يا رسول الله:
إننا نكتب فى العظماء لنصور نواحى عظمتهم، ولكل عظيم ناحية واحدة من نواحى العظمة، فالاتجاه إلى تلك الناحية هو مفتاح عظمته، فتسهل معرفته، ولكنك يا رسول الله فوق عظمة الأشخاص، لأن وجوه عظمتك تعددت، حتى يعجز المحصى عن الإحصاء، والمستقرئ عن الاستقراء، وإذا نفدت الطاقة أقر مطمئنا بعجزه، ومؤمنا بأن وجودك فى هذا الوجود معجزة البشر، فإذا كنت من البشر، ولست فى كونك إلا بشرا، فلست إلها، ولست ملكا من الملائكة، فإنك فى مقام أعلى من سائر البشر ومن الملائكة، صانك ربك، وحفظك ورباك على عينه، حتى كنت وحيدا بين الغلمان، بما كلأك الله به وحماك، وصبيا فريدا بين الصبيان، وكنت الشاب الأمين عن رجس الجاهلية بين الشباب، فكل شىء فى حياتك الأولى كان من الخوارق التى علت عن الأسباب والمسببات، فلم تكن أثر تربية موجهة، ولا أثر بيئة حاملة، ولا أثر شرف رفيع، وإن كان محققا، ولكنك كنت صنيع الله، فكنت معجزة بشخصك وكونك ووجودك، فيك البشرية، وفيك المعجزة الإلهية اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «١» .
يا رسول الله يا خير البشر:
كنت ذا الخلق القويم، والسياسى الحكيم، والقائد العظيم، والحاكم الرفيق، والمربى لأمتك بالشورى، والوحى ينزل إليك، وكنت الرؤف بأمتك، والمحارب الرحيم، وحامل لواء السلام فى مرحمة النبى، وعزة القوى، أنشأت جماعة مؤمنة ابتدأت بها بذرا صالحا، وأخذ ينمو فى بيئتك الطاهرة، مختفيا فى خلايا الإيمان، حتى أخرج شطأه، فظهر متعرضا لمقاومة الحدثان، قويا فى تكوينه حتى استغلظ واستوى على سوقه، وصار قوة الحق فى الأرض، وكنت كما قال الله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانًا، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ «٢» وكل ذلك بتوجيه ربك، وإلهام نفسك، وعلو فكرك، وقوة قلبك، فمن أى ناحية يدرس حياتك الدارس، وقد كان كل شىء فيك قويا عظيما، كما قال فيك ربك، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «٣» .
اللهم ربى، ولا خالق سواك، ولا إله غيرك.. وليس كمثلك شىء، وأنت السميع البصير، خلقت محمدا من البشر، وجعلته سيد البشر، وأرسلته رحمة للعالمين، وإذا كان وجوده وما أحاط به خارقا للأسباب والمسببات فقد أرسلته بمعجزة لا تزال تتحدى الخليقة إلى يوم الدين.
_________
(١) سورة الأنعام: ١٢٤.
(٢) سورة الفتح: ٢٩.
(٣) سورة القلم: ٤.
1 / 6