Carte de la Connaissance
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
هناك، بقوله: «في أكثر الأماكن سرية في أعماق المكتبة.»
7
ويبقى أمر ما وجده من مخطوطات أخرى محض تخمينات، ولكن نظرا لاهتمام بني هود الشخصي بالعلم، فإنه يكاد يكون مؤكدا أن مكتبتهم كانت مصدر كتب رئيسي لباحثي ومترجمي القرن الثاني عشر. في عام 1141، أجبرت العائلة على مبادلة أرضها بمنزل في حي الكاتدرائية في طليطلة. وعلى ما يبدو أنهم جلبوا كتبهم معهم عندما انتقلوا إلى هناك وجعلوها، إن كانوا قد جلبوها معهم بالفعل، في متناول المترجمين الذين اتخذوا فيما بعد الجزء نفسه من المدينة مقرا لهم. وبالفعل، ترجم جيرارد الكريموني نصوصا عديدة في الهندسة كان المؤتمن قد استند إليها في كتاب «الاستكمال».
تتسم مكتبة بني هود بالأهمية لأنه يمكننا، بفضل يوسف المؤتمن بن هود، أن نتيقن من بعض الكتب التي احتوت عليها، ولكن كان يوجد بالفعل كثير من المكتبات الأخرى في طليطلة ولا نعرف عنها سوى النذر اليسير. كانت المدينة مركزا مهما للتعلم أثناء القرنين العاشر والحادي عشر، وعندما استولى عليها المسيحيون في عام 1085، كان انتقال السلطة سلميا. نتيجة لذلك، فإنه على الرغم من هجرة غالبية صفوة المسلمين جنوبا، فقد حفظت ثقافتهم، وشملت مكتباتهم بالحماية وكان بمقدور المجتمعات المختلفة من الباحثين اليهود والعرب والمستعربين والمسيحيين أن تعمل معا. وكان لهذا أهمية خاصة فيما يتعلق ببرنامج الترجمة من العربية إلى اللاتينية (غالبا عبر اللغتين العبرية أو الرومانسية) الذي تلا ذلك. في أوائل العصور الوسطى، كانت إسبانيا مجتمعا ثنائي اللغة. تحت حكم المسلمين، كانت اللغة العربية هي لغة التعليم والحكومة، ولكن كان الناس يتكلمون اللغة الرومانسية في الشوارع والحقول، ممتزجة بلهجات بربرية متعددة. كانت اللاتينية لغة كنيسة المستعربين، وبالطبع كانت العبرية موجودة دوما في المجتمعات اليهودية الكبيرة. عندما استعاد المسيحيون طليطلة، اكتسبت اللاتينية، لغة الكنيسة الكاثوليكية، دورا متزايد الأهمية، لكن المستعربين استمروا في استخدام العربية حتى أواخر القرن الرابع عشر.
شكل 5-2: نقش من القرن الخامس عشر لمدينة طليطلة.
أصاب الذهول الباحثين الأوروبيين، الذين أتوا إلى طليطلة بعد استعادتها بوقت قصير، إزاء الكم الهائل من المعرفة الذي وجدوه هناك؛ ففي فترة العصور الوسطى، تضاءلت ثقافة كتب أوروبا الغربية بدرجة كبيرة للغاية أمام ثقافة الكتب العربية؛ فكان الباحث برنارد من شارتر، الذي عاش في القرن الثاني عشر، فخورا بالكتب الأربعة والعشرين التي اقتناها، غير أنه في عام 1258، كانت مدينة بغداد تتباهى بمكتباتها العامة التي بلغ عددها ستا وثلاثين وتجاوز عدد تجار الكتب فيها مائة تاجر. وفي حين احتوت أكبر مكتبة في أوروبا المسيحية في العصور الوسطى، والتي كانت موجودة في دير كلوني، على بضع مئات من الكتب، اشتملت مكتبة قرطبة الملكية على 400 ألف كتاب. وحتى مع التغاضي عن المبالغة وحقيقة أن العرب كانوا لا يزالون يستخدمون اللفائف بصفة أساسية، والتي لم يكن من الممكن أن تحتوي على القدر الكبير نفسه من النص (إذ يلزم العديد من اللفائف لمضاهاة النص الذي تحويه نسخة واحدة من مجلد المخطوطات)، وأن الورق لم يكن ينتج في أوروبا الغربية حتى القرن الرابع عشر؛ لذا كان يلزم استيراده، الأمر الذي جعل الكتب أكثر تكلفة، فإن المقارنة لا تزال صادمة. لم تكن الثقافة النصية العربية أضخم بكثير فحسب، وإنما كانت أيضا أكثر ثراء على نحو لا يضاهى. وأدى حجم إنجاز العرب في الأدب والتاريخ والجغرافيا والفلسفة، وبالطبع في العلوم، إلى جعل الباحثين اللاتينيين يصابون بالذهول إذ هالهم ذلك للغاية. فكان ثمة الكثير مما عليهم اللحاق به.
دخل المؤرخون في جدال طويل محموم بشأن الكيفية التي سارت بها حركة الترجمة في طليطلة. هل كانت توجد مدرسة لمترجمين يعملون معا؟ وإن كان كذلك، فأين كان مقرهم؟ ومن كان يدفع المال مقابل التراجم؟ ومن اختار المواد التي كانت تترجم؟ وكيف كان يختارها؟ إن الكم الضخم المتوافر من المادة العلمية يعني أن الاختيار كان عملية صعبة ومع ذلك حتمية. وكالعادة، يعوقنا الافتقار إلى الأدلة عن طرح مزاعم قاطعة. حسبما يورد أتباعه، ترجم جيرارد الكريموني «كتبا في موضوعات كثيرة؛ كل ما كان يعتبره الاختيار الأفضل»،
8
وهذا يوحي بأنه كان مسئولا عن اختيار النصوص التي كان يعمل عليها، وهو أمر معقول تماما؛ نظرا لخبرته. تضم قائمة للكتب التي ترجمها أثناء حياته واحدا وسبعين كتابا؛ واكتشفت كتب أخرى بعد ذلك. تنقسم تلك الكتب إلى مجموعات؛ الكتب الجدلية (كتب المنطق)، وهي ثلاثة كتب؛ وكتب الهندسة، وهي سبعة عشر كتابا؛ وكتب الفلك، وهي اثنا عشر كتابا؛ وكتب الفلسفة، وهي أحد عشر كتابا؛ وكتب الطب، وهي أربعة وعشرون كتابا؛ وكتب متنوعة، وهي أربعة كتب. تعطينا رءوس الموضوعات فكرة عن الكيفية التي ربما كان جيرارد ينظم بها برنامج الترجمة الخاص به؛ فهي تستند عموما إلى العلوم الإنسانية التي استند إليها المنهج التعليمي اليوناني القديم الذي تبناه الباحثون العرب أساسا لنظامهم التعليمي. جمعت مجموعات من النصوص لتستخدم بوصفها مواد تعليمية للطلاب، ويبدو أن جيرارد كان يبحث عامدا عن مجموعات من الكتب في الرياضيات والفلك والطب حتى يتمكن من إتاحتها للطلاب في الغرب. كانت إحدى تلك المجموعات تدعى «المجموعة الوسطى» أو «علم الفلك الصغير»؛ لأنها كانت مصممة لتدرس بين أطروحة «العناصر» وكتاب «المجسطي».
وبمجرد أن يتقن الطلاب الأساسيات، كان يصبح بإمكانهم المتابعة ودراسة الموضوعات الخاصة بهم بتعمق أكبر. لهذا، كانوا بحاجة إلى النسخ الكاملة من أطروحة «العناصر» وكتاب «المجسطي»، وأعمال أخرى ذات صلة. بحلول عام 500 ميلادية، كانت النصوص العلمية في العالم اللاتيني قد اختزلت في مقتطفات موجزة في كتيبات وموسوعات، «مكثفة في رزم صغيرة ... خلال الرحلة الطويلة عبر العصور المظلمة»، على حد وصف مؤرخ القرن العشرين العظيم تشارلز هومر هاسكينز.
Page inconnue