بسم الله الرحمن الرحيم
(مقدمة المصنف)
قال الإمام أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن بن بشر، الحكيم الترمذي، رحمه الله: الحمد لله، رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى آله أجمعين.
أما بعد: فإنك ذكرت البحث في ما خاض فيه طائفة من الناس في شأن الولاية؛ وسألت عن شأن الأولياء ومنازلهم وما يلزم من قبولهم. وهل يعرف الولي نفسه أم لا؟ وذكرت أن ناسا يقولون: أن الولاية مجهولة عند أهلها. ومن حسب نفسه وليا وهو بعيد عنها.
فاعلم أن هؤلاء الذين يخوضون في هذا الأمر، ليسوا من هذا الأمر في شيء. إنما هم قوم يعتبرون شأن الولاية من طريق العلم، ويتكلمون بالمقاييس وبالتوهم من تلقاء أنفسهم؛ وليسوا بأهل خصوص من ربهم؛ ولم يبلغوا منازل الولاية ولا عرفوا صنع الله. إنما كلامهم في الصدق، ومعيارهم في الأمور الصدق. فإذا صاروا إلى المنن انقطع كلامهم، وعجزوا عن معرفة صنع الله بالعبد. لأنهم عجزوا عن معرفته، ومن عجز عن معرفة الله تعالى كان عن معرفة صنايعه أعجز. فلذلك يصير كلامه جزافا في العاقبة.
الفصل الأول ولي حق الله
والأولياء عندنا على صنفين: صنف أولياء حق الله، وصنف أولياء الله. وكلاهما يحسبان أنهما أولياء الله.
فأما ولي حق الله فرجل أفاق من سكرته. فتاب إلى الله تعالى، وعزم على الوفاء لله تعالى بتلك التوبة. فنظر إلى ما يراد له في القيام بهذا الوفاء فإذا هي حراسة هذه الجوارح السبع: لسانه وسمعه وبصره ويده ورجله وبطنه وفرجه. فصرفها من باله، وجمع فكرته وهمته في هذه الحراسة، ولها عن كل شيء سواها، حتى استقام. فهو رجل مؤدي الفرائض حافظ للحدود، لا يشتغل بشيء غير ذلك. يحرس هذه الجوارح حتى لا ينقطع الوفاء لله تعالى بما عزم عليه. فسكنت نفسه، وهدأت جوارحه.
Page 5
فنظر إلى حاله، فإذا هو على خطر عظيم: لأنه وجد نفسه بمنزلة شجرة قطعت أغصانها والشجرة باقية بحالها. فما يؤمنه أن يغفل عنها قليلا فإذا الشجرة قد بدت لها أغصان كما كان بديا، فكلما قطعها خرج مكانها مثلها. فقصد الشجرة ليقطعها من أصلها، ليأمن من خروج أغصانها، فقطعها. فظن أنه قد كفى مؤنتها، فإذا أصلها قد بدت منه أغصان؟ فعرف أنه لا يخلص من شرها دون أن يقلعها من أصلها. فإذا قلعها من أصلها استراح.
فلما نظر هذا العبد إلى جوارحه قد هدأت، التفت إلى باطنه؛ فإذا نفسه محشوة بشهوات هذه الجوارح. فقال: إنما هي شهوة واحدة، أبيح لي منها بعضها وحظر على بعضها: فأنا في خطر عظيم! أحتاج أن أحرس بصري حتى لا ينظر إلا المباح: فإذا بلغ المحظور عليه غمض وأعرض وكذلك اللسان وجميع الجوارح. فإذا غفلت ساعة عن الحراسة، رمتني في أودية المهالك. فلما وقع في هذا الخوف، ضيقت عليه المخافة جميع الأمور، وحجزته عن الخلق، وأعجزته عن القيام بكثير من أمور الله، عز وجل. وصار ممن يهرب من كل أمر، عجزا منه وخوفا على جوارحه من نفسه الشهوانية.
فقال في نفسه: قد اشتغل قلبي بحراسة نفسي في جميع عمري، فمتى أقدر أن أفكر في منن الله وصنائعه؟ ومتى يطهر قلبي من هذه الأدناس؟ فإن أهل اليقين يصفون من قلوبهم أمورا، أنا خلو منها! فقصد ليطهر الباطن، بعدما استقام له تطهير الظاهر. فعزم على رفض كل شهوة في نفسه لهذه الجوارح السبع، مما أطلق أو حظر عليه. وقال: إنما هي شهوة واحدة، تطلق لي في مكان وتحظر علي في مكان. فلا خلاص منها، حتى أميتها من نفسي وحسب إن رفضها إماتتها! فعلم الله صدق الرفض من عبده وماذا يريد.
فافترقت الإرادة ههنا. فمنهم من صدق الله في رفضه ليطهر مناه، ويلقاه بصدقه وطهارته لينال ما وعد الصادقين من ثواب جهدهم. ومنهم من صدق الله في رفضه ليلقاه بخالص العبودية غدا، فتقر عينه بلقائه. ففتح لهذا الطريق إليه، وترك الآخر على جهده، واقتضائه ثواب الصدق يوم لقائه.
Page 6
فأما الذي فتح له الطريق إليه، فهذا الذي ذكره في تنزيله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} فلم فتح له الطريق إليه أشرق النور في صدره، فأصاب روح الطريق، فوجد قوة على رفض الشهوات، فازداد رفضا وهجرانا. فزيد له في الروح، لأنه كلما رفض شيئا نال من ربه عطاء من روح القربة؛ فازداد قوة. فقوي على الرفض، حتى مهر في الطريق، وحذق بصرا بالسير إلى الله تعالى. فعلم أنه إذا رفض شهوة الأكل، ينبغي له أن يرفض شهوة اللباس؛ فإذا رفضها، ينبغي له أن يرفض شهوة الشراب، فإذا رفض هذه الأشياء، رفض شهوة السمع والبصر واللسان واليد والرجل. فلا ينطق إلا بما لا بد منه، ولا يسمع إلا إلى ما لا بد منه، ولا ينظر إلا إلى ما لا بد منه، ولا يمشي إلا إلى ما لا بد منه. فيلزم العزلة حسما لهذه الأبواب، وإماتة لهذه الشهوات. فازداد قربا وانشرح صدره. والخطر العظيم ههنا! (والسالكون) بين معصوم ومخذول. وذلك أن من زلت قدمه في هذا الطريق، فمن ههنا زلت، ومن ههنا خذل. فاحذرك هذا الباب!
قال له قائل: وكيف ذلك؟
قال: من أجل أنه لما عمت أنوار العطاء في قلبه، واتسع قلبه وانشرح صدره فرحت نفسه بخروجها من تلك المضايق إلى فسحة التوحيد. فترك العزلة لهذه الجوارح، وأخذ ينطق بما فتح الله له من شأن هذا الطريق، ومما تراءى له من الحكم والفوائد وعلم الطريق. وخالط الناس على ذلك. فأكرم وبجل. فقبل إكرامهم وتبجيلهم. ثم أعطى على ذلك فقبل نوالهم. خدعته نفسه فانخدع لها. وموهت عليه فقبل تمويهها. وانبعثت عليه الدنيا عفوا لا صفوا!
فوثب هذا الأسد المتماوت وثبة من حينه فركب عنقه. وذلك (أنه) لما أصاب تلك اللذات، التي كانت زالت بالفطام عنها، استيقظ. فصارت (نفسه) بمنزلة السمكة، التي انفلتت من الشبكة: فهي أشد غوصا واضطرابا لا تأمن على نفسها أن تؤخذ. فصارت النفس كذلك منفلتة من شبكة صاحبها، فهي أشد وأصعب من أن يظفر بها. فاحذر هذا الباب! فإني رأيت وعاينت كل من أفسد طريقه، وأدبر ناكصا على عقبيه، فمن ههنا سقط وزلت قدمه. فلم يزالوا في ذل وصغار، قد نفتهم قلوب الصادقين، ومقتهم جمهور العلماء.
Page 7
وذلك أنهم هراب متصنعون، لا هم يتوبون من هذا الأمر ويتطهرون ويصحون ويستقيمون في سيرهم؛ ولا تسمح نفوسهم بأن يصيروا إلى أعمال الأركان، لأن فيه مشقة وضيقا، وقد كانوا أصابوا الروح والسعة. فلا قلوبهم مشغولة بحق الله، ولا أبدانهم مشغولة بعبادة الله. وقد عطلوا الأركان عن العبادة، وعطلوا القلوب عن السير إلى الله عز وجل، وقطع مسافة المنازل. فصاروا ضحكة الشيطان، وبرم القلوب، وثقلا على الفؤاد. يسيحون في البلدان، يخدعون الضعفاء والجهال والنساء عن دنياهم. ويأكلون بما يبدون من الزهد، والسمت الحسن، وكلام الرجال. تراهم الشهر والدهر في الاحتيال والاصطياد. ويجرون المنافع بالرقى، ويباشرون الأعمال على المنى، ويتخيرونها على العمى!
فالكيس أدركه التوفيق من ربه. فثبت ههنا عندما جاشت الحكم في صدره، وراودته نفسه على مخالطة الخلق؛ تزعم له بخداعها أنه قد أصاب من القوة ما يباشر هذه الأمور. فيرجع بعقله عليها، فيقول: كيف آمنك على أمور، وأنت معروفة بالخيانة، ومعك آلة الخيانة، التي تدعى شهواتك؟ ويعزم على إلا يقضى شهواتها ومنيتها. فأيده الله تعالى، وثبت ركنه. وعزم على تجنب هذه الشهوات كلها، ما ظهر منها وما بطن. حتى إذا مر في عزمه، فاستفرغه وبلغ الغاية من ذلك (و) ظن أنه قد أماتها، فإذا هي بمكانها! وذلك أنه بلغ الغاية في روض شهوات الدنيا، وبقيت لذة الطاعات والنفس حية بمكانها.
فمن ههنا زلت أقدام طائفة منهم. فقالوا في أنفسهم. أنقعد فراغا هكذا، نبطل أعمالنا في القعود معطلين؟ بل ننغمس في أعمال البر، فكل ما زدنا منه، ازددنا به قربة إلى الله تعالى. فيقال لهم: هذا (هو) الداء الدفين فيكم، وأنتم به جاهلون! متى وجدت نفسك لذة الطاعات وحلاوتها فأجبتها صرت مفتونا بها. فتأمل هذا المكان، فإن فيه مسرحا من مسارح النفس ومصيدة من مصايد الشيطان. وأعوذ بالله ممن يصير مفتونا بالطاعة!
أما بلغك الخبر، عن جريج الراهب، حيث نادته أمه وهو في الصلاة، فآثر الصلاة على إجابة أمه - فلقي ما لقي من البلاء؟ وهكذا تكون فتنة الطاعة. وهل تكون الفتنة إلا من وجود النفس لذة الشيء؟ فكيف يطمح قلبك أن يصل إلى الله تعالى، مع شهوة النفس؟ فإن شهوة النفس هي الدنيا! إن هذا لحمق! والجهل قد يبلغ بصاحبه منازل الحمقى.
ويقال لمثل هذا المفتون، بمثل هذا القول: متى تتخلص من لحظات نفسك إلى جهدك، وأعمال برك، حتى لا تكون معتمدا عليه؟ والمعتمد على عمله متى يفلح؟ وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول: ((إنه ليس أحد منكم ينجيه عمله. قالوا: ولا أنت، يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)).
قال له قائل: فماذا يصنع إن لم يعمل نفسه في الطاعات؟
Page 8
قال: يؤدي الفرائض، ويحفظ الحدود. فليس في هذا الشغل، أن قام به، ما يعجزه عن سائر الأشياء. وأي عبودة أشرف من هذا؟ وهل ألزم الله العباد إلا بهذا؟
قال له قائل: فهل يضره إن هو اشتغل بهذه الطاعات؟
قال: وأي ضرر بأكثر من سائر إلى الله تعالى، وقف على بعض عبيده، أو على شيء من خلقه، يلتذ به؟ أليس هذا مما يقف به عن السير؟ أرأيت لو أن أمير المؤمنين دعا بعض قواده ليقربه ويخلع عليه ويحبوه؟ فسار إليه هذا القائد؛ فلما بلغ بعض الطريق، عمد إلى موضع منزه، حلى لصدره لنزاهته، فأخذ يبني له هناك قصرا. هل يقع ذلك من أمير المؤمنين؟ واحتج (القائد) بأن قال: أبني هذا القصر، لأ تقرب به إليه. أليس هذا، عند أهل العقل، من الحمق؟ وما خطر هذا القصر، عند أمير المؤمنين؟ وأين هذا من ملكه إنما دعاك ليقربك، ويظهر مكنون ما عنده لك. فما اشتغالك بهذا؟ قال (القائد): لأزداد عنده قربة! فسمع أمير المؤمنين بذلك، فازدرى عقله، وقال: أحسب هذا إنما دعوته لأقربه بما سلف منه إلي؟ فوجد عليه من ذلك، وقال: اكتساب الجاه عندي أن تسير إلي عندما بلغتك دعوتي؛ فتنال محل القربة؛ لا باشتغالك ببناء القصر لي.
فإذا كانت هذه المعاملة، فيما بين العبيد، في الدنيا هكذا - فكيف بمعاملتك مع رب العزة على هذا السبيل.
الفصل الثاني (دعوة الحق وإجابة العبد)
إن الله تعالى دعا العباد، فقال: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} فأجابته طائفة بأن آمنوا به، وخلطوا في عمل الأركان. فقيل لهم: لكم، بما أجبتم، حياة القلوب توحيدا. ثم تقدمت طائفة أخرى، أمام هذه الطائفة؟ فأخلصوا العمل لله، وتطهروا من التخليط فقيل لهم: لكم، بما أجبتم، حياة الأركان طاعة وتسليما. ثم تقدمت طائفة أمامها؛ فأخلصوا القلوب، وتطهروا من شهوات النفوس وأعمال الهوى. فقيل لهم: لكم، بما أجبتم، حياة النفوس الشهوانية انقيادا لما يأتي به القلب، ويرد عليه من اليقين. ثم تقدمت طائفة أخرى أمامها، تتقرب إليه. فقيل له: لكم، بما أجبتم، حياة القلوب والنفوس جميعا!
Page 9
فهذه أربع طبقات. كل طبقة إنما تعطي من هذه الحياة، التي وعد الله بها، على قدر استجابتها لدعوته. فإن موت القلوب من شهوة النفس. فكلما رفض شهوة نال من الحياة بقسطه. فيقال لهذا السائر إلى الله، عز وجل: إنك لن تنال الوصول إليه، ومعك مشيئة لنفسك. الوصول إليه من أعظم المشيئات! فأنت باق حتى ترفض هذا كله. وإنما تباينت أحوال الأولياء، وبعد البون هذا من أجل مشيئة الوصول إليه، والنظر إلى جهدهم. وسأبين ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى!
فالطبقة الأولى سارت قليلا. فلما وجدت روح القربة ظنت أنها قد أصابت القوة كلها؛ فتبحبحت في شهوات النفس: من الضيافات واتخاذ الأخوان وبقبقة الكلام خاليا مما يأتي به. حتى استولت على رياسة، في قرية أو ناحية من النواحي؛ أو على طائفة من هؤلاء الزمنى، بين جهال وفتيان ونساء. فاستطابت طمح تلك الأبصار إليها، وتعظيمهم لها، وبرهم بها. فهذه ثمرة سيرها: ظاهرها تخليط، وباطنها مزبلة. فهؤلاء قتلى هذا الطريق.
الطبقة الثانية سارت قليلا. ثم عرجت على الطاعات تلتذ بها حتى أدتها إلى العبادة الظاهرة. فبقيت وفي نفسها مكامن الفتن كالسيل والليل؛ مثل التعظيم لأمرها، والإعجاب بنفسها، والكبر والتيه والنخوة والتصنع والمداهنة والطمأنينة إلى قبول الناس لها، ورضاهم بمذهبها. فأذنها مصغية إلى ثناء الناس عليها، والفرح بمدحهم لها. وخوف سقوط منزلتها عندهم لازم لقلبها. تتراءى لهذا، وتعتذر وتتملق لهذا. عامة أمرها على الختل والمخادعة، تبقيا على أحوالها، التي هي نزهة نفسها. فإن ذكرت الآخرة وشدائدها، ذكرت أعمالها التي تعمل أركانها جهدا، فطابت نفسها. وهل تطيب نفسها إلا من ركونها إليه؟ متى عرفت هذه ربها، حتى تطمئن إلى أعمال خرجت من أركان دنسة وقلب كدر وإيمان سقيم؟
والكيس فتح له الطريق. فسار إلى الله تعالى، لا يعرج يمينا ولا شمالا. فعف عن شهوات المعاصي، ثم عف عن شهوات الحلال، كما عف عن شهوات الحرام. ثم عف عن شهوات الطاعات، وتخير الأحوال كما عف عن الحرام. ثم عف عن كل مشيئة خطرت بباله، كما عف عن هذه الأشياء. يقول في نفسه: إن حجابي، بيني وبين ربي، نفسي، فما دامت معي مشيئة فنفسي قائمة بين يدي، تحجبني عن ربي.
فهذا عبد مسدد موفق! فما زالت به أمواج المجاهدة، ترفعه وتحفظه. فكلما وجد من عمل لذة فارقه وتحول إلى غيره، حتى مل وأجهد. فرفض العمل كله، وقعد حارسا لقلبه من لصوصية هذه النفس.
فقال له قائل: وكيف يحرسه؟ وما لصوصية النفس.
قال: إن الصدر ساحة النفس والقلب. فللقلب في هذه الساحة باب، وللنفس باب. فإذا دخل العطاء من الله في الصدر فإنما هو للقلب. وثارت النفس لتأخذ نصيبا من حلاوة العطاء، فإن أخذت بغلبتها نصيبها لم يقدر الحارس على منعها. فإذا أرادت أن تعمل أعمال البر، بما أصابت من العطاء، منعهما من العمل. فهذا موضع الزلل.
Page 10
فالجاهل بهذا الطريق لما أصابت النفس حلاوة العطاء، استقرت بصاحبها، فدعته إلى عمل الأركان، وهي خائنة لما فيها من الشهوات. فإن تركها صاحبها وما استقرت به أفسدت نصيبها من العطاء له بشهواتها. فهذا الحارس لهذا الطريق، بغاية الشغل فكيف يصل إلى عمل الأركان؟ أليس عمل الأركان، على ما وصفناه، بطالة؟ فلا تعبأن بهؤلاء البطالين، ولا يغرنك تماوتهم وسمتهم، فإن عامتهم هراب، وعبيد أباق!
فما زال ذلك دأب هذا الصادق، في سيره إلى الله تعالى. يمنع نفسه لذة الحلال، ولذة الطاعات، ولذة العطاء. ومع ذلك، يجاهد نفسه في تصفية الأخلاق الدنيئة: مثل الشح والرغبة والمذمة والجفوة والحقد، وأشباه ذلك. فإن الشح والرغبة والحقد والجفوة من قدر النفس. وهو دائب في هذا السير. فأي عبادة تفوق هذا؟ حتى إذا استفرغ مجهوده من الصدق، ولم يبق للحق قبله اقتضاء، التفت إلى نفسه فوجدها كما كانت بديا، فيها تلك الهنات موجودة.
قال له قائل: وما تلك الهنات؟
قال: الفرح بالأحوال عند الخلق، والطلب للمنازل العلية عند الله. ومع هذا الفرح بالأحوال يطلب عندهم المنازل في مكامن نفسه، ركونا إلى الحياة وتنسما لروحها، ولقاء الأخوان، والبطر في المواضع التي هي مطمأن النفس من بقاع الأرض. بمنزلة سمكة يريد صاحبها أن يميتها، فيلقيها على التراب، فهي تضطرب فيه، قد أزف منها الموت. ثم يشفق عليها صاحبها، فيغطها في الماء غطا ثم يرمي بها إلى اليبس. ثم لما أزف منها الموت، رش عليها الماء فأحياها: فهذا لعب من صاحبها بها!
فلما استفرغ هذا الصادق مجهوده من الصدق في سيره، على ما وصفت، ووجد نفسه حية معها هذه الصفات تحير وانقطع صدقه. وقال: كيف لي أن أخرج من نفسي حلاوة هذه الأشياء؟ فعلم أنه لا يقدر على ذلك، كما لا يقدر أن يبيض الشعرة السوداء.
وقال: إن هذه نفسي قد أوثقتها بالصدق مني إلى الله؛ فكيف لي إن حللت وثاقها فأبقت وهربت، متى ألحقها؟ فوقع في مفازة الحيرة. فاستوحش، وبقي وحيدا في تلك المفازة. لأنه قد ذهب أنس النفس ولم ينل أنس الخالق. فحينئذ صار مضطرا، لا يدري أيقبل أم يدبر؟ فصرخ إلى الله، يائسا من صدقه، صفر اليدين، خالي القلب من كل جهد. وقال في نجواه: قد تعلم، يا عالم الغيوب والخفيات، إنه لم يبق لعلمي بالصدق، موضع قدم أتخطى به؛ ولا لي مقدرة على محو هذه الشهوات الدنسة من نفسي وقلبي فأغثني!
Page 11
فأدركته الرحمة، فرحم. فطير بقلبه، من مكانه الذي انقطع فيه، في لحظة؛ فوقف به في محل القربة عند ذي العرش. فوجد روح القربة ونسيمها وتبحبح في فضائها، وفي ساحات توحيده. وذلك قوله عز وجل: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}.
ينبؤك في هذه الآية، أن وله قلبك إلى صدق نفسك وجهدك يكشف السوء عنك، ولا يجيبك إلى ما دعوته حتى تخلص دعوتك ووله قلبك إلى الله تعالى، الذي أوله القلوب، وحتى تكون مضطرا إليه.
فالمضطر (هو) الذي انقطع زاده وحمولته، وبقي متحيرا في المفازة لا يهتدي إلى الطريق. فهو محروم مغاث. ألا ترى أن الله تعالى أحل للمضطر، في مفازة الأرض، الميتة رحمة له وغياثا؟ فالمضطر في مفاوز السير إليه أحق بالرحمة والغياث!
وقال: عز اسمه! في تنزليه {وجاهدوا في الله حق جهاده} فحقيقة الجهاد ألا يبقى للصدق موضع قدم يتخطى إليه.
ثم قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} والسبل هي الطرق. يعلمهم أن للأولياء طرقا، فيها تفاوت على أقدار نفوسهم ووقائها واحتمالها لما يرد من العطاء. وإنما هداهم لسبله بصدق المجاهدة. والهدى أن يميل بقلبه، مشتق من تهادى؛ يقال في اللغة: مشى فلان يتهادى، أي يتمايل. ومنه مأخوذة الهدية، لأنها تميل بالقلب إلى صاحبها.
وإنما رحم العبد حين خلصت دعوته؛ وإنما خلصت دعوته حين صار مضطرا ولم يبق له معتمد (يعتمد عليه) ولا ملتفت يلتفت إليه. فأما دعوة رجل إحدى عينيه إلى ربه والأخرى إلى عمله، فما هو مضطر ولا خلصت دعوته. فلما أجيبت لهذا المضطر دعوته، طير من محل الصادقين، في طرفة عين، إلى محل الأحرار الكرام. ورتبت له هناك مرتبة، على شريطة لزومه المرتبة ليعتق من رق النفس، ويكشف عنه السوء، الذي وصفه الله تعالى في هذه الآية.
قال قائل: وما ذلك السوء؟
قال: الذي وصفت بديا: مما كان يجده في نفسه، ومن تلك الهنات الدنسة، التي لم يقدر أن يمحوها عن نفسه، وإنما يمحوها عنه الله، عز وجل! فقيل له: الزم هذه المرتبة، بقرب الله تعالى! وأنت عتيق من رق النفس حتى تزايلك هذه الهنات، التي في نفسك بما يرد عليك من أنوار القربة فتحرقها فتصير من صفوته، وتصلح له. ووكل به الحق يحرسه. فإن ثبت في مركزه فقد وفى بشرط الله، وإن أخل بمركزه وهرب فهو مخذول، خدعته نفسه الأمارة بالسوء. فانظر أية نفس هذه، حيث تقدر على خدعه وهو في محل الكرام الأحرار؟
Page 12
قال له قائل: وأين محل الصادقين؟ وأين محل الكرام الأحرار؟
قال: محل الصادقين في السماء الدنيا، عند بيت العزة، فهناك محلهم لأنهم عبيد النفوس.
قال قائل: وما بيت العزة؟
قال: حيث نزل القرآن جملة واحدة، في ليلة مباركة، فوضع في بيت العزة، في سماء الدنيا، ثم نزل نجوما في عشرين سنة، كذلك روي عن ابن عباس رحمه الله!
وأما محل الأحرار الكرام، فالبيت المعمور، في حدود عليين. فوق
السماء السابعة. يلجونها ثم يتفرقون منها، على مراتبهم، في عليين إلى العرش، عساكر بعضها فوق بعض، حتى ينتهوا إلى محل الأربعين، حول العرش.
(الفصل الثالث) (ولي حق الله وولي الله)
فهؤلاء كلهم أولياء حقوق الله، وهم أولياء الله يصيرون إلى الله تعالى في مراتبهم. فيحلون بها ويتنسمون روح القرب، ويعيشون في فسحة التوحيد والخروج عن رق النفس. قد لزموا المراتب، فلا يشتغلون بشيء إلا بما أذن لهم فيه من الأعمال. فإذا صرفهم الله من المرتبة إلى عمل أبدانهم حرسهم، فيمضون مع الحرس في تلك الأعمال، ثم ينقلبون إلى مراتبهم. هذا دأبهم.
فمن لم يف منهم بما شرط عليه من لزوم المرتبة، ومضى في عمل من أعمال البر، يحسب أنه قد قوي واستغنى؛ بما ناله من نور القربة فينبغي ألا يكون معطلا -فقد وقع في الخذلان. لأنه ترك الشرط، ومضى بهوى نفسه.
وإنما شرط عليه لزوم المرتبة، لأن هوى نفسه معه، والأدناس التي وصفت في نفسه. فكيف يجوز له أن يمضي من المرتبة إلى عمل بلا إذن؟ فإنه إذا مضى بلا إذن، لم يكن معه حراس، بل معه هواه وشهواته. فإذا عمل لله تعالى، وهواه معه، أيترك ويخلى سبيله لأنه يرجع إلى مكان القربة ، فيقف مع الصفوة في المرتبة؟ إن هذا الحمق عجيب، لمن طمع في هذا! وقد لطخ الحق وعمل بهوى نفسه.
فهذا رجل مخدوع مستدرج يعمل نفسه في أنواع البر، ويزعم أنه إنما خلق للعبودية، وهذه عبودية. فيقال له: إن عبودية الأولياء أصفى من أن تخالطها هنات النفس. وكيف يكون ما تعمل عبودية، وأنت في أوحال النفس وشهواتها وخدعها وأمانيها والتفاتها إلى خيالها؟ فإن احتج بقول الله، عز وجل:
Page 13
{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}. وقال: أفلا ترى أنه أشار إلى العمل؟ فقل له: احذر هذا ((الكيف))، الذي قاله؛ فإن ((كيف)) هو صفة العمل. أي: لننظر بأي صفة تعملون؟ ولم يقل: لننظر ماذا تعملون.
فإن أردت أن تقوم له بالعبودية، فاجتهد في خروجك من رق النفس إلى رقه، حتى تكون له عبدا، فالعبودية لعبيده، والعبادة لعبيد النفوس. ومن لم يصل إلى الله. عز وجل، في مجالس القربة، حتى تحرق تلك الأنوار جميع ما في نفسه من الأدناس - فهو بعد في الطرق، لا يدري أين هو. وإنما جرأته على الأمور، من بعض أنوار العطاء.
فكيف يخاطر المرء بنفسه، وينخدع لها، ويخالط ويباشر الأمور، التي تتدنس نفسه فيها، وتأخذ بنصيبها؟ ثم يزعم أنه ذو حظ من الله! هيهات!
فهذا رجل لم يصبر على السير، فمله. ولم يرتفع له ما أمل من
الوصول إلى الله تعالى. فأقبل على النساك يتصنع بأعمالهم، وينطق بكلام الأولياء، إلى ما لا يعلمه. فكفى بهذا ترديا في آبار المهالك!
(الفصل الرابع) (المسائل الروحانية)
فيقال لهذا المسكين المتحير:
(السؤال الأول) صف لنا منازل الأولياء إذا استفرغوا مجهود الصدق، كم عدد منازلهم؟
(السؤال الثاني) وأين منازل أهل القربة؟
(السؤال الثالث) وأين الذين جاوزوا العساكر، وبأي شيء جاوزوا؟
(السؤال الرابع) وإلى أين منتهاهم؟
(السؤال الخامس) وأين مقام أهل المجالس والحديث؟
(السؤال السادس) وكم عددهم؟
(السؤال السابع) وبأي شيء استوجبوا هذا على ربهم؟
(السؤال الثامن) وما حديثهم ونجواهم؟
(السؤال التاسع) وبأي شيء يفتتحون المناجاة؟
(السؤال العاشر) وبأي شيء يختمونها؟
(السؤال الحادي عشر) وبماذا يجابون؟
Page 14
(السؤال الثاني عشر) وكيف يكون صفة سيرهم؟
(السؤال الثالث عشر) ومن الذي يستحق خاتم الأولياء، كما استحق محمد، صلى الله عليه وسلم ، خاتم النبوة؟
(السؤال الرابع عشر) وبأي صفة يكون ذلك المستحق الملك؟
(السؤال الخامس عشر) وما سبب الخاتم، وما معناه؟
(السؤال السادس عشر) وكم مجالس الملك، حتى يوصل إلى ملك الملك؟
(السؤال السابع عشر) وأين مقام الرسل من مقام الأنبياء؟
(السؤال الثامن عشر) وأين مقام الأنبياء من مقام الأولياء؟
(السؤال التاسع عشر) وأي شيء حظ كل رسول من ربه؟
(السؤال العشرون) وأي اسم منحه من أسمائه؟
(السؤال الحادي والعشرون) وأي شيء حظوظ الأولياء من أسمائه؟
(السؤال الثاني والعشرون) وأي شيء علم البدء؟
(السؤال الثالث والعشرون) وقوله: ((كان الله ولا شيء معه)).
(السؤال الرابع والعشرون) وما بدء الأسماء؟
(السؤال الخامس والعشرون) وما بدء الوحي؟
(السؤال السادس والعشرون) وما بدء الروح؟
(السؤال السابع والعشرون) وما بدء السكينة؟
(السؤال الثامن والعشرون) وما العدل؟
(السؤال التاسع والعشرون) وما فضل بعض النبيين على بعض، وكذلك الأولياء؟
(السؤال الثلاثون): ((وخلق الله الخلق في ظلمة)).
(السؤال الحادي والثلاثون): وما قصتهم هناك؟
(السؤال الثاني والثلاثون) وكيف صفة المقادير؟
Page 15
(السؤال الثالث والثلاثون): وما سبب علم القدر، الذي طوى عن الرسل فمن دونهم؟
(السؤال الربع والثلاثون) ولأي شيء طوى؟
(السؤال الخامس والثلاثون) ومتى ينكشف لهم سر القدر؟
(السؤال السادس والثلاثون) وأين ينكشف لهم؟
(السؤال السابع والثلاثون) ولمن ينكشف منهم؟
(السؤال الثامن والثلاثون) وما الإذن في الطاعة والمعصية من ربنا؟
(السؤال التاسع والثلاثون) وما العقل الأكبر، الذي قسمت منه العقول لجميع خلقه؟
(السؤال الأربعون) وما صفة آدم عليه السلام؟
(السؤال الحادي والأربعون) وما توليته؟
(السؤال الثاني والأربعون) وما فطرته؟
(السؤال الثالث والأربعون) وما الفطرة؟
(السؤال الرابع والأربعون) ولم سماه بشرا؟
(السؤال الخامس والأربعون) وبأي شيء نال التقدمة على الملائكة، حتى أوهم بالسجود له؟
(السؤال السادس والأربعون) وكم عدد الأخلاق التي منحه عطاء؟
(السؤال السابع والأربعون) وكم خزائن الأخلاق؟
(السؤال الثامن والأربعون) وقوله عليه السلام: ((إن لله مائة وسبعة عشر خلقا)) ما تلك الأخلاق؟
(السؤال التاسع والأربعون) وكم للرسل منها؟
(السؤال الخمسون) وكم لمحمد، صلى الله عليه وسلم ؟
(السؤال الحادي والخمسون) وأين خزائن المنن؟
Page 16
(السؤال الثاني والخمسون): وأين خزائن سعي النفوس؟
(السؤال الثالث والخمسون) ومن أين يعطى الأنبياء؟
(السؤال الرابع والخمسون) وأين خزائن المحدثين من الأولياء؟
(السؤال الخامس والخمسون) وما الحديث؟
(السؤال السادس والخمسون) وما الوحي؟
(السؤال السابع والخمسون) وما الفرق بين النبيين والمحدثين؟
(السؤال الثامن والخمسون) وأين مكانهم منهم؟
(السؤال التاسع والخمسون) وأين سائر الأولياء؟
(السؤال الستون) وما خوض الوقوف؟
(السؤال الحادي والستون) وكيف صار أمره كلمح البصر؟
(السؤال الثاني والستون) وأمر الساعة أقرب من لمح البصر؟
(السؤال الثالث والستون) وما كلام الله تعالى لعامة أهل الوقوف؟
(السؤال الرابع والستون) وما كلامه للموحدين؟
(السؤال الخامس والستون) وما كلامه للرسل، عليهم السلام؟
(السؤال السادس والستون) وإلى أين يأوون يوم القيامة من العرصة؟
(السؤال السابع والستون) وكيف مراتب الأولياء والأنبياء يوم الزيارة؟
(السؤال الثامن والستون) وما حظوظ الأنبياء من النظر إليه تعالى؟
(السؤال التاسع والستون) وما حظوظ المحدثين من النظر إليه؟
(السؤال السبعون) وما حظوظ سائر الأولياء من النظر إليه؟
(السؤال الحادي والسبعون) وما حظوظ العامة من النظر إليه؟
(السؤال الثاني والسبعون) وقوله: ((إن الرجل منهم ينصرف بحظه من ربه فيذهل أهل الجنان عن نعيمهم، اشتغالا بالنظر إليه؟
(السؤال الثالث والسبعون) وما المقام المحمود؟
(السؤال الرابع والسبعون) وبأي شيء ناله؟
Page 17
(السؤال الخامس والسبعون) وكم بين حظ محمد، صلى الله عليه وسلم ، وحظوظ سائر الأنبياء عليهم السلام؟
(السؤال السادس والسبعون) وما لواء الحمد؟
(السؤال السابع والسبعون) وبأي شيء يثني على ربه، عز وجل، حتى يستوجب لواء الحمد.
(السؤال الثامن والسبعون) وماذا يقدم إلى ربه من العبودية؟
(السؤال التاسع والسبعون) وبأي شيء يختمه حتى يناوله مفاتيح الكرم؟
(السؤال الثمانون) وما مفاتيح الكرم؟
(السؤال الحادي والثمانون) وعلى من توزع عطايا ربنا؟
(السؤال الثاني والثمانون) وكم أجزاء النبوة؟
(السؤال الثالث والثمانون) وما النبوة؟
(السؤال الرابع والثمانون) وكم أجزاء الصديقية؟
(السؤال الخامس والثمانون ) وما الصديقية؟
(السؤال السادس والثمانون) وعلى كم سهم ثبتت العبودية؟
(السؤال السابع والثمانون) وما يقتضي الحق من الموحدين؟
(السؤال الثامن والثمانون) وما الحق؟
(السؤال التاسع والثمانون) وماذا بدؤه؟
(السؤال التسعون) وأي شيء فعله في الخلق؟
(السؤال الحادي والتسعون) وبماذا وكل؟
(السؤال الثاني والتسعون) وما ثمرته؟
(السؤال الثالث والتسعون) وما المحق؟
(السؤال الرابع والتسعون) وأين محل من يكون محقا؟
(السؤال الخامس والتسعون) وما سكينة الأولياء؟
(السؤال السادس والتسعون) وما حظ المؤمنين من قوله {الظاهر والباطن والأول والآخر}.
Page 18
(السؤال السابع والتسعون) وما حظ المؤمنين من قوله: {كل شيء هالك إلا وجهه}.
(السؤال الثامن والتسعون) وكيف خص ذكر الوجه؟
(السؤال التاسع والتسعون) وما مبتدأ الحمد؟
(السؤال الموفى مائة) وما قوله: ((أمين))؟
(السؤال الحادي ومائة) وما السجود؟
(السؤال الثاني ومائة) وما بدؤه؟
(السؤال الثالث ومائة) وما قوله: ((العزة إزاري))؟
(السؤال الرابع ومائة) وما قوله: ((والعظمة ردائي))؟
(السؤال الخامس ومائة) وما الإزار؟
(السؤال السادس ومائة) وما الرداء؟
(السؤال السابع ومائة) وما الكبرياء؟
(السؤال الثامن ومائة) وما تاج الملك؟
(السؤال التاسع ومائة) وما الوقار؟
(السؤال العاشر ومائة) وما صفة مجالس الهيبة؟
(السؤال الحادي عشر ومائة) وما صفة ملك الآلاء؟
(السؤال الثاني عشر ومائة) وما صفة ملك الضياء؟
(السؤال الثالث عشر ومائة) وما صفة ملك القدر؟
(السؤال الرابع عشر ومائة) وما القدس؟
(السؤال الخامس عشر ومائة) وما سبحات الوجه؟
(السؤال السادس عشر ومائة) وما شراب الحب؟
(السؤال السابع عشر ومائة) وما كأس الحب؟
(السؤال الثامن عشر ومائة) ومن أين؟
Page 19
(السؤال التاسع عشر ومائة) وما شراب حبه لك حتى يسكرك عن حبك له؟
(السؤال العشرون ومائة) وما القبضة؟
(السؤال الحادي والعشرون ومائة) ومن الذين استوجبوا القبضة حتى صاروا فيها؟
(السؤال الثاني والعشرون ومائة) وما صنيعهم بهم في القبضة؟
(السؤال الثالث والعشرون ومائة) وكم نظرته إلى الأولياء كل يوم؟
(السؤال الرابع والعشرون ومائة) وإلى ماذا ينظر منهم؟
(السؤال الخامس والعشرون ومائة) وإلى ماذا ينظر من الأنبياء عليهم السلام؟
(السؤال السادس والعشرون ومائة) وكم إقباله على خاصته في كل يوم ؟
(السؤال السابع والعشرون ومائة) وما المعية مع الخلق والأصفياء والأنبياء والخاصة، والتفاوت والفرق بينهم في ذلك؟
(السؤال الثامن والعشرون ومائة): وما ذكره الذي يقول: {ولذكر الله أكبر}.
(السؤال التاسع والعشرون ومائة) وما ذكره الذي يقول: {فاذكروني أذكركم}.
(السؤال الثلاثون ومائة) وما معنى الاسم؟
(السؤال الحادي والثلاثون ومائة) وما رأس أسمائه، الذي استوجب منه جميع الأسماء؟
(السؤال الثاني والثلاثون ومائة) وما الاسم الذي أبهم على الخلق، إلا على خاصته؟
(السؤال الثالث والثلاثون ومائة) وبماذا نال صاحب سليمان ذلك، وطوى عن سليمان، عليه السلام، وهو رسول من الرسل؟
(السؤال الرابع والثلاثون ومائة) وما السبب في ذلك؟
(السؤال الخامس والثلاثون ومائة) وماذا اطلع من الاسم: على حروفه أم على معناه؟
(السؤال السادس والثلاثون ومائة): وأين باب هذا الاسم، الخفي على الخلق، من أبوابه؟
(السؤال السابع والثلاثون ومائة) وما كسوته؟
(السؤال الثامن والثلاثون ومائة) وما حروفه؟
Page 20
(السؤال التاسع والثلاثون ومائة) والحروف المقطعة مفتاح كل اسم من أسمائه، فأين هذه الأسماء، وإنما هي ثمانية وعشرون حرفا، فأين هذه الحروف؟
(السؤال الأربعون ومائة) وكيف صار الألف مبتدأ الحروف؟
(السؤال الحادي والأربعون ومائة) وكيف كرر الألف واللام في آخره؟
(السؤال الثاني والأربعون ومائة) ومن أي حساب صار عددها ثمانية وعشرين حرفا؟
(السؤال الثالث والأربعون ومائة) وما قوله: ((خلق الله آدم على صورته))؟
(السؤال الرابع والأربعون ومائة) وقوله: ((ليتمنين اثنا عشر نبيا أن يكونوا من أمتي))؟
(السؤال الخامس والأربعون ومائة) وما تأويل قول موسى: ((رب، اجعلني من أمة محمد))؟
(السؤال السادس والأربعون ومائة) وما تأويل قوله: ((إن لله عبادا، ليسوا بأنبياء، يغبطهم النبيون بمقامهم وقربهم إلى الله تعالى))؟
(السؤال السابع والأربعون ومائة): وما تأويل قوله: ((بسم الله)).
(السؤال الثامن والأربعون ومائة) وما تأويل قوله: ((السلام عليك، أيها النبي))؟
(السؤال التاسع والأربعون ومائة) وقوله: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))؟
Page 21
(السؤال الخمسون ومائة): وما تأويل قوله: ((أهل بيتي أمان لأمتي))؟
(السؤال الحادي والخمسون ومائة): وقوله: ((آل محمد))؟
(السؤال الثاني والخمسون ومائة): والقائم بالحجة؟
(السؤال الثالث والخمسون ومائة) ومن أين يكلم الخلق حتى يقيم حجة الله عليهم -فإن الله تعالى قد أقام الحجة عليهم بالعبودية، وجعل للقائم بها طريقا إلى محل خزائن الكلام-؟
(السؤال الرابع والخمسون ومائة): وأين خزائن الحجة، من خزائن الكلام، من خزائن علم التدبير؟
(السؤال الخامس والخمسون ومائة) وأين خزائن علم الله، من خزائن علم البدء؟
(السؤال السادس والخمسون ومائة) وما تأويل أم الكتاب؟ - فإنه ادخرها، من جميع الرسل، له ولهذه الأمة؟
(السؤال السابع والخمسون ومائة) وما معنى المغفرة، التي لنبينا
وقد بشر النبيين بالمغفرة؟
(الفصل الخامس) (علم الأولياء وعلم الأنبياء)
فهذا وأشباه هذا، هو علم الأنبياء وعلم الأولياء. بهذا العلم يطالعون تدبيره، وبهذا العلم يقومون بالعبودية له. لأنه من كشف له الغطاء عن هذا النوع من العلم، فإنما فتح له في الغيب الأعلى، حتى لاحظ ملك الملك، بعد أن قوم ثم هذب ثم أدب ثم نقى ثم طهر ثم طيب ثم وسع ثم عوذ. فتمت ولاية الله له، وصلح في المجلس الأعلى من مجالس الأولياء، بين يديه. يناجيه كفاحا، ويلج مجالسه سماحا، ما له من حاجز، فيرجع من عنده مع الفناء الأكبر، فيقوم به بالعبودية محارصة.
Page 22
فيقال لهذا البائس: إن كنت خلوا من هذا الذي ذكرناه، وفي عمى عنه، فما دخولك في هذا الباب حتى تكدر الماء الصافي؟ فأي جرم أعظم من جرم رجل يلتقط كلام الأولياء. حرفا حرفا. ثم يخلطه فيصوغه حكايات، ثم يرمي بها إلى قوم يتزين بذلك عندهم، فيعمى عليهم طريقهم ويفسد عليهم سيرهم؟
(فهذا البائس)، لا هو عالم بالطريق، ولا بالمكامن في الطريق، ولا بمنتهى القوم ومنازلهم؛ ومن شغله بنفسه، وانخداعه لها، وإصغائه إليها، وستره ذلك عن خلقه. فهو أبدا في الاعتذار والتزين والقصد؛ لما يعلم أنه يكسب بذلك جاها عند الخلق. وأعظم المصائب عنده، الوقت الذي يعمل فيه عملا ينكس به جاهه عند الناس.
فهذا عبد نفسه. فمتى يتفرغ لعبودية ربه؟ ومتى يصلح هذا لله؟ ومتى يصفو طريقه إلى الله تعالى؟
قال له قائل: صف لنا شأن الذين وصلوا، فوقفوا في مراتبهم على شريطة لزوم حفظ المرتبة، وما سبب اللزوم؟ وصف لنا شأن الذين وصلوا فرفعت عنهم الشريطة، وفوضت إليهم الأمور. ومن ولي حق الله؟ ومن ولي الله؟
قال: إن الواصل إلى مكان القربة، رتب له محل، فحل بقلبه هناك، مع نفس فيها تلك الهنات باقية، فإنه إنما ألزم المرتبة، لأنه إذا توجه إلى عمل من أعمال البر، ينال في موضع القربة، ليعتق من رق النفس، ما زجه الهوى ومحبة محمدة الناس، وخوف سقوط المنزلة. فعمله لا يخلو من التزين والرياء، وإن دق. أفيطمع عاقل أن يترك قلبه مع دنس الرياء. والتزين فيحل محل القربة؟
(بل) يقال له: يشترط عليك، مع العتق من رق النفس، الثبات ههنا؛ فلا تصدر إلى عمل بلا إذن. فإن أذنا لك، أصدرناك مع الحراس، ووكلنا الحق شاهدا عليك ومؤيدا لك؛ والحرس يذبون عنك.
قال له قائل: وما تلك الحرس؟
قال: أنوار العصمة موكلة به؛ تحرق هنات النفس ونواجم ما انكمن منها. وكل ما ينجم من مكامن النفس، من تلك الهنات، أحرقته تلك الأنوار، حتى يرجع إلى مرتبته ولم تجد النفس سبيلا إلى أن تأخذ بحظها من ذلك العمل. فيرجع إلى مرتبته طاهرا كما صدر؛ لم يتدنس بأدناس النفس: من التزين والتصنع، والركون إلى موقع الأمور عند الخلق.
Page 23
فهذا المغرور المخدوع، لما وجد قوة المحل، ونور القربة، وطهارته، ظن أنه استولى. ونظر إلى نفسه فلم يجد فيها شيئا في الظاهر يتحرك. ولا يعلم أن المكامن مشحونة بالعجائب! روي عن وهب بن منبه، رحمه الله، أنه قال: ((إن للنفس كمونا ككمون النار في الحجر؛ إن دققته لم تجد فيه شيئا وإن قدحته أورى نارا)).
فكان هذا نظرا من الله عز وجل! أن رحمه فنقله، في لحظة، من محل الصادقين إلى محل الصديقين: من بيت العزة، من سماء الدنيا إلى عساكر حول العرش. فذهب (هذا المسكين) لشقاء جده، فقال: أذهب فأطوف في البلاد، وأدعو الناس إلى الله تعالى. وأذهب فأعمل أعمال البر، فإنما خلقت للعبودية.
(ولكن، أيها البائس) هل أجابتك نفسك حين دعوتها، حتى يجيبك الناس؟ وهل صفا قلبك لله عز وجل! حتى تصفو عبوديتك؟ وهل خرجت من رق النفس، حتى تدخل في رق الله، عز وجل! هيهات! هيهات ما أبعدك من الصدق، فكيف من طريق الصديقين؟
قال قائل: ومن أين تلك الأنوار، التي توكل بالحراسة لهذا الذي ثبت في مركزه ولم يصدر عنه إلا بإذن؟
قال: من مجالس الحديث.
قيل: وما مجالس الحديث؟
قال: مجالس المحدثين، أهل الله ونصحاؤه. يحبون أن يصل هؤلاء إلى ما وصلوا. فيقطع لهم قطعة من النور، فيحرسهم ذلك النور، ما داموا في تلك الأمور. فكل ما نجم من هنات النفس، في الصدر، شيء، وقت مباشرتهم تلك الأمور - ثار ذلك الشعاع في صدره فخفي على القلب والنفس ذلك الناجم وبطل، فمر في أمره مستقيما، غير ملتفت إلى أحد. ثم رجع إلى محله ومركزه نقيا.
Page 24