قياما بمقتضى الأحوال، كقرى الضيف، أو غيره من الأمور. فينتج من هذا أن أكل اللحم يكاد يكون في كل يوم وفي كل بيت. ومن العناية بالمواشي يحصل للبدوي صوف وأنسجة من شعر العنز أو من وبر الجمال، فيذهب بها إلى المدينة ليبيعها مع الزبد والسمن، وقد يبيع شيئا من غنمه ومواشيه التي رباها. وإذا كان ممن يحسن تربية الخيل فهو يبيع من الحصن بقدر ما يحتاج إليه من الدراهم، وقد لا يبيع هذه الأشياء كلها بل يبدلها بالتمر والحبوب والثياب وأدوات البيت. وكان كبار الأعراب قبل الإسلام يشترون الخمر ويشربونها ولو كلفتهم أثمانا باهظة، أما اليوم فإنهم قد أبدلوها بشرب القهوة أو ابنة البن، أو يتعاطى التبغ المعروف بالدخان، حتى أصبح هذان الحاصلان من أهم ما يحتاج إليه البدوي. ومن عجيب تصرف الزمان بأبناء العصر أن أهل البادية أنفسهم اضطروا إلى إبدال شيء من الأمور العائدة إلى العادات، وهو اتخاذ البارودة، أو البندقية، وطرح القوس والنشاب اللذين ما كانا يفارقانه، وهما اليوم لا وجود لهما البتة في خيمته. والتدخين محرم عند الوهابيين؛ ولهذا ما كان يستطيع البدوي أن يدخن في أيام عز هؤلاء المسلمين المصلحين؛ أي في القبائل التي كانت محتمية بهم.
ولم يعن الأعراب بالتجارة عناية خاصة، إنما كانت عنايتهم من باب المساعدة لأصحابها، بمعنى أنهم كانوا ينقلون البضائع والأموال على أباعرهم، ويحامون عن القوافل التي كانت تنقل تلك البياعات، وهذا كان دأبهم منذ أقدم الأزمان، وكان أصحاب القوافل يدفعون إلى هؤلاء المبذرقة أجرة يسمونها «الخفارة»، وهذه العادة جارية إلى يومنا هذا عند الأعراب النازلة على طرق النقل، فإنهم يتقاضون مبالغ من الحكومة تعرف باسم «الصرة»، وإذا أراد أصحاب المدن أن يمروا بأرض قبيلة، يضطرون إلى دفع بدل لمرورهم يسمونه «الخوة» على ما تقدمت الإشارة إليه، وهذه الخوة يدفعها أيضا كل من القبائل الضعيفة المحتمية بالقبائل الكبيرة.
والبدو مغرومون بالصيد أو القنص، وهم يصطادون باستعمال الكلاب المعروفة بالسلوقية، أو باتخاذ الصقورة، وأغلب صيدهم يكون للغزال، والأروى، والمها، أو بقر الوحش (وهو ضرب من الحيوان يشبه البقر له قرون طويلة مستقيمة، وهو على ما يظن العلماء العصريون أنه هو الذي كان يسميه الأقدمون: الوحيد القرن)، وحمر الوحش أو الفراء، وهذه الحمر من أسرع الحيوانات عدوا؛ ولهذا يتنافس الأعراب في صيدها، ومنه المثل «كل الصيد في جوف الفرا.» وأما الصيد الصغير فهو: الحجل والأرانب واليرابيع والضباب. وهم يصطادون النعام أيضا، وأغلب صائديه بنو هتيم والصلبة، إلا أن هذا الطير العظيم أخذ بالتناقص بل بالانقراض من بادية شمالي جزيرة العرب.
والغزو من أهم أمور معيشة الأعرابي، وإذا لم يتيسر له غزو قبيلة من القبائل النازلة في أنحائه غزا من كان من أقربائه، هذا ما جرى في سابق الزمن وما يجري إلى يومنا هذا. فالغزو عنده يتوقف على سلب ما لعدوه من الإبل والماشية، وبعض الأحيان ما له من النساء والأولاد، بدون أن يريق دم أحد إن أمكنه؛ لكي لا ينشأ من ذلك الغزو دية، فهذه هي أقصى أماني البدوي، وإذا تم الغزو فقد تفتدى النساء والأولاد، وأما الأسلاب فتقسم بمقتضى أصول معروفة عندهم، فالشيخ يأخذ الحصة الكبرى لما له من المنزلة الرفيعة في قومه، ولما يقوم بالنفقات التي ينفقها قياما بالواجبات. وإذا وقعت خسارة في قبيلة وضع على كل فرد من أفرادها شيء بحيث لا يشعر أحد بتلك الخسارة، وعلى الشيخ أن يتحمل قسما صالحا منها. والبدو يربون جيادهم العراب توصلا للغزوات. وأكثر ما يكون الغزاة على الأباعر، أما إذا حاربوا أو قاتلوا أو أرادوا الهرب والفرار ركبوا جيادهم وانسلوا؛ ولهذا يعتبر الجواد فخر سيده ومولاه، لكنه يكلفه نفقة باهظة؛ إذ يضطر إلى ادخار ماء لشربه. والغزوات هي من أجل أسباب فقر أهل البادية، فكثيرا ما يذهبون إلى المنازل البعيدة، فتكلفهم عناء عظيما لهم ولدوابهم، وإذا غزوا قبيلة يحثون مطاياهم خوفا من أن يتأثرهم المغزوون، فيضر في هذه الغزوات الغازي والمغزو والدواب. وإذا نجح المغزوون في استرداد أسلابهم فلا أقل من أن يكون قد نالهم مشقة هم ودوابهم، ومثل هذا الضرر يلحق الغازين، وعليه تضطر القبائل الضعيفة إلى مجاورة القبائل الضخمة دفعا لمثل هذه المصائب التي لا بد منها في تلك القفار والفلوات، وإذا سببت تلك الغزوات قتلا في القبيلة فالبلية أعظم؛ لأنها تولد في الصدور ضغائن وأحقادا لا يغسل أدرانها إلا إراقة الدماء من جديد، إن لم تفصل بين القبيلتين قضية الدم المسفوك، إما بالمراضاة، وإما بدفع الدية؛ ولهذا قد تضمحل القبيلة كلها بعد حدوث مثل هذه الغزوات التي لا يتفق فيها على سفك الدم الذي وقع عندهم. (8-4) إدارة شئون القبيلة في الدنيا والدين
السيد أو الشيخ (ويسمى شيخا ولو كان شابا، إنما شيخوخته قائمة بفضله) في القبيلة ليس في الحقيقة إلا المقدم من بين أشباهه، وليست وظيفته مما تصل إليه وراثة، بل تكون في بيته طالما يوجد في أبنائه رجال جديرون بما يعهد إليهم، فهو أمير أو قائد في وقت الحرب بموجب عوائدهم، والآن يسمى القائد عندهم عقيدا؛ لأن اللواء يعقد باسمه. وأما الأمير فهو لقب من يدبر شئون الديار التي في يده، ومن ذلك أمير حائل أو شمر. وبجانب الشيخ يقوم القاضي، وكثيرا ما يكون القضاء محصورا في بيت من البيوتات، وهو يقضي بموجب «العادة» أو «العرف»، وهذا يوافق الفقه الإسلامي إذا كان هذا الفقه قد أفرغ سابقا في قالب عادتهم أو عرفهم، وليس على الشيخ إلا المشورة، ولا يحق له أن يأمر في القضايا الراجعة إلى القضاء، كما أن الحكم لا يوجب على أحد الطرفين إلا إيجابا أدبيا لا إيجابا مدنيا لا مناص له منه. والقضاء في بلاد نجد وقراه يكون للعالم بالفقه الإسلامي، وهو الذي يكون إماما في الصلوات وخطيبا في الجمع والأعياد، ويسمى «المطوع»، وأما الذي يحكم بالعادة ويسمى «العارفة» فهو مخصوص بالأعراب الرحل، وما يحكم به كالقوانين المسلمة لديهم. وعرب نجد لا يأكلون ذبائح مثل هؤلاء الأعراب، ويحكمون عليهم بأنهم من الجاهلية.
وتكافل أفراد القبيلة الواحدة وتضامنها يوجبان على رؤسائها أن يحافظوا على آداب أبنائهم المنتسبين إليهم؛ ولذلك إذا أتى أحد أعضاء القبيلة أمرا لا تريد القبيلة أن تأخذ على نفسها نتيجته، أو إذا أخطأ إلى القبيلة كلها، ينفى حينئذ ذلك العضو من صميم أهلها، وإذا لم تقبله عشيرة أخرى حاق به البلاء لا محالة. فالشاعرة التي تسوقهم إلى التكافل والتضامن وإلى الدفاع عن حقوقهم واتخاذ جميع الوسائل المؤدية إلى خير القبيلة ونفعها وصلاحها تعرف عندهم بالعصبية، وقد تزول هذه العصبية في بعض القبائل حتى لا يبقى لها أثر يذكر، فتكون تحزبا صرفا ليس إلا. وأهل البادية هم من أطمع الناس في الأشياء، وأشدهم حرصا على منافعهم الشخصية؛ فهم لا ينظرون إلى الأشياء إلا إذا كانت تفيدهم فائدة أو تضرهم ضررا، وأما الفائدة العامة فقلما يلتفتون إليها، اللهم إلا أن تكون عاقبة الأمر مما يعود عليهم بالعار والشنار، فحينئذ يقدرون الأمور حق قدرها. والبدوي قليل الالتفات إلى مسألة الدين؛ فهو عنده من أواخر الأمور، وعقيدته ضعيفة، وليس له من الأوابد (أي الاعتقادات الباطلة) شيء يلتفت إليه، إلا أنه حيث تسربت الوهابية فالقائلون به من أهل البادية متمسكون بأوامره ونواهيه إن حكمنا على ظواهر ما يبدو منهم، وهذا بين أعراب نجد؛ إذ يرون متمسكين بأهداب الدين الحنيف، وقد أضر تعصب بعض جهلة الوهابيين ضررا عظيما بكثير من أهل البادية. أما العرب أهل الحضر فإنهم بخلاف أهل البادية، متمسكون بعروة دينهم، وقد يحملون على التعصب على أهون وجه يكون. (8-5) عيشة أهل البيت البدوي
أغلب ما يكون للبدوي امرأة واحدة، ولا يتزوج عليها أخرى إلا إذا كانت عاقرا ولا يريد أن يطلقها. وللشيوخ في أغلب الأحيان ثلاث نساء أو أربع، ويفعلون ذلك لأسباب، منها سياسية، ليتصلوا ببيت شهير مثلا، ومنها - وهذا نادر - ليضمنوا راحة امرأة، ومنها لغايات أخرى لا تخفى على القارئ. ويغلب زواج البنات وهن لم يبلغن من عمرهن الثانية عشرة؛ ولهذا السبب ولأنهن يرضعن أولادهن سنتين أو ثلاث سنوات يهرمن سريعا وقبل أوانهن، وزد على هذا أنهن يشتغلن أشغالا كثيرة شاقة، مثل: جلب الماء على أظهرهن، وقطع الحطب ونقله، وحلب المواشي، ومخض السمن أو الزبدة، وطبخ الطعام، ونسج شقق الخيمة واللحف والألبسة، والنساء الشريفات الكبيرات يدعن هذه الأشغال لمن دونهن من نساء البيت. ومهما يكن من أمر البدوية فهي أرقى حالا من الحضرية؛ فهي تتمتع بحرية لا تتمتع بها هذه، ولها من المقام في خيمتها يقصر دونه مقام المرأة الحضرية. والكريمة البدوية - أي الابنة الشريفة - لها منزلة رفيعة في قلوب الجميع. وكثيرا ما تجزم السيدات منهن في أمور كثيرة مهمة، مما يدل على أن لكلمتهن في البيت أو في العشيرة شأنا خطيرا، إلا أنه لا يباح للمرأة البدوية البهو، وهو من الخيمة: المكان الخاص بالرجال. والبدويات لا يستعملن البرقع، وإذا كان بينهن من يستعملنه فهو نادر غاية الندرة. وتربية الأولاد في بيوت البدو في نهاية القصور، غير أنهم يعودون احترام الوالدين، وإكرام الشيوخ والكهول، حتى في القبائل غير المهذبة.
Page inconnue