سأرحل وحدي، أما أنتم فثابروا على خدمة فرنسا. إن سعادتها كانت غاية مناي، وستبقى أقصى مشتهاي. لا تندبوا سوء طالعي، وما رضيت بالحياة بعد هذه النكبة إلا لأخدم مجدكم. أريد أن أكتب الأشياء العظيمة التي عملناها. وداعا يا أولادي، أود أن أضمكم جميعا إلى صدري، فأكتفي بتقبيل لوائكم. أيها النسر العزيز دعني أقبلك، ولتسر هذه القبلة في قلوب كل الشجعان. (11) لامارتين
نذكر هنا ما رواه لامارتين عن نفسه يوم احتدم الجدل بينه وبين الشعب الثائر، وقد وقف على المنبر بين الصخب والهياج، وهو لا يدري ما يكون مصيره، وكان غير واحد من الخطباء يزاحمه بالمنكب يمينا وشمالا، ويحاول أن يزيحه من مكانه، ولكنه تمكن بالساعد والكتف من إقصائهم عنه، فإذا به وحده أمام هذا الجمهور، وقد خفت ضوضاؤه وسكنت جلبته ومال إلى الإصغاء فقال: أي أبناء أمتي لماذا دعوتموني؟
أصوات :
لنعرف بأي حق تحكمون الشعب؟ وهل نحن أمام رجال الظلم والخيانة، أم أمام وطنيين هم أهل لهذه الثورة؟
لامارتين :
بأي حق نحكمه؟ بحق الدم المسفوك والنار التي تلتهم معاهدنا، والشعب الذي يعوزه الرئيس، والأمة التي لا قائد لها ولا نظام، وربما جاء الغد وليس لها قوت، بحق الإخلاص والشجاعة بحق أولئك الذين يسبقون إلى التضحية جاعلين ضمائرهم هدفا للشبهات ورءوسهم غرضا للمشانق، ودماءهم عرضة للانتقام. أتحسدوننا على هذا الحق؟! إنه لكم كما لنا ولا نجادلكم فيه. كلكم أهل للتطوع في هذا السبيل، ولا ندعي من الحقوق إلا ما يمنحه الضمير الذي يسيطر علينا، والخطر الذي يحيق بكم. إن الشعب في حاجة إلى رؤساء، وقد دعانا فلبينا أفتريدون أن لا ينتهي عهد الدم والنار.
أصوات :
لا لا. بلى بلى. لا حق لكم باستلام الحكم. لستم من الشعب. لم تخرجوا من وراء المتاريس.
أصوات :
لا لا. بل هم الذين احتجوا على الفساد، ودافعوا عن الشعب، فليخبرونا ما هو الحكم الذي يريدون أن يعطوه. لقد قلبنا الملكية، فليقل لامارتين أيريد أن يعطينا الجمهورية أم لا؟
Page inconnue