Carte de la Connaissance
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
بعد أن أنهى أسفاره في الشرق، لا بد أنه لم يكن ثمة مشكلة لدى أديلار في أن يركب سفينة تجارية، في صور، أو في ميناء أنطاكية نفسها، كانت متجهة غربا إلى إيطاليا أو صقلية، ومن هناك كان بإمكانه أن يشق طريقه ببطء عائدا إلى إنجلترا.
جرت زيارة أديلار إلى صقلية في وقت كانت فيه الثقافة اللاتينية قد بدأت في بسط هيمنتها؛ فسكان الجزيرة المسلمون كانوا قد اعتنقوا المسيحية أو هاجروا إلى الأندلس أو شمال أفريقيا. كان ويليام الأول (المعروف بويليام السيئ) وويليام الثاني (المعروف بويليام الطيب)، وريثا عرش روجر الثاني، أقل اهتماما بالثقافة العربية وأيضا كانا أقل مهارة في الإمساك بزمام الأمور، وهو الأمر الذي كان له أهمية بالغة؛ إذ شجع الاضطراب الناجم أثرياء المسلمين، ومنهم مثلا الإدريسي، المؤتمن على أسرار روجر الثاني، على مغادرة صقلية بحثا عن مكان أكثر ملاءمة لحياة سلمية ومنتجة. ولكن رغم انخفاض الكثافة السكانية المسلمة، ظلت الجزيرة نقطة توقف مهمة لشتى أنواع المسافرين عبر البحر المتوسط. وفي عام 1184، وصل حاج أندلسي يدعى ابن جبير إلى هناك في طريق عودته لدياره من مكة. وبقي في صقلية خلال شهر ديسمبر وترك لنا وصفا مفصلا لما عاين. أعجب الرجل بالمناظر الطبيعية؛ مما جعله يثني على الجزيرة أعظم ثناء بأن وصفها بأنها: «ابنة الأندلس في سعة العمارة وكثرة الخصب والرفاهة.» وقال عن الملك ويليام الثاني: «وله الأطباء والمنجمون، وهو كثير الاعتناء بهم، شديد الحرص عليهم، حتى إنه متى ذكر له طبيب أو منجم اجتاز ببلده أمر بإمساكه وأدر له أرزاق معيشته حتى يسليه عن وطنه.»
20
بل إن ابن جبير زعم أن ويليام كان يستطيع القراءة والكتابة بالعربية، مما يبين أنه، رغم هيمنة اللاتينية في ذلك الوقت، كانت صقلية لا تزال ثقافتها متعددة اللغات.
قبيل نهاية القرن الثاني عشر، مات ويليام الثاني، تاركا عرشه بلا وريث. فانتقل التاج الصقلي إلى عمته، كونستانس، التي تزوجت من الإمبراطور الروماني المقدس من آل هوهنشتاوفن، هنري السادس. لم يرق للصقليين احتمال أن تحكمهم سلالة ألمانية، ولم يسعدهم كونهم قد أدرجوا ضمن الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وأعقب ذلك أربع سنوات من القتال قبل أن يتمكن هنري السادس من فرض سيطرته وتتويج نفسه في كاتدرائية باليرمو، يوم عيد ميلاد المسيح سنة 1194؛ في إشارة إلى ذكرى والد زوجته، روجر الثاني. لم تكن كونستانس إلى جواره؛ إذ كانت على البر الرئيسي، بالقرب من مدينة أنكونا، تلد ابنهما الوحيد، فريدريك. بعد ذلك بثلاثة أعوام فحسب، توفي هنري. فاتخذت كونستانس قرارا حكيما بتتويج ولدها الصغير ملكا للمساعدة على ضمان خلافته، ولكنها ماتت في السنة التالية، تاركة إياه يتيما. وبحسب الروايات الخرافية التي توارثتها الأجيال، كبر فريدريك في شوارع باليرمو، وتعلم ست لغات واعتنى به مواطنوه. وعندما بلغ أشده، سنة 1208، بدأ على الفور في استعادة السيطرة من النبلاء الذين أمسكوا بزمام السلطة أثناء فترة حداثته. كان الإمبراطور الشاب شخصية أسطورية من سن مبكرة، وكان شديد الذكاء والموهبة والإبهار، حتى إنه عرف ببساطة باسم «أعجوبة العالم».
7
ربما يكون اسم آل دي هوتفيل قد اندثر، ولكن روح الفضول الفكري التي تحلى بها روجر الثاني استمرت وازدهرت لدى حفيده فريدريك، الذي أولى البحث العلمي الرعاية وشجع الترجمة. كان جده من آل هوهنشتاوفن، فريدريك بارباروسا، هو أيضا من الداعمين المتحمسين للتعليم، مانحا امتيازات، في عام 1158 «لكل الباحثين الذين يسافرون للخارج من أجل طلب العلم ... فمن خلال تعلمهم سيزداد العالم استنارة وستثرى حياة المواطنين».
21
استمر فريدريك الثاني في تقديم هذه الرعايات وبسط نطاقها، محفزا عالم البحث العلمي ومتوسعا في الجامعات. واستمر هذا حتى إنه «بحلول نهاية العصور الوسطى أصبح آلاف من الطلاب على الطريق»؛ وهو أمر تسبب في توسع كبير في نشر الأفكار.
22
Page inconnue