Résumé de l'histoire de l'Irak : depuis ses origines jusqu'à nos jours
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Genres
الجزيرة في عهد الإسلام
(1) الفتوحات الإسلامية
قبل أن يظهر الإسلام بقليل كانت الديار الشرقية سبب الاهتراش والامتراش والقراع والنزاع بين الفرس والرومان؛ فتارة تكون البلاد بيد قوم، وطورا بيد قوم آخرين، ولم تكد تفرغ من الفتن والهرج والمرج، فآن لدولة ثالثة أن تدخل بينهما؛ ليكون لها القول الفصل في «المسألة الشرقية»؛ أي مسألة التملك على هذه الديار، ليزول سبب الخلاف بين الدول الطامحة بأبصارها إليها. وفي ذلك العهد لم يدر في خلد أحد أن ينهض العرب من ديارهم، وينفضوا عن أذيالهم الرمال التي علقت بها منذ عصور متطاولة، ويشمروا عن ساعدهم ليهجموا على الديار المجاورة لهم وينتزعوها من أيدي الفرس والرومان معا. كان الفكر الغالب بين أمم ذلك العهد أن البلاد تصير إلى يد الأقوى، ولا تقوى اليد إلا لمن يزاول العلوم والفنون ويعالجها؛ إذ القوة المادية تتلاشى أمام القوة العلمية التي من شأنها أن تكيد للعدو المكايد، وتسقطه في ما تنصبه له من الشباك والحبائل. ولذا كان الظن يحمل العقلاء على أن مصير بلاد الشرق يكون بيد اليونان إذا عادوا فقبضوا على ناصية العلوم، أو إلى الرومان إذا زال من بينهم الشقاق، وحافظوا على ما ورثوه من معارف اليونان. وأما العرب فكانوا بعيدين عن كل فكر؛ لأن رمال بلادهم كانت تثور بوجوههم إذا ما أرادوا قطع المفاوز التي كانت في ديارهم، وتحول دون كل أمنية تنشأ في صدورهم.
فما أعظم ما كان من عجب كبار الدنيا حينما علموا أن قد قام بين العرب في سنة 622ب.م رجل يدعو الناس إلى دين جديد هو دين الإسلام الذي امتد في البلاد العربية بسرعة البرق الخاطف، ثم أخذ ينتشر إلى ما جاوره من الديار، حتى إن الإنبراطور هرقل ملك الروم رأى بعد بضع سنوات من تخليص سورية من أيدي الفرس أنها خرجت من قبضته وانتقلت إلى أبناء إسماعيل (632-638)، وبعد سنتين (639-640) سقطت مصر من أيديهم، ولم يبق إلا ديار العجم لم تقع في قبضتهم، غير أن سيول المغازي الإسلامية كانت تتدفق متجهة إلى جبال إيران، ولم تضمحل الدولة الساسانية فقط (641)، بل أخذ ظل المجوسية يتقلص شيئا فشيئا من تلك الديار، حتى لم يبق فيها من أصحاب ذلك الدين إلا جماعات قليلة، أقامت جماعة منها في ديارها الأصلية الفارسية محافظة على دينها القديم، وفرت جماعات أخرى منها إلى ديار الهند، فتناسلوا فيها إلى يومنا هذا، وهم يعرفون هناك باسم «الفرس».
نشأ الإسلام طفلا صغيرا ثم ترعرع، ثم اشتد حتى انتشر في الأرض طولا وعرضا، وأصبح متسعه أعظم من ملك الإسكندر؛ لأنك تراه قد امتد من بلاد الحجاز إلى ربوع الشام إلى الجزيرة إلى إيران إلى قلب آسية الوسطى من جهة، وإلى ديار مصر وعلى طول إفريقية الشمالية إلى بلاد الأندلس من الجهة الأخرى. (2) عود الجزيرة إلى النهضة
احتل الجزيرة منذ القديم أمم جاءتها من أقطار مختلفة، وكان الكلدان والآشوريون قد هبطوها قادمين إليها من ديار العرب في فجر التاريخ. وكانت الجزيرة تنتعش كلما نزل بها قوم جديد. فاتفق لها في عهد الخلفاء الراشدين ما اتفق لها في سابق الأحقاب؛ فإن أبا بكر الصديق أنفذ إلى العراق خالد بن الوليد المخزومي، فافتتحه في سنة 12ه (632-633م)، وفي عهد عمر بن الخطاب فتح عياض بن غنم الجزيرة كلها (شمالي العراق) في سنة 18 و19ه (639-640م) على صلح الرها؛ وهذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من المسلمين لأهل الرها:
إني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم، إذا أدوا الحق الذي عليهم، ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا، شهد الله وملائكته والمسلمون.
هذا مجمل ما يقال عن حالة العراق في عصر الخلفاء الراشدين؛ فهذه النهضة هي اليوم أشبه بالإفاقة منها بالنهضة، إلا أننا أطلقنا عليها اسم النهضة بالنظر إلى أنها بدء ما تصير إليه في عهد الخلفاء العباسيين الذين أيقظوها يقظة صادقة من رقدتها المتطاولة، وأعادوا إليها شيئا من مجدها الزاهر وعزها الداثر. (3) سطوة الأمويين
Page inconnue