52

Périls de l'âme

خطرات نفس

Genres

ليون (فرنسا) في 18 من أغسطس سنة 1930 ... وفي الليل تتألق نجوم في السماء، وعلى الغصون زهور تبتسم، وعلى الصدور لآلئ تداعب النور، وفي القصبة وحي ودرر بين أصابع الأديب ... •••

ويسألون ما الأدب؟ ويسألون من الأديب؟ ...

الأدب عالم معنوي تتغذى منه العواطف الرقيقة، والأفهام الدقيقة؛ بل هو معراج ترقي به النفس إلى السماء لتشعر بالجمال، وتعقل الكمال.

والأديب إنسان يعلم كيف يتحدث إلى النجوم المتألقة، وكيف يخاطب الغصون المياسة والزهور، وكيف يجعل من صرير القلم نغما شجيا.

يكدح ويكد، وقد يسهر الليل وراء لفظ من الألفاظ؛ بل قل وراء درة ليسكن فيها المعنى الظريف ...؛ بل وراء أحرف إذا هي امتزجت، فكأنما هي أوتار تسمعك صوت المعاني عاليا رنانا؛ بل وراء قبس من نور يضيء حول الخفي المستور في زوايا النفوس، فتراه واضحا جليا ...؛ بل عن صور من الفزع والجزع والغبطة والهناء، ليرمز بها لمعاني الفزع والجزع والغبطة والهناء ... •••

وبينما يكون في مجالس الناس إذ يقص القصاصون، ويتحدث المتحدثون، ويتسامر المتسامرون، فتنظر في وجهه، فترى حدقتيه كأنهما اتجهتا إلى عالم آخر. وكثيرا ما تطير نفسه إلى حيث تناجي الملائكة، إلى حيث تتخاصر المعاني والكلم.

وبينما قوم يلهون في مآكلهم ومشاربهم، ومتاجرهم، وترهاتهم، ودسائسهم، يلهو الأديب بما يهبط عليه من عالم البيان، وما يستوحيه من عالم السحر الحلال.

وبينما قوم يعيشون بجسومهم ونفوسهم على الأرض وحول المادة، يعيش الأديب بنفسه في السماء وحول ما في السماء ...

وطالما تحول ذهنه المكدود وإكسير دمه وخلاصة عصبه إلى تلك السطور التي تقرءونها، وتقولون: إنه يكسب منها ثناء أو مالا. ولكن كل ما يكسبه الأديب من مادة يتحول عنده معنى وأدبا، تتنفسون من نسماته، وتتنسمون من شذاه.

يعيش الأديب من العمر ما شاء الله أن يعيش، ولكنه يعيش في الفن وللفن. وتصادفه في حياته آلام وأوصاب، ومع ذلك تمر عليه ساعة هناء لا يعدلها عنده أي متاع وهناء. ساعة يتزوج المعنى من لفظ، ساعة يحضر هذا الزفاف المحمود. •••

Page inconnue