Le Discours et le Changement Social
الخطاب والتغير الاجتماعي
Genres
ويعرف فوكوه الاعتراف بألفاظ تربطه ربطا سافرا بالخطاب، إذ يصفه بأنه من «الطقوس الخطابية»، وهو ما يمكن أن نطلق عليه صفة «النوع» في مجال تحليل الخطاب ذي التوجه النصي. ويعرف فوكوه الاعتراف أولا طبقا للموضوع قائلا: «إن موضوع الكلام هو الذات التي تتكلم»، ثم من زاوية علاقة السلطة بين المشاركين «فالمرء لا يقدم اعترافا إلا في حضور (أو افتراض حضور) شريك، والشريك ليس مجرد شريك في التخاطب، بل السلطة التي تطلب الاعتراف وتأمر به وتقدره، وتتدخل حتى تحكم وتصفح وتعزي وتصالح» (1981م، 61). ويتميز الاعتراف بسمة خاصة به وحده، وهي أن الإدلاء بالاعتراف يؤدي إلى تغيير الذي يدلي به، فهو «يبرئه ويغفر له ويطهره، وهو يخلصه من أثقال سيئاته، ويحرره، ويعده بالخلاص» (ص62). أضف إلى ذلك أن قيمة الاعتراف تزداد بسبب العقبات وضروب المقاومة التي لا بد أن يقهرها المرء حتى يدلي باعترافه.
وعلى الرغم من أن حديث فوكوه عن الاعتراف يرتبط بالخطاب أكثر من ارتباط الفحص به (فهو يشير إلى الأول باعتباره «شكلا خطابيا» إلى جانب كونه «طقسا خطابيا») فإنني أرى أن كلا منهما يرتبط بوضوح بأنواع خطابية معينة. وتتضمن هذه، في حالة الفحص، الفحوص الطبية، والامتحانات التعليمية والكثير من أشكال المقابلات الشخصية. وأما بالنسبة للاعتراف، فإنه لا يقتصر على الاعتراف الديني، بل يشمل أيضا ضروب الخطاب العلاجي وجلسات المشورة من شتى الأنواع. ومن الموضوعات التي يناقشها فوكوه موضوع اكتساب الاعتراف طابعا علميا في القرن التاسع عشر، ويقول في هذا الصدد: إن الفحص والاعتراف قد امتزجا في «التحقيق» (الذي تجريه النيابة مع المتهمين) وفي «الاستجواب الدقيق»، وفي التنويم المغناطيسي.
وتقنيات السلطة التي يلفت فوكوه النظر إليها ترتبط بأنماط الخطاب التي أصبحت بارزة في المجتمع الحديث، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا فيما يبدو بطرائق تنظيمه الاجتماعي وقيمه الثقافية، ويبدو أن هذه الأنواع البارزة ثقافيا، وخصوصا المقابلات الشخصية وجلسات المشورة، وكذلك الأنواع المرتبطة بالإدارة والإعلانات، «تستعمر» نظم الخطاب الخاصة بشتى المؤسسات والمنظمات المعاصرة، وأصبحت تتسم في أثناء ذلك بالتوسع الهائل في وظائفها وهي تنتقل عبر الحدود ما بين المؤسسات، فأدت إلى توليد أنواع فرعية وأشكال أخرى كثيرة (من بينها جلسات تقديم المشورة العلاجية والتعليمية، والتوظيفية، والخاصة بالمستهلكين على سبيل المثال) (معنى جلسة تقديم المشورة مساعدة الفرد الذي يعاني من مشكلة شخصية، ذات آثار نفسية، على التغلب عليها من خلال الحديث الصريح مع اختصاصي اجتماعي نفسي يقدم له المشورة). وتمثل المقابلات الشخصية وجلسات المشورة على الترتيب نوعي خطاب التشييء وخطاب الإخضاع المقابلين لتقنية الفحص القائمة على التشييء، وتقنية الاعتراف القائمة على الإخضاع، وأما الطرائق الخطابية التي «تتعامل» بيروقراطيا مع الأشخاص باعتبارهم أشياء، من ناحية، والطرائق الخطابية التي تستكشف النفس وتتيح لها إسماع صوتها، من ناحية أخرى، فهما فيما يبدو بؤرتا تركيز لنظام الخطاب الحديث.
وفي هذا الصدد يشير منظور فوكوه الخاص بالأنساب إلى اتجاهات للبحث في الخطاب ذوات أهمية لقضايا هذا الكتاب، وهي البحث في أشكال التحول التاريخي للممارسات الخطابية الخاصة بنظم الخطاب، وعلاقتها بعمليات التغير الاجتماعي والثقافي الأوسع نطاقا (انظر الفصلين الثالث والسابع أدناه). وتوجد هنا قضايا علية مهمة، مثل: إلى أي حد تمثل هذه التغييرات الخطابية تلك التغييرات الاجتماعية والثقافية الأوسع نطاقا، ولا تقتصر على مجرد «إظهارها»؟ وإذن فإلى أي مدى يمكننا البحث في هذه العمليات الواسعة النطاق من خلال تحليل الممارسات الخطابية المتغيرة؟ أضف إلى هذا وجود سؤال عن مدى انتشار ومدى فاعلية الجهود المتعمدة التي يقوم بها رجال المؤسسات لإجراء تغييرات في الممارسات الخطابية للمحادثات غير الرسمية في المجال الخاص عند إجرائها في المجال العام استنادا إلى الحسابات الخاصة بفاعليتها (مثل توفير هدوء الأعصاب للذين تجري معهم المقابلات الشخصية) ويدربون العاملين في المؤسسات على استخدام تقنيات خطابية جديدة. وأنا أشير إلى عملية التدخل المذكورة باسم «استخدام التكنولوجيا في الخطاب»، بمعنى أن الخطاب اليوم أصبح يستخدم تكنولوجيات وتقنيات يصفها فوكوه بأنها تمثل الأساليب الحديثة لعمل السلطة (انظر أيضا الفصل السابع أدناه). (7) فوكوه وتحليل الخطاب ذو التوجه النصي
يمكن تلخيص النظرات الرئيسية في الخطاب التي وجدتها عند فوكوه على النحو التالي: كان عمله المبكر في علم الآثار يتضمن فكرتين ذواتي أهمية خاصة، وهما: (1)
الطبيعة التكوينية للخطاب، أي إن الخطاب يكون الجوانب الاجتماعية، بما في ذلك «الموضوعات» الاجتماعية والذوات الاجتماعية. (2)
أولوية المركبات الخطابية والتناص، بمعنى أن أي تعريف للممارسة الخطابية يعتمد على علاقتها بغيرها، فهي تستفيد من غيرها بطرائق مركبة.
وتظهر ثلاث أفكار مهمة أخرى في عمل فوكوه الخاص بعلم الأنساب، وهي: (3)
الطبيعة الخطابية للسلطة، إذ إن ممارسات وتقنيات «السلطة الحيوية» الحديثة (مثل الفحص والاعتراف) خطابية إلى درجة بعيدة. (4)
الطبيعة السياسية للخطاب، إذ إن الصراع على السلطة يحدث في الخطاب وحوله. (5)
Page inconnue