ينسون هذا جميعه، أو يقصدون أن ينسوه ليذكروا شيئا واحدا هو أن يوسعوا رقعة زعامتهم المزعومة، مهما يحل ببلادهم من دمار.
وفي سبيل هذا تسفك الدماء وتنهار الدول، وتستشرى الفتن وتحطم الوحدة، ويهدم الكيان العربي الذي التأم شمله وارتأب صدعه في حرب رمضان.
ويزداد القذافي غضبا حين ينتصر الزعماء الآخرون بالعمل لا بالألفاظ، وبالحرب لا بالهتاف، وبالدم لا بالصراخ.
ولذلك فمصر تنال من أدبه واهتمامه أوفى نصيب، فهي أشد الدول إثارة لمكنون صدره لا لشيء إلا لأنها انتصرت.
كان يجب عليها أن تنهزم حتى يرضى القذافي وأعوانه والمتحدثون بآماله وأمواله، والراكبون حصانه بعد أن نفقت من تحتهم الأحصنة الأخرى، فهم يعجزون أن يسيروا في زحام الناس إلا بخيل الآخرين، فإن عزت الخيل فلا بأس بالحمير يتوكئون عليها ويهتفون بنهيقها، وقديما قال الحكيم العربي «الذليل بغير قيد متقيد، كالكلب إذا لم يسد بحث عن سيد».
الخبرة والإدارة
صديقي رجل عالم تخرج في كلية العلوم، وكان فيها من النابهين، فأبى أن يقف به العلم عند شهادة التخرج، فأخذ سمته إلى إنجلترا وظل بها حتى حصل على الدكتوراه في صناعة الأقمشة، وعاد إلى القاهرة.
إلى هنا وإخالكم ستكملون أنتم القصة وتقولون أي جديد فيما ستروي؟ لا بد أنه عاد ليجد نفسه معينا بمصنع للسيارات، أو في الإدارة القانونية لإحدى المصالح الحكومية أو الشركات.
والعجيب أنني سأخلف ظنكم، فإن صاحبي قد عاد ووجد مكانا في شركة من شركات النسيج، وعين خبيرا فنيا فيما تخصص فيه، وقد شاء الحظ أن يقف إلى جانبه مرة أخرى فوجد رئيس الشركة زميلا له رافقه في المدرسة الثانوية، ثم انشعبت بهم الطرق فدرس صاحبي في كلية العلوم ودرس زميله في كلية الآداب قسم تاريخ.
طبعا اندهش صاحبي حين وجد شركة النسيج تضع على رأسها متخرجا في كلية الآداب قسم تاريخ، فهو فيما تعلم في القاهرة أو إنجلترا لم يدرس أن هناك صلة ما بين التاريخ وصناعة الأقمشة، ويقول: حتى إذا كان هناك تاريخ لصناعة النسيج، فأنا أعتقد أنه ليس ضمن برنامج كلية الآداب قسم التاريخ، فما أعتقد أن قسم التاريخ يدرس تاريخ الصناعات وإنما يدرس تاريخ الدول، المهم أن فرحتي بوجود زميلي جعلتني أتغاضى عن هذا التناقض، وفرحتي بعملي جعلتني أنصرف إليه بكل خبرتي.
Page inconnue