Khatim Nabiyyin
خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم
Maison d'édition
دار الفكر العربي
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
ولعل أظهر مظهر للزهد رفضه أن يكون ملكا كداود وسليمان وبعض الأنبياء، فقد روى ابن عباس أن الله تعالى أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل، فقال الملك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا» فقال رسول الله ﵊: «بل أكون عبدا نبيا» (رواه البخارى) .
وكانت أوامر القران تدعو إلى الزهد فى الحرام ومنعه عن أمته كلها، ولكن الخطاب كان موجها ابتداء إليه ﵊، ولقد جاء فى كتاب البداية والنهاية لابن كثير:
«قال الله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى «١»، وقال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا «٢» وقال تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا. ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ «٣» وقال تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ «٤» والايات كثيرة.» . «٥» .
وإن هذه النصوص كلها الخطاب فيها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنه موجه إلى كل المؤمنين، ولا يختص به واحده، وهو يدل على أمرين: أولهما: الامتناع عن الحرام، وهذا زهد العوام ولذلك طولب به الناس جميعا. وثانيهما: أن الامتناع عن الحرام لا يكون بمجرد الامتناع المادى الواقعي، بل إنه لابد من البعد النفسى وتجنب أسبابه، ولذلك كان النهى متجها إلى الأسباب النفسية، فقال تعالت كلماته: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وكأن الدعوة إلى ملازمة الذين ينصرفون عن الشهوات إلى الله ﷾ والاتجاه إليه، وألا يخالط الذين يجترحون الشهوات، فقال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ فعشرة الذين يتجهون إلى الله تعالى فى غدوهم ورواحهم، وفى غدوتهم وعشيتهم تربى فى النفس معنى الاستبعاد عن الحرام والاتجاه إليه ﷾.
وإننا نجد زهد محمد ﵊ يشتد كلما تمكن من المال، وكلما اتسع سلطانه، وكلما كثرت تكليفاته وكلما أقدم على الشدائد، لأنه يرى أن تحمل مصائب الحرب وشدائدها إنما يكون ابتداء بتربية للنفس وحملها على ترك اللذائذ، أو القدرة على تركها، وما كان يدعو أمته بذلك
(١) سورة طه: ١٣١. (٢) سورة الكهف: ٢٨. (٣) سورة النجم: ٢٩، ٣٠. (٤) سورة الحجر: ٨٧، ٨٨. (٥) البداية والنهاية ج ٦ ص ٤٨.
1 / 211