Carte de la Connaissance
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
6
رسم العالم الفارسي اليهودي ما شاء الله، وعربي يدعى الفزاري وزرادشتي يدعى نوبخت - الشخصيات اللامعة التي يتبعها فريق المنصور من منجمي البلاط، الذين بشر مزيجهم المبهج من الأجناس والعقائد بالطابع المتعدد الثقافات للبحث العلمي البغدادي فيما بعد - مخططات الأبراج لتحديد أنسب وقت للبدء في بناء المدينة الجديدة؛ 30 يوليو 762، في الساعة الثانية بعد الظهر. ووضع المنصور أول حجر بنفسه.
شكل 3-2: عمليات ترميم حديثة لبوابات بغداد تظهر التركيب الثنائي الحوائط والأبراج ذات الطابقين.
بعث المنصور مراسيم إلى جميع أركان إمبراطوريته، يطلب مهارات آلاف من العمال والمساحين والمهندسين والمعماريين والحدادين والنجارين والبنائين والعبيد كي يأتوا من أجل إقامة مدينة أحلامه. وباستخدام الرماد في رسم تصميمه المدهش على الأرض، ابتكر مدينة دائرية فريدة. وإذ كان يدير أولا بأول شئون كل تفصيلة من تفاصيل إنشاء المدينة، كان يبعث الرعب في نفوس عماله بتدقيقه في إنفاقهم تدقيقا شديدا، ملقيا بهم في السجن إذا عجزوا عن تقديم كشف حساب بكل نفقة كبيرة وصغيرة. كان يدفع للعمال حبتان أو ثلاث حبات من الفضة في اليوم، و1 / 24 من الدرهم للمعماريين المهرة. كانت كل طوبة توزن، وكل قرش يحسب؛ فربما كان يبني أعظم مدينة على الأرض، لكنه لم يكن يعتزم إهدار حفنة واحدة من الطمي. يخبرنا الطبري أنه بعد سنوات، عثر على طوبة من الجدران الأصلية محفورا على جانبها وزنها بالضبط. شكل جداران دائريان هائلان متحدا المركز من الطين المحمى محيط المدينة البالغ أربعة أميال، مع خندق مائي حول الجدار الخارجي. وشكل جدار ثالث في الداخل المكاتب الحكومية والمنازل. وقادت أربع بوابات شاسعة ثنائية القباب إلى أركان الإمبراطورية؛ البوابة الشمالية الشرقية إلى مدينتي خراسان والري، والشمالية الغربية إلى سوريا، والجنوبية الشرقية إلى مكة، والجنوبية الشرقية إلى البصرة والخليج الفارسي. في أوقات العصر الصيفية الحارة، كان الخليفة نفسه يحب أن يجلس في الغرفة العلوية للبوابة الشمالية الشرقية ليستمتع بالنسيم ويشخص ببصره نحو إقليم خراسان البعيد، الذي ساعده أهله على الوصول بسلالته الحاكمة إلى السلطة.
شكل 3-3: خريطة مفصلة للمدينة المدورة تظهر المسجد الكبير والحوائط الدفاعية الثنائية.
في تباين صارخ مع كثيرين من ذريته، لم يكن المنصور مسرفا. «لم يكن يتجنب السخاء المفرط عندما كان يوجد شيء يحصل عليه في المقابل، ولكن كان من شأنه أن يرفض إسداء أصغر معروف إذا كان سينجم عنه تكبد خسارة ما.» أسفر تقتيره عن خزانة بها 14 مليون دينار و600 مليون درهم عند وفاته.
7
ولوضع ذلك في السياق، كان يوجد نحو عشرين درهما فضيا مقابل كل دينار ذهبي وقدر الطبري أن تكلفة الخروف كانت نحو درهم واحد. مكتسبا لقب «أبو الدوانيق» (الدانق هو سدس الدرهم)، حمل المنصور طباع العباسيين من حيوية ورؤية مستقبلية وشدة، لكنه افتقر إلى الإسراف والعيش للمتعة اللذين سيشتهر بهما سليلاه هارون الرشيد والمأمون. كان المنصور، الذي كان ورعا مقترا عازفا عن الخمر لا يحب الموسيقى ويكره الحفلات، سيصاب بالذهول من أسلوب الحياة المترف لذريته، سواء الحكايات الخليعة لكتاب «ألف ليلة وليلة» أو الزعم بأن الخليفة المتوكل ضاجع 4000 محظية (رغم أنه من المفترض أنه لم يضاجعهن جميعا في الوقت نفسه). عوضا عن ذلك، وبتوجيه من صديقه ابن برمك، احتضن المنصور البحث العلمي. وفي عام 766، بنى مسجد المنصور الكبير بجوار قصر البوابة الذهبية في المدينة المدورة، وسريعا أصبح المسجد قبلة للباحثين في مجال العلم.
مثلما هو حالها اليوم، كانت المساجد ومدارسها مراكز للعبادة، ولكنها قادت كذلك المسيرة في التعليم والبحث العلمي، فأصبحت أماكن تتوجه إليها المجتمعات المحلية للتعلم وتشارك الأفكار ومناقشتها؛ إذ كانت أماكن تحفظ فيها الكتب وتنشأ فيها المكتبات. إن حب المسلمين للتعلم والتعليم نبع مباشرة من تعاليم النبي نفسه: «ما من شيء أعظم عند الله من رجل تعلم علما فعلمه الناس.»
8
Page inconnue