Carte de la Connaissance
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
أكون مع طالعه طالعا
طورا ومع غائره غائرا
حتى أرى جملة تدبيره
وأعرف المستور والظاهرا
2
في عالم متقلب تقلبا مخيفا، قدمت النجوم خريطة للمستقبل، لمحة عن عالم السماء الغامض وكذلك المفتاح لاكتشاف أسرار الأرض بالأسفل. في وقتنا الحاضر، نميز بين علم الفلك، أي دراسة النجوم والكواكب، وبين التنجيم، أي تأويل تأثيرها على شئون البشر. أما في بغداد العصور الوسطى، فلم يعتمد مثل هذا التمييز بين الفرعين المعرفيين؛ فقد كان الناس يعتقدون أن التنجيم يمكن أن يتنبأ بالطقس والكوارث الطبيعية والأوبئة، بل أيضا بصحتهم الشخصية وطالعهم وسمات شخصيتهم (عن طريق خرائط الأبراج)؛ فاستخدموه لاتخاذ قرارات بشأن كل مجال من مجالات حياتهم. كان التنجيم جسرا بين عالم البشر والإله، بين المعلوم والمجهول.
ونحن نمعن النظر في الماضي عبر القرون وصولا إلى بغداد في أوائل العصور الوسطى، من الصعب أن نكون صورة واضحة للغاية لما جرى هناك بالضبط، ولكن الإنتاج الغزير لمؤرخي بغداد المعاصرين يساعد على ذلك، وأكثر ما يفعل ذلك هو مؤلفات الطبري، ذلك الباحث الفارسي العظيم، الذي يصف كتابه «تاريخ الرسل والملوك» أفعال الخلفاء بتفصيل غالبا ما يكون مملا. هذا الكتاب، الذي يمتد امتدادا مضنيا إلى ثمانية وثلاثين مجلدا، هو واحد من أكثر مصادر المعلومات توازنا عن تلك الحقبة وصولا إلى عام 915، وإن لم يكن أكثرها إمتاعا في القراءة. ثمة كتاب أكثر إمتاعا بكثير وهو كتاب النديم، «الفهرست»، الذي يلخصه في مقدمته فيقول: «هو فهرست لكتب جميع الشعوب، من العرب والعجم، الموجودة بلغة العرب، وكذلك لكل مخطوطاتهم، التي تتناول علوما متنوعة، مع ترجمات لأولئك الذين ألفوها.»
3
هذا الكتاب، الذي كتب في نهاية القرن العاشر، هو مصدر رئيسي للمعلومات عن كل أنواع المعرفة، والكتاب والباحثين في العالم العربي آنذاك. نشأ النديم، الذي كان ابنا لبائع كتب بغدادي، محاطا بالكتب والباحثين، وفي كتاب «الفهرست»، يرسم صورة نابضة بالحياة للبحث العلمي في العصر الذهبي. إن كتابه الرائع هو نتاج حياة كاملة قضاها في تبادل أطراف الحديث وفي البحث في الأوساط الفكرية لمدينته.
بحلول الوقت الذي كان فيه الباحثون يطالعون كتاب «الفهرست» في محال بيع الكتب في بغداد، كانت تقريبا المجموعة الكاملة للكتابات الخاصة بالمعارف القديمة، اليونانية والمصرية والهندية، والفارسية بالفعل قد استعيدت، وترجمت إلى العربية ونقحت نقديا. وفي حين كان أوروبيون كثيرون يعيشون في ضنك ويحاولون صد هجمات الفايكينج،
Page inconnue