الشَّرَاب، وَلَذَّة النِّكَاح، وَلَذَّة السماع، وَاللَّذَّات الثَّلَاث لَا يتَوَصَّل إِلَى كل مِنْهَا إِلَّا بحركة وتعب ومشقة، وَلها مضار إِذا استكثر مِنْهَا، وَلَذَّة السماع قلت أم كثرت صَافِيَة من التَّعَب، خَالِصَة من الضَّرَر. وَقد نظم الشَّاعِر هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ: وجدت رئيسة اللذا ... ت أَرْبَعَة إِذا تحسب فَمِنْهَا لَذَّة المنك ... ح والمطعم وَالْمشْرَب وَيبقى بعْدهَا أُخْرَى ... من الصَّوْت الَّذِي يطرب وَهَذِه قد تفِيد النف ... س إبهاجا وَلَا تنصب مؤلف الْكتاب: من خَصَائِص السماع أَنه إِحْدَى يحجزه شَيْء، وَأَن الْجمع بَينه وَبَين كل لَذَّة عمل مُمكن، فَإِن الْغنم وَالْإِبِل وَالْحمير والوحش وَالطير وَالصبيان الرضع تستطيبه، وتصغي إِلَى الْفَائِق مِنْهُ. وَقَالَ بعض الْفُقَرَاء الْمُتَكَلِّمين: وَقد اخْتلف النَّاس فِي السماع، فأباحه قوم وحظره آخَرُونَ، وَأَنا أُخَالِف الْفَرِيقَيْنِ، فَأَقُول بِوُجُوبِهِ لِكَثْرَة مَنَافِعه وحاجة النُّفُوس إِلَيْهِ وَحسن أثر استمتاعها بِهِ. وَوصف أَحْمد بن يُوسُف غناء إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي، فَقَالَ: الْقُلُوب مِنْهُ على خطر فَكيف الْجُيُوب. وَوصف الْحسن بن وهب مغنيا، فَقَالَ: كَأَنَّهُ خلق من كل قلب، فَهُوَ يُغني كلا بِمَا يشتهيه. وَوصف بَعضهم آخر فَقَالَ: لغنائه فِي الْقلب موقع الْقطر فِي الجذب. وَوصف آخر آخر فَقَالَ: إِذا غنى ودت أَعْضَاء السامعين أَن تكون آذَانا. وَقَالَ آخر: غناؤه كالغنى بعد الْفقر وَهُوَ عذر السكر. وَفِي كتَابنَا الْمُبْهِج: خير المطربين من نغم نغمته تطرب وضروب ضَربته لَا تضطرب وَفِيه أَيْضا: خير القيان من كَانَ الْحسن فِي خلقهَا وَالطّيب فِي حلقها والمنح فِي خلقهَا. وَقَالَ ابْن عَيَّاش: خير الْغناء مَا أشبه الزمر وَخير الزمر مَا أشبه الْغناء. وَفِي هَذَا الْمَعْنى يَقُول عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر:
1 / 63