والمجتمع بغير عقوبة مجتمع بلا قانون، والمجتمع بلا قانون فوضى، فتوقيع العقوبة وحده هو الذي ينقذ المجتمع ويجعله صالحا أن يعاش.
ولا حياة بغير قانون، إذا اختفى القانون اندحر الاقتصاد وسقطت الحياة جميعا.
وإننا نتكلم كل يوم عن العقاب والثواب، ثم لا نرى إلا الثواب دون العقاب، نسمع عن السرقات ولكن المحاكم تتراخى في إصدار الأحكام، ولا جناح عليها ولا تثريب، فإن القضايا تثقل كاهلها وتضطر تحت أثقال القضايا أن تتأخر في نظر قضايا المال العام فيزداد اللصوص جرأة عليه، ويزداد الصمت صمتا، والتستر تسترا، لا بد أن تنشأ محاكم خاصة، ومن قضائنا نفسه لا من غيره، وتتفرغ هذه المحاكم لقضايا الأموال العامة، وأرجو أن تكون أحكامها محاطة بكل الظروف المشددة والقانون لا يحتاج إلى تعديل.
فالعقوبة على السارق الذي كان مؤتمنا على الشيء المسروق أشد بطبيعتها من العقوبة على من لم يكن مؤتمنا عليه.
بهذه الأحكام سيرتدع المجرمون، وبشيء آخر لعله أكثر أهمية، أن يحاسب مجلس الشعب كل من يعرف عنه فسادا، ولكن ترى هل يستطيع أعضاء مجلس الشعب أن يحاسبوا على الفساد، أو على الأقل هل يستطيع الموظفون منهم أن يحاسبوا وزراءهم؟ فمن عجب ينبت صوت يقول إنه ليس من الحتم أن نأخذ بما تأخذ به الدساتير الأخرى من عدم السماح لعضو مجلس الشعب بالجمع بين الوظيفة وعضوية المجلس، ولو أنعم صاحب هذا الرأي النظر متجردا من كل الدوافع فيما عدا الحق الذي يعرفه ويحيد عنه، لوجد أننا لا ندعو هذه الدعوى لمجرد إجماع الدساتير عليها، وإنما لأن الموظف عند الوزير لا يستطيع مساءلة الوزير، والقوانين لا بد لها أن تراعي المشاعر البشرية الطبيعية.
أما القول بأن أعضاء مجلس الشعب سيلقون التشريد والهوان إذا هم لم يجمعوا بين عضوية المجلس وبين الوظيفة، فأمر يدعو إلى الدهشة، إن كان المقصود أنهم بعد انتهاء مدة عضويتهم سيلقون هذا التشريد وهذا الهوان، فما أيسر أن تهيئ الدولة لهم العودة إلى الوظائف التي كانوا يشغلونها مع العلاوات المستحقة أيضا، أما إذا كان المقصود أن التشريد سيحيق بهم وهم أعضاء فهو أمر بعيد الاحتمال، فإن مرتب عضو مجلس الشعب أصبح في ذاته حصانة ضد التشريد والهوان، وخاصة إذا نظرنا إلى التسهيلات العديدة التي يحصل عليها أعضاء مجلس الشعب على أنه لا حرج على الدولة أن ترفع مكافأة عضو مجلس الشعب إلى ضعفها أو ثلاثة أضعافها، بشرط ألا يجمع بين الوظيفة والعضوية، إن الجمع بينهما إلغاء تام للديمقراطية وعدم الجمع تثبيت لركن من أهم أركان الديمقراطية التي تقوم على محاسبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية.
خطاب في البريد
سيدة لم تذكر اسمها، ولكني أقدم حالتها إلى وزير عرف بين الناس بالعدل المطلق وبالإنسانية، وهو الفريق الجمسي.
إنها زوجة تزوجت زوجها وهو معفى من التجنيد واطمأنت بهما الحياة وأنجبا ثلاثة أطفال، ولكن بعد ثلاث عشرة سنة فوجئا بقانون ظهر وطبق بأثر رجعي مؤداه أن يرتفع سن المطلوبين للجندية إلى الخامسة والثلاثين، وهكذا وجد الشاب الذي مضى على زواجه ثلاثة عشر عاما نفسه مطلوبا للجندية، ووجدت الأسرة نفسها ضائعة كهباءة هائمة، وسارعت زوجته تكتب مأساتها إلى مجلس الشعب وأرسلت صورة من خطابها إلي.
والسيدة ذات كرامة، فهي لم تذكر اسمها أو اسم زوجها جاعلة من الأزمة التي تعانيها مشكلة عامة جديرة بالاهتمام، دون نظر إلى أسماء، وإني واثق أن الفريق الوزير سيجد حلا لهذه المشكلة التي لا شك أن كثيرا من الأسر تعاني منها عناء شديدا.
Page inconnue