Carte de la Connaissance
خريطة المعرفة: كيف فقد العالم أفكار العصر الكلاسيكي وكيف استعادها: تاريخ سبع مدن
Genres
بدأ جالينوس يكتب وهو في سن المراهقة، وهذا يفسر، جزئيا على الأقل، إنتاجه الهائل، «المنتشر انتشارا مجهدا»، على حد وصف أحد المؤرخين، الذي يبلغ نحو ثلاثة ملايين كلمة تعرف معا باسم «مجموعة الكتابات الجالينوسية».
12
ومما يبعث على الدهشة أن مجموعة الأعمال هذه تشكل ما يصل إلى نحو نصف الأدبيات الباقية لليونان القديمة، ولكنه ليس سوى جزء من عشرة ملايين كلمة كتبها، وفق التقديرات. كشأن إقليدس وبطليموس، كانت قدرة جالينوس على إجراء الدراسات الاستقصائية وتقييم النظريات التي تلقاها عن أسلافه من الأطباء، وقدرته على تقديمها في شكل متسق ميسر، هو ما يجعله على هذا القدر من الأهمية.
13
ومع ذلك، وعلى خلاف إقليدس وبطليموس، لم يفعل جالينوس هذا في مجلد واحد ضخم ملائم (بما يخدم مقاصدنا على وجه الخصوص). إن إسهامه الهائل في تخصص الطب منتشر في مئات الكتب المنفصلة التي تغطي نطاقا ضخما من الموضوعات. ونحو خمسها عبارة عن تعليقات على أبقراط (460-370ق.م)، عملاق الطب القديم، الذي قدم الأساس الذي بني عليه عمل جالينوس نفسه. فقد كان «النموذج الرباعي» لأبقراط عن الأخلاط والخصائص الأساسية (الأرض والهواء والنار والماء) والمواسم والعمر، هو ما استلهم منه جالينوس نظامه الخاص. كانت فكرة الأمراض القائمة على فكرة الأخلاط القائلة إن الجسم البشري يحتوي على أربعة سوائل؛ العصارة السوداء والعصارة الصفراء والبلغم والدم، وأن عدم التوازن في هذه الأخلاط يسبب المرض، هي المبدأ الطبي السائد وصولا إلى القرن التاسع عشر. كذلك حقق جالينوس اكتشافات مهمة خاصة به. فكان أول من أثبت أن الشرايين تحمل الدم، وبهذا أحدث تحولا في المعارف المتعلقة بالجهاز الدوري. وبين الفرق بين أنواع الأعصاب واستخدم تقنيات جراحية رائدة. ومع ذلك، كان شغفه الأعظم هو التشريح، ومع أنه لم يكن قادرا على تشريح الجثث البشرية (إذ كانت هذه الممارسة غير قانونية في الإمبراطورية الرومانية منذ سنة 150ق.م)، فقد نقل المعرفة التي اكتسبها من تشريح الخنازير والقرود، وهو شيء عادة ما كان يفعله على الملأ، أمام جمهور متحمس. ولم يعارض أحد النظريات الناتجة إلى أن نشر أندرياس فيزاليوس بحثه الثوري عن التشريح سنة 1543.
في سن الثامنة والعشرين، عاد جالينوس إلى بيرجامون، مسقط رأسه، ليصبح طبيبا في مدرسة المجالدة هناك. بحلول ذلك الوقت، كان قد أمضى عشرة أعوام يدرس، وهو «أطول تعليم طبي مسجل»،
14
وبفضل ذلك، تشكلت نظرة عامة فريدة عن هذا الفرع من العلم. كان المجالدون هم صفوة الرياضيين في ذلك الوقت، وأثناء معالجته لجروحهم، حظي جالينوس بمعلومات متعمقة عن وظائف الأعصاب والعضلات، مما ساعده على بناء خبرة عملية من شأنها أن تعود عليه بفائدة كبيرة لاحقا في مساره المهني. فاستحدث طرقا جديدة لخياطة الأنسجة العضلية العميقة وابتدع علاجات مبتكرة لمعالجة الإصابات.
في عام 161 ميلادية، انتقل إلى روما، حيث ذاع سريعا صيته بوصفه معالجا موهوبا. واستمر يؤلف الكتب، ونقح الأعمال التي كان قد كتبها سابقا، وبدأ يعطي محاضرات عامة ويقدم عروضا تشريحية. تنعم جالينوس بوصفه عضوا موقرا من صفوة الرومان؛ فكان ثريا ومثقفا وذا علاقات قوية، ولكنه ظل نوعا ما دخيلا، يوناني في عالم روما. كان يكتب دائما بلغته
7
Page inconnue