أما الخصال
فهو كتاب مبتكر في موضوعه، فريد في بابه، مفعم بالحقائق، ملء غضونه رقائق، جؤنة حافلة بنفيس الأعلاق من طرائف الحكم ومحاسن الأخلاق، وفرائض الأحكام وملاحم الأيام، وعظات وعبر وبينات من صحيح الأثر مما لم يجمع مثله في كتاب.
ولم تر عيناي من قبله- - كتابا حوى بعض ما قد حوى
وهو بما في طيه من الدروس العالية والأبحاث القيمة من نفائس الأخبار منهل عذب أظمأت إليه علماء الأعصار، فلو اطلع على نفائسه الفقيه يقتصد في قوته ليقتنيه، وتبيع العذراء عقدها لتشتريه.
والقارئ جد عليم بأن قيمة الكتاب بلباب المعارف لا بتكثير الصحائف، وبفخامة الأسرار، لا بضخامة الأسفار، وبجلالة ما وعى من الفوائد لا بكثرة ما حوى من الزوائد، وبدقة حواشيه لا بفرط غواشيه.
والخصال مع صغر حجمه دائرة معارف تحتوي علوما جمة من معارف الإسلام وأحكام الحلال والحرام، وغيرها مما لا غنى عنه لأي فقيه أو أديب أو مؤرخ أو مفسر أو واعظ ناطق، أو خطيب مصقع، أو حكيم متأله، أو سياسي أو نطاسي.
فالباحث مهما سبح في أجواء بحره الطامي وخاض غمراته واغتمس في أمواجه يجده بحرا زاخرا جياش العباب، فيه اللؤلؤ والمرجان والدر الوضيء، وإذا ورد مناهله الروية واغترف من مائه أو ارتشف من عذبه يجده غير آسن أصفى من المزن وأطيب من المسك.
جواهر فرائده للعقول بواهر، وأزاهر أنجمه في أفق المقال زواهر.
كلام كالجواهر حين يبدو
وكالند المعنبر إذ يفوح
له في ظاهر الألفاظ جسم
ولكن المعاني فيه روح
ولا يسع الإنسان حين يناوله ويصفح أوراقه إلا أن تأخذه الدهشة وتعتريه
Page 9