قسم شعراء العراق
فكتب إليه رسالته الشينيّة نظمًا ونثرًا.
وورد شيراز، ومدح قاضي القضاة عماد الدين أبا محمد طاهر بن محمد الفَزاريّ - وكان مؤثل بني الرّجاء، ومقصِد الفضلاء، ومطلع السعود، ومنبع الجود - وصل إليه هذا الشاعر في عيد الأضحى، سنة تسع وخمس مئة، وخدمه بقصيدة زاييّة بعد مقامة مقدّمها وقطعةٍ نظمها. وعاد الى الحجاز. ثم قصده بشيراز سنة سبع عشرة، ومدحه.
فأما المقامة، فأولها: حدثني بعضُ الإخوان، قال: نشّتْ بي قراراتُ الكرم ببُغْدان، لتواتر نوَب الزمان، واختلاف أرباب السلطان، وأنا يومئذٍ ذو غُلٍّ قَمِلٍ، ووِردٍ وشِلٍ، وقلبٍ وجِل، وهمٍ متّصلٍ، وجذَلٍ منفصل، فشحَذْتُ غِرارَ العزمة في ركوب غارب الغربة، والأخذ في تنفيس الكربة، وتحقيق الوثبة؛ وجعلت أرود الفكر في المسرح، وأناجي السِّرَّ في ارتياد المَطْرَح والمَنزَح، وأستشير الصديق الصدوق، وأتجنّب في الاستشارة العَقوق. فحين صَلدَ الزّنْدُ، ونبا الحدُّ، وعثَر الجدُّ، لاح بأفق المَراد، ووَفْق المُراد، خِدْنٌ حلبَ الدّهر أشطُرَهُ، واعتصر أعصُرَه، وحادثَ أحداثه، وبذّ كهوله وأحداثه.
أخضرُ الجلدة من نسل العرَبْ ... يملأ الدلوَ الى عَقْد الكرَبْ
ذو فطنة غالبة، وعزمة ثابتة. فضربتُ بقِداحه، واستصبحتُ بمصباحه، وقلتُ: أنا إليك مرتكن، وأنت ببذل المجهود في النصح زَكِن. فقال: ما عرا؟ فقلت: كلُّ الصيد في جوف الفَرا. فقال: هاتِ، ودَعِ التُّرَّهات. فقلت: إن الإفلاس، حكَم عليّ الوَسواس، فما يقول في امتداح الناس؟ فقال: لا بأس، ولكن ارتَدْ بقعة، تتّخذها نُجْعة. قلت: فلسطين. قال: بها الإفرنج الملاعين. قلت: فالشام. قال: أجفل منه الكِرام. قلت: فديار ربيعة. قال: معاقل منيعة، ذهبت جوثتها، وتصدّعت بيضتها، وتمزّق عُقَيْلُها، وطال حزنها ووَيْلُها. قلت: فديار بكر. قال: بلد قفر، وجبل وعر، عمي إنسانها، مُذْ ذهب مروانها. قلت: فشيْزَر. قال: انتقض حبلها المُشْزَر، وجاس خِلالَها العسكر، ونَغِلَ إهابُها، وغاب صالحها ووثّابها. قلت: فطرابلس. قال: ذهب عَمّارُها، وأُخرج عُمّارُها، وبقي أغمارها. قلت: فمصر. قال: دون التّيه بالتِّيه، ومرْتٌ يجُدّ قُوَى لاحقٍ ووجيه. قلت: فأصفهان. قال: قصدها هَوان، والأديب بها مهان. قلت: فخُراسان. قال: هي نصفها الأول، إذ ليس بها لأول النصف الثاني نون تُحمل. فحرت بخلوّ الأقطار من مُنتَجَع ينتجَعُ، ومُرتبَع يُرتبَعُ، وجعلت أرسُفُ في قيد الوجوم، وأرسب في يمّ الهموم، قد أُرتج عليّ بابُ الحيلة، لمُقامي بالبقعة المُحيلة. فحين رأى صلودَ زَنْدي، ونُبُوَّ حدّي، ورقودَ فكري، وخمودَ جمري، قال:
إركب على البحر الى البحر ... ومِلْ مع المدّ الى الجَزْرِ
واقصد الى البصرة، ثم اعتمد ... لقصد خُوزستانَ في البَرِّ
1 / 1
وأهلُها لا تغشَ أبوابَهم ... فإنّهم خُوزٌ، وما تدري
وشِمْ بروقَ الجودِ من فارس ... ففارسٌ مُرتبَعُ الفخرِ
بيضتُها شيراز، فاعْمِدْ لها ... فإنّها طاردةُ الفقرِ
بها عماد الدين خيرُ الورى ... ربُّ الندى ذو المنن الغُرِّ
قاضي القضاة العلَمُ المرتجى ... مبشّرُ الآمال بالبشرِ
فانهضْ لها منتضيًا عزمةً ... وانظر الى شخصيَ في السَّفْرِ
وها أنا إن كنت في حيرة ... يسفر عن مطلعها بدري
فلما أبانت مشاورته عن مصاحبته، ونطقت أبياته بمحض صداقته، استنهضته فوجدته السُّلَيْكَ في عَدْوَته، وتأبّطَ في حيلته وجرأته، فنضينا الهمّ، وامتطينا ابنةَ اليَمّ، واتكأنا على الشِمال، فوق بساط الريح الشَمال، وتعاطينا كأس المنافثة، واقتدحنا نقص في الأصل والقصيدة طويلة بلا طائل، معانيها متكلّفة، ومبانيها مختلفة. على أنه ليس منها بيتٌ إلا وهو خالٍ غير حال، لم يخرج من التوسّط وإن لم يكن بعال ولا غال. وقد أوردت منها الأكثر، وأدنيت المعروف وأبعدت المنكر.
ومنها:
كأنّ عظامي غُدْوَةَ البيْنِ عادها ... لفَرْط الجوى والوَجْدِ، يا سلْمَ، منْحازُ
ولي من عَفافي والتقنّع زاجرٌ ... ووجهيَ للماءِ الذي في كَنّازُ
ومنها:
وركْبٍ على مثل القِسيّ صحبتُهُم ... عليهنّ أكوارٌ تُشَدُّ وأحجازُ
فرَوْا حُلّةَ الظلماءِ والشهبُ رُكَّدٌ ... الى أن بدا نجمٌ على الصبح غمّازُ
إذا لهَواتُ البيدِ مجّتْهُمُ ضحى ... تباشرنَ آكامٌ بهنّ وأنشازُ
أقولُ لهم: أعطوا المطامعَ حقّها ... فما أنا سألُ الدنيّة لزّازُ
ولولا أيادي طاهرِ بن محمد ... لما حلُمَتْ بي قطُّ في النوم شيرازُ
ولا حثّ بي لولاه في البرّ سابحٌ ... ولا رنّحتني في قَرا الكورِ أغرازُ
ولكن حداني نحوَها جودُ كفّه ... ففُزْتُ كما قبلي به معشرٌ فازوا
هو البحرُ لا يُفني عطاياه ماتحٌ ... لسَجْل العطايا بالمدائح نهّازُ
له كلَّ يومٍ منّةٌ وصنيعةٌ ... بحمد الورى والشكر يحوي ويحتازُ
سَبوقٌ الى الغايات لا يستحثُّهُ ... سوى مجدِه، والطِّرْفُ يُجريه مِهمازُ
حماني نَداه من زماني وصانني ... فليس يرى وجهي أياز وقَيمازُ
وشائجُ قربى قد رعاها بجوده ... وحمدٌ تلاه نازحُ الدارِ مجتازُ
وقربى أصول بيننا عربيّة ... رعاها فَزاريُّ الأرومةِ ممتاز
هنيّ الندى لم يذْمُمِ العيشَ جارُه ... له منه إكرامٌ يدومُ وإعزازُ
له موردٌ عذْبٌ نُقاخٌ من الندى ... ووعدٌ تلاه للمكارم إنجازُ
ففي كلّ جيد من أياديه منّةٌ ... يطولُ بها بين الأنام ويمتازُ
يرى أنفس الأشياء ذكرًا يحوزُه ... فليس له إلا المدائحَ إحْرازُ
أعيذُ عطاياه من المسّ إنّما ... مدائحُنا سُخْبٌ عليها وأحْراز
أسودُ الشّرى إنْ عاينته ثعالبٌ ... تضابَحُ فالرِئبالُ للخوف قَفّازُ
أرى الناسَ طيرًا قد أسفَّ ومجده ... تحلّق في أفق العلى فهوَ البازُ
أقرّ له بالفضل سامٌ ويافِثٌ ... وعُجمٌ وأعرابٌ ورومٌ وأنحازُ
ومنها:
من القوم بالبيض المواضي وبالقنا ... وبالخيل والزّغْفِ الندى والعلى حازوا
حووا بعمادِ الدين مجدًا مؤثّلًا ... ونالوا المنى بل فوقَ غايتِها جازوا
ومنها:
تجمّعَ فيه ما تفرّق في الورى ... من الخيرِ فالشاني معاليه همّازُ
ومنها:
أقولُ لآمالي وقد جدّ جدُّها ... وقد بزّني قلبي من الهمّ بزّازُ
أمامَكِ شيراز، فحُطّي بجوّها ... على ملك شكرَ البريّةِ يحتازُ
ومنها:
1 / 2
على ماجدٍ رحْبِ النّديّ سماحُهُ ... نبا عنه إعدامٌ مضرٌّ وإعوازُ
ومنها:
ولا ينبِسُ النادي لهيبةِ مجدِه ... ومنطقُه فيه اختصارٌ وإيجازُ
ومنها:
بما شئتَ فأمُرْ، فالقضاءُ متابعٌ ... يصرِّفُهُ أمرٌ عُلاكَ وإيعازُ
ودونَكَ فاشحَذْ بالنّدى غرْبَ صارمٍ ... إذا ما نبا عضْبٌ مضى وهْوَ حزّازُ
وخُذ كلِمًا يُسدي ويُلحمُ نظمُها ... مديحَكَ لم يلفِظْ بها قَطُّ رجّازُ
فلما سمع الإنشاد، وفقِه الإرشاد، قال: ما يجبُ على سُعادَ، إلا الإسعاد، وقد بلغت المُراد في المراد. ثم غاب عن العِيان، بعدما صرت في الأمان، فما أعرِفُ أين سلك، ولا في أيّ نصاحٍ انسلك، ولا أعلم أحيٌّ هو أم هلك، فعلمت أنه ملكٌ دلّ على ملك، وبدرٌ طلع في فلك! وله قصيدة طائيّة في مدح وزير فارس ناصر الدين أبي العزّ عبد الله بن زيد في عيد الفطر، سنة سبعَ عشرةَ وخمسِ مئة، على وزن قصيدة المعرّي التي أوّلها: لمَن جيرةٌ سِيموا النّوالَ فلم يُنْطوا، وهي:
أقول لسعدٍ والرِّكاب بنا تمطو ... ولابنِ ذُكاءٍ في قَذالِ الدُّجى وخْطُ
أيا سعدُ كُرَّ الطّرفَ بالدّوِّ هل ترى ... بأرجائه ظُعْنَ الأحبّة أم شَطّوا
فمن بعد لأيٍ قال والدّمعُ مائرٌ ... بعينيه يجري في الشؤون وينحطُّ
أرى لهَواتِ الفَجّ غصّتْ بعِثْيَرٍ ... أثارته أيدي العِيسِ وهْيَ بهم تمطو
ومن فوق هالات الخدور أهلّةٌ ... لها قِمَمٌ جُلْحٌ ذوائبُها شُمْطُ
وحولَ طُفاواتِ الشّموسِ جآذِرٌ ... تتيهُ بهم سُخْبُ القَرنفُلِ واللّطُّ
ومنها:
وفي الهودج الإنسيّ للإنس غادةٌ ... كشمس الضُّحى يزهو بها القُلْبُ والقُرْطُ
منعّمةٌ لم تدْرِ ما عيشُ شِقوَةٍ ... ولم يبدُ منها في جَنى خبَطٍ خبْطُ
مليحةُ مجرى الطّوقِ أمّا وشاحُها ... فصادٍ وأما الحِجْلُ منها فمنغطُّ
خدَلّجةٌ ملءُ الإزارِ خريدةٌ ... تكادُ أعاليها من الرِّدفِ تنحطُّ
إذا هي قامت قلت: عُسْلوجُ بانةٍ ... وإمّا مشت عفّى على إثرِها المِرْطُ
كأنّ لَماها والرُّضابَ وثغرَها ... حَبابٌ بكأسٍ فيه شُهدٌ وإسفِنطُ
تتيهُ به عُودُ الأراكِ إذا جرى ... عليه ويزهو من ذوائبه المُشْطُ
فمعصَهمُا حَلْيُ الأساوِرِ والبُرى ... وبالليتِ تزدانُ القلائدُ والسّمطُ
وقد قلت لمّا أن بدت لي غُديّةً ... أذاتُ اللّمى هاتيك أم ظبيةٌ تعطو
ومنها:
وركبٍ على مثل القِسيّ صحبتُهُمْ ... نَشاوَى سقاهُمُ خمرةُ السّهْدُ والخبطُ
رمَوْا بالمطايا ثُغرةَ الليلِ، وانبرت ... نواشط بالأفواهِ ما أمكنَ النّشْطُ
ومنها:
إذا كتبت أخفافُها بنجيعها ... حروفًا فمن وقع اللُّغام لها نَقْطُ
ذوارعُ أثوابِ الفلاةِ بأذرع ... عراها نَشاطٌ قد نفى هجرَها النشْطُ
الى أن نضَتْ ثوبَ الظّلامِ ومزّقت ... حواشي دُجىً عن غُرّةِ الصّبح تنعَطّ
حكى ضوؤها من ناصر الدّين سُنّةً ... على الشمس بالأنوار غُرَّتُها تسطو
أبو العزّ ذو المجد الصّريح الذي أبت ... عناصرُهُ عن أن يمازجَها خِلْطُ
من القوم إن جادوا أفادوا وإن دُعُوا ... أجابوا وإن لم يُسألوا نائلًا يُنْطوا
نقص في الأصل
يجوسُ أقاليمَ البلادِ جميعها ... براحة مَنْ فيها له القَبْضُ والبسْطُ
ومنها:
بَراها وأجراها فجاءت بمُعجِزٍ ... كمعجز عيسى، والبنانُ لها قُمْطُ
وبانت به الآياتُ حتّى كأنّها ... هِراوةُ موسى حين حفّ به السِّبْطُ
1 / 3
وفي كلّ سطرٍ صفُّ جيشٍ عرَمْرَمٍ ... وبيضُ الظُّبا والذُّبَّلُ الشّكْلُ والنّقْطُ
أرتنا وقد سالت بنِقْسٍ رؤوسها ... على الطِّرْسِ أنّ الحظّ يخدُمُه الخَطُّ
جرى الرّزقُ منهابالغِنى لمؤمّل ... براحته مما ترقّشُهُ قِطُّ
إذا قَطّها في مأزقٍ أو مُلمّةٍ ... فهاماتُ أرباب المَمالك تنقطُّ
لها في رِقابِ المعتدينَ جوامعٌ ... وفي أرجُلِ العافينَ من مِنَنٍ رُبْطُ
ألا يا قَوامَ الدّولةِ اسمع قصيدةً ... لها من توالي بِرّك القِسطُ والقِسطُ
ومن قبلها أنكحتُ نجلَكَ أختَها ... ولم أرَ موْلَىً مثلَه في الورى قطُّ
وأنت فتى في جنب ضَحضاحِ بحره ... من الفضل ما يحوي الفُراتانِ والشّطُّ
أسرّتُه دلّت على طيب أصلِه ... وذاك الجبينُ الصّلْتُ والخُلُقُ السّبْطُ
وعن غير قصدٍ آنس النّارَ في طوىً ... وأمّمَها موسى وقد ملّتِ الرّهْطُ
فنبّاه لمّا جاءه خالقُ الورى ... وكلّمه والنُّطقُ منْ مثله شرطُ
أيا ناصرَ الدين الوزيرُ ألوكةً ... لمغترب ألقاه في ربْعك الشّحطُ
شددتَ بإدراك الوزارة أزْرَها ... وقد تثبُتُ الأرجاءُ ما حُفظَ الوَسْطُ
ومنها بعدَ أبيات كثيرة واهية القافية، سقيمة المزاج، عديمة العلاج: نقص في الأصل
بأناملٍ سُبْطِ الحواشي جودُها ... متبجّسٌ كالعارضِ الرّجّاسِ
ومنها:
والشّرعُ لدْنُ العودِ في أيّامِه ... والعدلُ أصبحَ مُشزَرَ الأمراسِ
والدّينُ مرفوعُ الدّعائم والورى ... لنضارة الأيّامِ في أعراسِ
ومنها:
يا ابنَ الأئمةِ من قريشٍ والألى ... طالوا بطَوْدٍ من عُلاهم راسِ
العصرُ عبدُك والقضاءُ متابعٌ ... طوعَ الإشارة منك والإنباسِ
ومديحُ مجدِك في الكتاب مرتّلٌ ... جارٍ مع الأعشار والأخماسِ
أنا عبدُك القِنُّ الذي مذْ لم أزلْ ... أسطو على أعدائك الأرجاسِ
ما جالَ إلا في مديحك خاطري ... وبغير وصفك ما جرت أنفاسي
مِلْكي وإرثي يؤخَذانِ كلاهُما ... وأعودُ مقرونَ الرّجاءِ بياسي
وبذيلِ مجدِك قد علِقْتُ فلا تدَعْ ... ظنّي يعودُ ملازمًا للياسِ
وله من قصيدة في المعنى:
ما بين رامةَ والكثيبِ الأعفرِ ... حيٌّ أقام قيامتي من يعْمَرِ
فاحبِسْ به خوصَ الرِّكابِ إذا بدا ... وتوَقّ من لحَظاتِ ذاك الجُؤذَرِ
ومنها:
وانشُدْ أسيرَ غَرامِه فلعلّه ... عَطْفًا يُدَلُّ عليه مَن لم يؤسرِ
وإذا مررتَ على الأراك فقل له ... لا زِلتَ تصقُلُ غرْبَ كلِّ مؤشَّرِ
هل عهدُ ناقضةِ العهودِ بحاله ... أم قد رمت بالغدر من لم يغدُرِ
فرَتِ الفؤادَ بصارم من لحظها ... مستوطنٍ في جَفْنِه لم يُشهَرِ
وأمالَها سُكْرانِ سكرُ تدلُّلٍ ... يضْنَى الفؤادُ به وسكرُ تخَفُّرِ
نقص في الأصل
بعُلاكَ قد علِقَ الرّجاءُ وأنت يا ... خيرَ البريّةِ عُدّةُ المتحيّرِ
ما شِمْتُ إلا برقَ جودِك بالنّدى ... ورجوتُ عارضَ وابلٍ لك مُمْطِرِ
وحططْتُ آمالي ببابك راجيًا ... بالحقّ إدراكَ النّجاحِ المثمرِ
وصرفْتُ عن كلِّ السّماحِ مطالبي ... وعلى سماحِك كان عَقْدي خِنصَري
ووجدْتُ في مجموع قصائد من شعره، وجمعها؛ من جملتها قصيدة نظمها باليمن، وأنشدها أبا شُجاع فاتكَ بن جيّاشِ بنِ نَجاح، صاحبَ زَبيد، في صفر سنة أربع وخمس مئة، أوّلها:
أمالَتْ غصونٌ حملُهُنّ نهودُ ... ضُحىً أم تثنّتْ في البِطاح قُدودُ
1 / 4
وهذه القصيدة جيّدة بالإضافة الى شعره، وليست من أسلوبه. فما أدري كيف خبَرُه: أتقوّلها، أم انتحلها، أم نقلَها، أم أثّرت فيه تُربةُ اليمن، فأتى بالنّظم الحسن؟ وأرى يمانيّاته كاليمانيّات المطبوعة المصقولة عضْبًا، وكاليمانيّات الموشيّة المحبّرة عصْبًا. ما لَه بزَبيد زبد، بل كلّه دُررٌ وزُبَد. وجد في صنعاء الصّنيعة فأجاد الصّنعة، وأتاه اليُمْنُ باليَمن فنال شعره برفعته الرّفعة، وعرَقَهُ العِراق، فمحَق بدرَ خاطِره المَحاقُ، وما أراه فارسًا بفارس، ولا جاليًا لعرائس.
ونَوْرُ أقاحٍ أم ثُغورٌ تبسّمتْ ... وذيّاكَ وردٌ أم حكَتْهُ خُدودُ
وهنّ ظِباءٌ بالصّرائم سُنّحٌ ... لنا أم ربيباتُ المقاصرِ غيدُ
بدَرْن كأمثال البُدورِ تؤمّهُمْ ... خدلّجةٌ ريّا المعاصِم رودُ
عطَتْ فذكرنا مُطفِلَ الرّملِ إذ عطَتْ ... وجال لها طرْفٌ وأتلعَ جيدُ
فلم يرَ ذو عينَيْنِ من قبل شخصِها ... مَهاةَ صريمٍ للأسودِ تصيدُ
وبين الثّنايا واللِثاثِ مُجاجةٌ ... بها ضَربٌ حُلوُ المَذاقِ بُرودُ
أقول لسعدٍ والرِّكابُ سوانحٌ ... وجيشُ الكرى للمُقلتَيْن يَرودُ
ترفّقْ وقِفْ بي في اللِّوى عُمرَ ساعة ... فإنّك إنْ ساعَدْتَني لسَعيدُ
لأنشُدَ قلبًا ضلّ بالرّملِ غُدوةً ... ولم تُرْعَ فيه ذمّةٌ وعهودُ
ومنها:
طوت لوعتي ثوبَ الصّبابةِ في الحشى ... فوجْدي على مرِّ الزّمان يزيدُ
وأذكى حَمامُ الأيكتيْن بنوْحِه ... لظَى كمَدٍ ما الزّندُ منه صَلودُ
أيا أيكتَيْ وادي الغَضَى هل زمانُنا ... وعيشٌ مضى في ظلّكُنّ يعودُ
أحِنُّ إليكم حنّةَ النّيبِ شاقَها ... الى مورِدِ جَمِّ النُّقاخِ وُرودُ
وأصبو كما يصبو الى الجُودِ فاتكٌ ... وأُزْهى كأنّي دَستُهُ وزَبيدُ
مليكٌ عطايا كفِّه تُبدي النّدى ... لمن أمّهُ مُستَرْفِدًا وتُعيدُ
فتىً مهّدَ الأقطار وهْوَ بمهدِه ... ودانت له الأقدارُ وهْوَ وليدُ
ومنها:
يبشّرُ راجي عُرفِه طيبُ عَرفِه ... ويُعطي ولو أنّ الأنامَ وفودُ
له حسَبٌ صافي الأديم من الخَنا ... حمَتْ عنه آباءٌ له وجُدودُ
ومجدٌ تَليدٌ راسياتٌ أصولُه ... بناه طَريفٌ من نَدَىً وتليدُ
يلوحُ لنا في مطلَعِ الدّسْتِ وجهُه ... كما لاح من ضوء الصّبحِ عمودُ
فما النّيلُ إن جاشت غواربُ مائِهِ ... ومدّتْهُ من بعدِ المُدودِ مُدودُ
وعمّمَ هاماتِ التِّلاعِ بمُزبِدٍ ... به كلُّ ساقٍ لا يُطاقُ حَصيدُ
بأغزرَ من تاج المفاخرِ راحةً ... وأندى بنانًا منهُ حينَ يجودُ
ولا مُخدِرٌ في أرض خفّان مُشبِلٌ ... أكولٌ لأشلاءِ الرّجالِ صَيودُ
له كلّ يومٍ من غَريضِ فَريسةٍ ... قِرًى تغتذي منه لدَيْهِ أسودُ
بأشجعَ منه والقنا تقرَعُ القنا ... وللبيض من هامِ الكُماةِ غُمودُ
تنافَرَ عنه الصّيدُ خوفَ لقائِه ... تنافُرَ سرْحٍ فيه يعبَثُ سيدُ
ويا رُبّ يومٍ قد ترامت الى الوغى ... به شُزَّبٌ قُبُّ الأياطِلِ قودُ
كسا ركضُها نورَ الصّباحِ مُلاءةً ... من النّقْع تُخفي شمسَهُ وتذودُ
يقودُ بها جيشَيْنِ في الأرض واحدٌ ... يسيرُ وهذا في السّماءِ يرودُ
إذا خفَقَتْ هذي لغزْوِ قبيلةٍ ... خفَقْن لتلكَ الحائماتِ بنودُ
وشُهْب من البيضِ الرّقاقِ متى هوتْ ... هوَى طامعٌ طاغٍ وخرَّ مريدُ
1 / 5
ومن حوله من آلِ حامٍ عِصابةٌ ... أسودُ وغىً فوق السّلاهبِ سودُ
إذا أضرموا نارَ الرّدى بحِرابهمْ ... فأرواحُ أبطالِ الكُماةِ وَقودُ
هم الجُنْدُ إن ناداهمُ لمُلمّةٍ ... أجابته منهم عُدّةٌ وعَديدُ
وللصُّبْحِ من نور الغَزالةِ شاهدٌ ... وللّيْلِ من ضوءِ النّجومِ شهودُ
أيا ملِكًا لولا عوارفُ كفِّه ... لما كان يُدْعى في البسيطة جودُ
لك اللهُ نهْنِهْ طِرْفَ عزمِك واتّئِدْ ... فما نِلتَهُ للواصفين يَؤودُ
بلغتَ الذي لا يبلغُ الفِكرُ شأوَه ... ولا للتّمنّي في مداهُ مَزيدُ
تحيّرتِ الأفهامُ فيك فكُنْ لها ... دليلًا وقُلْ للمدحِ أين تُريدُ
أتبغي صعودًا يُعجِزُ الشّمسَ بعضُه ... أمن فوقِ هامِ النّيّرَينِ صَعيدُ
لك الدّهرُ والأقدارُ والعصرُ والورى ... وكلُّ مليكٍ في البلادِ عبيدُ
وكم لك في الأعناقِ منهم صنائعٌ ... بها تتباهى ثُغْرةٌ ووَريدُ
فلو جحَدوا حسنَ الصّنيعِ لأذْعنت ... بشكرك منهم أعظُمٌ وجُلودُ
إليك رمت بي العيسُ تنفُخُ في البُرى ... وقد شفَعت حسنَ الرّجاء قَصيدُ
وقد رَجاني حُسْنُ ظنٍّ ظننتُه ... وأيقظَ آمالي وهنّ رقودُ
وشعرٌ من السِّحر الحلال نظمتُه ... فريدَ معانٍ قد نماه فريدُ
وحسبيَ من جَدْوى يمينكِ مِنحةٌ ... تخبّرُ عن نُعماك حينَ أعودُ
عوارفُ يُعشي ناظرَ الشّمس نورُها ... ويُظهِرُها بالرّغم منه حسودُ
وجودُك أدرى بالذي أنا طالبٌ ... وفضلك يا خيرَ الملوكِ أريدُ
وما الحمدُ إلا حُلةُ الجود وشيُها ... مقيمٌ على مرّ الزّمانِ جديدُ
وخيرُ ثيابِ المرء ذكرٌ مخلّدٌ ... ومدحٌ ضفتْ منه عليه بُرودُ
خلالُك تُملي ما أقول فليس لي ... من الشّعرِ إلا وَقفةٌ ونشيدُ
أين هذا النّفَسُ القوي من ذاك الهوس الغويّ؟ طوّحت هذه الدّالية بالطائيّة، واعتذرت عن الزّاييّة. لعل شيطانه باليمن عنا له فأعانه، أو كرَمُ ممدوحِه أحيا باعثَه فأذاب جُلمودَ خاطرِه وألانَه. أين هذه الصّنعة من تلك الشُّنعة؟ وهذه السِّمةُ من تلك الوصْمة؟ وهذه القوة من ذلك الوهْي؟ وهذا النّسيمُ من ذاك الهواء؟ وهذا الشعاعُ من ذلك الهَباء؟ وهذا البَهاء من ذلك الهُذاء؟ وهذه الغُررُ من تلك العُرَر؟ وهذا الصفو من ذلك الكدر؟ وتمام القصيدة:
تعلّمُني أفعالُ مجدِك وصفَها ... وتُدني إليّ القولَ وهْوَ بعيدُ
فخُذْ مِدَحًا يستغرقُ الحمدَ بعضُها ... تَبيدُ الليالي وهْو ليس يَبيدُ
وذكر أنّ له في الأمير المفضّل المكين سيف الدولة أبي المكارم بن أبي البركات بن الوَليد الحِميَري، وهو من أولاد التّبابعة باليَمن، سنة خمس وخمس مئة، قصيدة؛ ويصف موضعًا له ذا جبال وأنهار، وأشجار وأزهار:
أعِيابُ داريٍّ تُفضُّ وتُفتَقُ ... أم ذي الخَميلةُ عرْفُها يُتنَشُّقُ
خلعَ العِهادُ على المعاهدِ حُلّةً ... يُزْهى بسُندُسِ نَورِها الإستبرَقُ
طلّت دموعُ السُّحْبِ فوقَ طُلولها ... فرُبوعُها فيها الرّبيعُ المؤنِقُ
وتفتّحت حدَقُ الرّياضِ نواضرًا ... بنواظر نحو السّماءِ تحدِّقُ
فإذا تعرّضَ للبسيطةِ عارضٌ ... فالنّجمُ تحمِلُه لريّ أسوُقُ
ومنها:
وكأنّما الرّبَواتُ وهْي نواضرٌ ... خيَمٌ يحُفُّ بها غديرٌ متْأقُ
والماء يبدرُ في الوقائعِ لامعًا ... كالبحرِ مع نورِ الغزالةِ يُشرِقُ
فإذا تخلّل في الخمائل خِلتَهُ ... صِلًا يحاذرُ وقْع نصْلٍ يمرُقُ
1 / 6
تتراقصُ الأغصانُ من فرَحٍ به ... ويمرُّ بالأنهارِ وهو يصفِّقُ
صافٍ كأخلاق المفضَّل رفّةً ... ما في خلائقِه الحِسانِ تخلّقُ
ملِكٌ يُقيمُ الحمد بين بُيوتِه ... وبه يعودُ المال وهو مفرَّقُ
سبْطُ الأناملِ راحتاهُ كلاهُما ... مبسوطتان كما يحاول يُنفِقُ
يعطي فإنْ نفِدَ السّؤال رأيتَه ... بتِلادِه متبرّعًا يتصدّقُ
وترى غُرابَ الجودِ في أموالِه ... بسَماحِه في كلّ يومٍ ينغِقُ
سيفٌ له ربُّ البريّةِ طابعٌ ... وغِرارُه هامَ الكماةِ يفلّقُ
قد أخلصتْهُ دولةٌ نبويّةٌ ... فبِها الصّدا في متنه لا يعلَقُ
بالجود طينةُ راحتَيْهِ كليهما ... والتّاجُ منه جبينُه والمفرِقُ
آلت مكارمُه بغُزْرِ سماحِه ... ألا يعاوِدَ عن ذَراهُ مُملِقُ
قد قُلتُ للمغرور يطلُبُ شأوَهُ ... والنّجمُ طالبُه به لا يلحَقُ
أترومُ إدراكَ الذي قد نالَه ... هيهاتَ باعُك عن ذراه ضيّقُ
ما ظالعٌ مثلَ الضّليعِ ولا ارتقى ... يومًا الى الجوزاءِ من يتسلّقُ
يا أيّها الملكُ الذي لسماحِه ... بحرٌ مواردُ جودِه تتدفّقُ
لا يرزُقُ الرّحمانُ منْ لم تُعطِه ... وكذاك ليس بمانعٍ من ترْزُقُ
طوّقتَ أجيادَ الملوكِ عوارفًا ... فهُمُ عبيدُك بالعوارِفِ طُوِّقوا
ورميتَ كلَّ معاندٍ ومكاشحٍ ... بعزيمةٍ هيَ حين تُعزى فيْلَقُ
كم وقعةٍ لك لو همَمْتُ بشرحها ... قلّ اليراعُ بها وعَزّ المُهْرَقُ
وإذا اللّواء غدا بنصرك خافقًا ... غدتِ القلوبُ من الأعادي تخفِقُ
يجري القضاء بما تحبّ لأنّه ... برضاك من ربّ السماءِ يوفَّقُ
ومنها يُغْريه بأخذ زَبيد:
لا تُهملنّ جُعِلتُ قبلك للفِدا ... أمرًا فقِدْمًا قد تفرْزَنَ بيذَقُ
واشحَذْ لأمرِ زَبيدَ عزمةَ عارفٍ ... بالحرب تقصِدُ شمْلَها فيمَزَّقُ
واكتُب ببأسِك في القلوب حُتوفَها ... والسُمْرُ تنقُطُ والصّوارمُ تمشُقُ
واجنُبْ لها جيشيْنِ جيشًا بالفَلا ... يسري وجيشًا في السّماء يحلّقُ
وامطِرْ صواعقَك الصّوائبَ فوقها ... ليعودَ مُرعَدُها لقىً والمُبْرَقُ
وامخُضْ لها وطْبَ المَنونِ مجاهِرًا ... فزَبيدُ زُبدتُه عليها تبرُقُ
تشتاقُهم سُمرُ الرّماحِ وتنثني ... وصُدورُها بصُدورِهم تتدفّقُ
يا خيرَ من يُزْهى القريضُ بمدحه ... وأجلّ من بعُلاهُ يفخرُ منطِقُ
لولاك لم أزجِ الرِّكابَ على الوجى ... والرّكْبُ يطفو في السّرابِ ويغرَقُ
نقص في الأصل
وأرحَلُها مثلَ البُدورِ كواملًا ... الى أن تراها كالأهلّةِ نُحَّلا
إذا أوردت حِسْيًا حسِبتَ رِقابَها ... حِبالًا وخِلتَ الهامَ فيهنّ كالدِّلا
حواملُ آمالٍ ثِقالٍ تتابعت ... مع الحمدِ يطلُبْنَ المليكَ المفضّلا
جعلتُ عليها الرّحلَ إمّا بلغتُه ... حرامًا ووِرْدَ الجودِ عفوًا محللا
فحينَ أنخناها بمغْناهُ صادفت ... ربيعًا مَريعًا من نَداهُ ومنْهَلا
ومنها:
تتيهُ به قحطانُ فخرًا إذا اعتزى ... ويُضحي مُعَمًّا بالفخارِ ومُخوَلا
إذا ما احتبى أبصرتَ في الدّسْتِ ماجدًا ... وإنْ سار نحو الحربِ عاينتَ جَحْفلا
ويحْمي حِماهُ بالصّوارمِ والقَنا ... ولا يرتضي إلا ذَرا العِزّ منزلا
وما تاهَ ملْكٌ بالفواضلِ والعُلى ... وجاراهُ إلاّ كان أوْفى وأنْبلا
حلا عندَه طعمُ المديحِ فجودُه ... يبالِغُ في كسب الثّناءِ وإنْ غلا
1 / 7
ومنها:
ولستَ تراه لاهيًا عن فضيلةٍ ... ولا لسوى جمعِ العُلى متبتِّلا
يرى أنفسَ الأشياء حمدًا يحوزُه ... ومكرُمةً تُغني وتُسعفُ مُرمِلا
ومنها:
ولا سارَ في جيشٍ يحاولُ غزوةً ... لأعدائه إلا غدا النّصْرُ أوّلا
ولا جُرِّدَت أسيافُه يومَ مأقِطٍ ... فعوّضَها الأغمادَ إلا من الطُّلى
ولا ظمِئَتْ أرماحُه في وقيعةٍ ... فأوردها إلا النّجيعَ من الكُلَى
تولّى كُماةُ الحربِ عنه مخافةً ... كسِرْبِ قَطًا عاينّ بالقاعِ أجدلا
إذا ما انتضى عزمًا تباشرتِ الظُّبا ... وإمّا رمى بالرّأي صادفَ مقْتَلا
حوى المجدَ واحتلّ الذُّرا من فخاره ... فأدْونُ وصفٍ من مناقبه العُلى
يَميدُ ارتياحًا حينَ يغشاهُ مادحٌ ... فأشبهَ سيفًا والمدائحُ صيْقلا
لو قال: ينير ابهاجًا، لسلم له المعنى، وصحّ منه المغزى.
ومنها:
أيا ملكًا لولاهُ في الأرض لم يكن ... لينظُرَ راجٍ مُنعِمًا متفضّلا
ولولا أياديهِ العَميمةُ لم يكن ... ليعرِفَ عيثًا بالمواهب مُسْبِلا
نقص في الأصل
وقد أخذَتْ مني الظُّباءُ بحقِّها ... وأصبحتُ فيها رازحَ الحالِ أعزلا
ولولا أيادٍ أسعدتني لأسعدٍ ... غدوتُ بها من بعْدِ عُسْري مُجمّلا
لما كنت من كسْر الزّمانِ وعرْقِه ... عظاميَ أرجو أن أخلّصَ مفصِلا
وجودُك قد أعيا الوَرى في زماننا ... فلستُ أرى في الأرضِ ملْكًا مبخَّلا
وفي المجموع، قال: وكتبت بهذه القصيدة من ذي جِبلَة الى الملك أبي شجاع فاتك بن جيّاش، من حضرة المفضَّل، أُثني عليه، في جُمادى الأولى سنة ستّ وخمس مئة:
ذرَعَتْ بأذرُعِها المهارَى القودُ ... ثوبَ الدُجى ورِواقُه ممدودُ
وتطلّعتْ بطُوَيْليعٍ فبدا لها ... بعدَ الأراكِ محَجَّرٌ وزَرودُ
وتنسّمتْ هضَباتِ عالِجَ طُلَّحا ... ولهنّ من فرطِ اللّغوبِ قُيودُ
أودى بهنّ هَجيرُ ناجرَ والسُّرى ... والقطعُ يقرَنُ بالبُرى والبِيدُ
والخِمْسُ مشفوعٌ بخِمْسٍ بعدَه ... والوِرْدُ يُشفَهُ ماؤه المثمودُ
فأتيْن أمثالَ القِسيّ نواحلًا ... منهنّ بادٍ أعظُمٌ وجلودُ
يحمِلْنَ أمثالَ السّهام يؤمّهُمْ ... أملٌ مدَى ما يبتغيهِ زَبيدُ
واجهن ذا السّعْدَيْن فاتكَ مالكًا ... بعُلاه جيّاشٌ سما وسعيدُ
لا بانتقاصٍ منهما في رُتبة ... وإليهِما منهُ الفَخارُ يعودُ
قد شاد إبراهيم مجدَ محمّدٍ ... وسما برُتبتِه ابنُه داوودُ
شرفُ الأوائل والأواخر خيرُ مَنْ ... يُعطي إذا ضنّ الحيا ويجودُ
ملكٌ به المعروف يعرَفُ والنّدى ... وسماحُهُ يُغني الورى ويَزيدُ
متفرّدٌ بفَخارِه في عصرِه ... للمأثُراتِ بما حَواهُ مُشيدُ
أحيا الأماني جودُه وسمَتْ به ... في المجدِ آباءٌ له وجدودُ
نقص في الأصل
جمال المُلك
أبو القاسم عليّ بن أفلح العَبسي الشاعر
من أهل بغداد، وأصله من الحِلّة السّيفية.
شاعرٌ سائرُ الشّعر، طائر الذّكر، مرهوب الشّبا حديد السِّنان، شديد الهجاء بذي اللسان. إذا اتّضح له المعنى في هجو أحد، لم يبال به أكان محسنًا أم مُسيًّا، عدوًّا أو وليًا. وقلّ من أحسن إليه إلا جازاه بالقبيح، وجاراه بالذمّ الصّريح.
وكان من جملة منعوشي العمّ الشّهيد عزيز الدّين، فإنّه نوّه بذكره، ونبّه على قدره، وجذب بضَبْع فضله، وآواه الى ريع ظلّه، وولّى أشغاله جماعةً من أقاربه وأهله، حتى عُرِفوا وشرُفوا، وأثْرَوا واكتفوا. على أنّه لم ينجُ مع ذلك من قوارصه، وكان يحتمله لفضائله وخصائصه.
1 / 8
ولما نقلني والدي من أصفهان الى بغداد حين نبا - بعد النّكبة - بِنا الوطنُ، وضاق العطَن، ولم نجد الأمن والسّلامة، واليُمن والكَرامة، إلا في ظل الدار العزيزة النبويّة الإمامية المقتفوية، فسكنّا مدينة السلام، واتّخذناها دار المُقام، وذلك في سنة أربع وثلاثين وخمس مئة، وقد بلغت سنّي خمسَ عشرة سنة - وكان هذا ابن أفلح يجتمع بوالدي، ويقصِدُ نحوَهُ، ويبثّه شجْوَه.
وتوفّي بعد ذلك بسنتين أو ثلاث.
وطالعتُ ما جمع من شعره، وهو قليل؛ لأن الخليفة نفّذ وأخذ من بيته أشعاره كلها. وكتبت منه قصيدتين في مدح عمّي، فأثبتُّهما، ولم أُلْغِ منهما شيئًا. إحداهما ما مدحه به وأنشده بأصفهان:
هاتيك دجلةُ رِدْ وهذا النّيلُ ... ما بعدَ ذينِ لحائمٍ تعليلُ
إن كان برْدُ الماءِ عندَك ناقعًا ... حرَّ الجَوى لا الأشنبُ المعسول
عجبًا لشأنك تدّعي ظمأً وفي ... جفْنيْكَ من سيلِ الجُفونِ سُيولُ
وتنحّ من لفْح الهَجيرِ وحرِّه ... وحشاكَ فيه لوعةٌ وغَليلُ
ما هذه آياتُ من عرَفَ الهوى ... وشجاه رَقراقُ الحياء أسيلُ
لا تكذبنّ فما بهذا عندنا ... أهلَ الصّبابةِ يُعرفُ المتبولُ
خلِّ الغرامَ لأهله فهمُ به ... أولى لهنّكَ في الغرامِ دخيلُ
أنسيتَني يومَ العقيق ونحنُ في ... واديهِ بين السَّرْحتيْن حُلولُ
والحيُّ يهمِزُ بالرحيل ومُهجتي ... جزَعًا لمقترب الرّحيلِ تسيلُ
والوجدُ محتدمٌ وبين أضالعي ... قلبٌ يضِجُّ به الغرامُ عليلُ
وأقلُّ ما لاقيتُ من كُلَف الهوى ... بعدَ الصّبابةِ لائمٌ وعَذولُ
ألا اقتديتَ بحُوَّلٍ في وجدِه ... قد عارك الأشجانَ وهْوَ نحيلُ
أظننتَ أنّ العِشقَ سهلٌ بئس ما ... أوهمتهُ يا أيّها المخبولُ
يا أختَ سعدٍ قد سننتِ شريعةً ... ما سنّها في الأنبياءِ رسولُ
حلّلتِ سفكَ دمي ولم ينطِقْ به ... ذِكرٌ وتوْراةٌ ولا إنجيلُ
وقصرتِ أجفاني فما إن تلتقي ... وأطلتِ ليلي فالعَناءُ طويلُ
وقدحتِ نارًا في الحشا ومنعتِني ... إطفاءَها بالدّمعِ وهو هَطولُ
سمعًا لأمركِ ما استطعتُ وكلّ ما ... حمّلتِ من عِبْءِ الهوى محمولُ
قسمًا بعصيان العذول فإنّه ... قسمٌ على حسن الوفاءِ دليلُ
إنّي عليكِ وإن صدَدْتِ لعاطفٌ ... ولكِ الغداةَ وإن قطعْتِ وَصولُ
يا صاحبيّ مضى الهوى لسبيله ... وأتى الصوابُ وقولُه المقبولُ
أبثثكما عُجَري فما ترَيانِه ... لأخيكما فالرّأيُ منه أفيلُ
طال الثّواءُ على المذلّة قانعًا ... بالدّون واستولى عليّ خُمولُ
وغدا يزاحمُ منكبي في موقف ال ... علياءِ وغدٌ أخرقٌ وجهولُ
في كلّ يوم يستفزّ سكينتي ... روعٌ يمَسُّ الحسَّ منه ذُهولُ
ممّن عهِدتُ إذا ذُكِرتُ فؤادَه ... من صدره فرَقًا يكادُ يزولُ
ما ذاك إلا أنّه لم يبقَ من ... هذا الأنام مسوّدٌ بُهْلولُ
يأوي إليه المستجيرُ فيغتدي ... نعمَ النّصيرُ وبأسُه المأمولُ
قالا: صهٍ هذا ابن حامدٍ الذي ... ما بعدَه لمؤمِّلٍ تأميلُ
يمّمْه تلقَ اليمّ يزخَرُ طاميًا ... والليثَ يزأرُ هيبةً ويصولُ
وانزِلْ عليه تُنِخ بكِسْرِ فناءِ منْ ... ما ذمّ جيرتَهُ العشيَّ نزيلُ
إنّ امرءًا كفَل العزيزُ بنصره ... وغدا يسالمُ دهرَهُ لَذليلُ
نقص في الأصل
لا الصّبرُ ناصرُهُ إن ضامه كمَدٌ ... يومَ الرّحيل ولا السّلوانُ مُنجِدُه
فلم أطاع عذولًا ما يسهِّدُه ... إذا غفا كلُ طرْفٍ ما يسهِّدُهُ
1 / 9
هل حلّ بالعَذْلِ لاحٍ من أخي كمَدٍ ... ما ظلّ بالحبّ داعي الوجد يعقِدُه
لولا الغُرورُ وما تجْني مطامِعُه ... لذَمّ طيْفَ الكرى من باتَ يحمَدُه
وكلّ من لا يرى في الأمر مصدَرَهُ ... قبل الوُرودِ أراهُ الحتْفَ مورِدُه
كحائنٍ ظنّ مولانا العزيز على ... إمهالهُ مُهمِلًا من بات يرْصُدُه
الصّادق العزمِ لا جبنٌ يريّثُه ... إن رامَ أمرًا ولا عجزٌ يفنّدُه
في كلّ يومٍ له حمدٌ يجمّعهُ ... بما توخّاهُ من مالٍ يبدّدُه
جمُّ المواهبِ ما ينفكّ من سرَفٍ ... لُجَينُه يشتكي منه وعسجَدُه
غمْرُ الرِّداءِ وَهوبٌ ما حوته على ال ... أيّام من طارفٍ أو تالدٍ يدُه
يعتدّ بالفضلِ للعافي ويشكرُه ... كأنّ عافيهِ يحبوهُ ويرفِدُهُ
موفّقُ السّعي والتّدبيرُ منجِحُه ... وثاقبُ الرّأي في الجُلّى مسدّدُه
حسنُ الرّشادِ له فيما يحاولُه ... من المقاصد هاديه ومُرشدُهُ
فما يَطيشُ له سهمٌ يفوّقُه ... في كل ما يتحرّاهُ ويقصِدُه
إذا تماثلتِ الأحسابُ فاخرةً ... أضاء في الحسَبِ الوضّاحِ محتِدُه
يُزْهى بجدّيْنِ أضحى ساميًا بهما ... فما ترى عينُه من ليس يحسُدُه
يا أحمدُ الحمدُ ما أصبحت تكسِبُه ... بالفضلِ والفضلُ ما أصبحت توردُه
ليَهْنِ مجدَك نُعمى ظلّ حاسدُها ... يغيظُه ما رأى منها ويُكمدُه
جاءتك تسحَبُ ذيلَ العزّ من ملِك ... ما أيّد اللهُ إلا من يؤيّدُه
لم يلقَ غيرَك كُفؤًا يرتضيهِ لما ... إليك أضحى من التّدبيرِ يُسندُهُ
ألقى إليكَ زِمام الأمرِ معتقدًا ... أنّ الأمانةَ فيمن طاب مولدُه
فاجعَلْ عِياذَك شكرَ الناسِ تحرزُه ... وانظرْ لنفسك من ذكرٍ تخلّدُه
وليَهْن جدَّك أعداءٌ ظفِرتَ بهم ... وقد عراهم من الطّغيانِ أنكدُه
نوَوْا لك المَكرَ غدرًا فاستزلّ لهم ... عن ذاك أيمنُ تدبيرٍ وأحمدُه
من كلّ أخيبَ خانته مكايدُه ... فيما نواهُ وأرداهُ تردّدُه
ما أبرموا الرّأيَ في سوء بغوْك به ... إلا وعاد سحيلًا منك مُحصَدُه
ولا ورى زندُ كيدٍ منهمُ أبدًا ... إلا وحدُّك بالإقبالِ يُصلِدُه
نقص في الأصل
فإنْ جحَدَتْ أجفانهُ سفكَها دمي ... فلي شاهدٌ من خدِّه غيرُ مُرقِش
ومال بعِطفَيّ الغرامُ وقد بدا ... لعينيّ حتى ظنّ أنّيَ مُنتشي
بريّان ما يحويه عقْدُ إزارِه ... وغَرْثان مِقلاق الوشاح معطّشِ
ولما تلاقينا بقلبي وطرْفِه ... على حذَرٍ ممّن ينِمُّ ومن يشي
ضعُفتُ وأعطاه الهوى فضلَ قوّةٍ ... فأوثقني أسرًا ومن يقْوَ يبطِشِ
ومن يتحرّشْ بالرّدى وهْوَ وادعٌ ... قريرُ الرّزايا يلْقَ غِبّ التحرُّشِ
وكان هذا ابن أفلح فظيع المنظر، كما وصفه سديد الدّولة ابن الأنباري في قوله:
يا فتى أفلح وإن ... لم يكن قطُّ أفلحا
لكَ وجهٌ مشوّهٌ ... أسودٌ قُدّ من رَحى
وكان هكذا ذكره قمر الدّولة بن دوّاس:
هذا ابنُ أفلحَ كاتبٌ ... متفرّدٌ بصِفاتِه
أقلامُه من غيره ... ودَواتُه من ذاتِه
ومن جملة أشعار ابن أفلح، قوله:
يا من إليه المشتكى ... في كلّ نائبةٍ تلوحُ
ذا النّاصرُ المخذولُطولَ زمانِه نِضْوٌ طَليحُ
ما إنْ يبِلُّ فيستري ... حُ ولا يموتُ فيستريحُ
وقوله:
سألتُك التّوقيعَ في قصّتي ... فاحتطتُ للآجلِ بالعاجلِ
1 / 10
وخِفتُ أن تُجريَ في قابِلٍ ... وقّعْ فما تبقى الى قابِلِ
وقوله في أنوشَرْوان الوزير، وكان في غاية التواضع:
إنّ أنوشَرْوان ما فيهِ ... سوى قيامٍ لمُرجّيهِ
الجودُ كلّ الجودِ في رجله ... وإن تعدّى فإلى فيهِ
روّجْ لراجيك ولو حبّةً ... واقعُدْ على العرشِ من التّيهِ
وله في المعين المختصّ الوزير:
إنّ عندي للمُعين يدًا ... ما حَييتُ الدّهرَ أشكرُها
صانَني عن أن تكونَ له ... منّة عندي أحبِّرُها
فأنا ما عشتُ أعرِفُها ... أبدًا من حيثُ أنكِرُها
وله في الوزير أحمدَ بنِ نظام الملك:
قصدْتُ أرومُ لقاءَ الوزير ... وقد منع الإذنَ بالواحده
وكلٌّ على الباب يبغي الدّخو ... لَ والبابُ كالصّخرةِ الجامده
ولم أعلمِ العُذْرَ في غلْقِه ... فكنتُ أعودُ على قاعدَهْ
فصِحتُ محمّدُ ألاّ فتحتَ ... فقالَ الوزير على المائدهْ
ومن دونِ فتحيَ فتحُ الوجوهِ ... فعُدَّ الرّجوعَ من الفائده
وله فيه:
شكرتُ بوّابَك إذ ردّني ... وذمّهُ غيري على ردِّه
لأنّهُ قلّدني منّةً ... تستوجب الإغراق في حمدِهِ
أعاذني من قُبح ملْقاكَ لي ... وكبرِك الزّائد في حدِّهِ
فعُذْتُ أن أُضبرِعَ خدّي لمن ... ماءُ الحَيا قد غاض من خدِّهِ
وله فيه:
وزيرُنا ليسَ له عادةٌ ... ببذلِ إفضالٍ وإحسانِ
قد جعلَ الكِبْرَ شعارًا له ... فليس يقْضي حقّ إنسان
لو سلِمَ السّلطانُ من كِبْرِه ... عليه ما ردّ بإعلانِ
كأنّه لا كان من تيهه ... مورّثٌ ملكَ سليمانِ
أبوابُه مغلَقةٌ دائبًا ... من دون وُفّادٍ وضِيفانِ
الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح
ابن الهّبارية العباسي الشاعر
من بغداد من شعراء نظام الملك. غلب على شعره الهجاءُ والهزل والسّخف، وسبك في قالب ابن الحجّاج، وسلك أسلوبه، وفاقه في الخلاعة والمجون. والنّظيف من شعره في نهاية الحسن.
حكي عنه أنّه هجا بالأجرة النّظام، فأمر بقتله، فشفع فيه جمال الإسلام محمّد بن ثابت الخُجَنْدِيّ، وكان من كِبار العلماء، فقبِل شفاعته، فقام يُنشد نظام الملك، يومَ عفوِه عنه، قصيدةً، قال في مطلعها:
بعزّةِ أمرِك دارَ الفلَكْ ... حَنانَيْك، فالخَلْقُ والأمرُ لكْ
فقال النّظام: كذبت، ذاك هو الله ﷿، وتمّم إنشادها.
ثم أقام مدّة بأصفهان. وخرج الى كرْمان، وأقام بها الى آخر عمره. مات بعد مدّة طويلة. وذُكر أنّه توفّي في سنة أربع وخمس مئة.
أنشدني شمس الدين أبو الفتح النّطْنَزيّ، قال: أنشدني أبو يعلى ابن الهبّارية لنفسه:
وإذا البَياذقُ في الدّسوت تفرزنت ... فالرّأيُ أن يتبيذَقَ الفِرزانُ
خُذْ جُملةَ البَلْوى ودعْ تفصيلَها ... ما في البريّةِ كلِّها إنسانُ
وأُنشدت له بأصفهان من قصيدة نظام الملك:
أنا جارُ دارِك وهْي في شرع العُلى ... ربْعٌ حرامٌ آمِنٌ جيرانُه
لا يزهدنّك منظري في مَخْبَري ... فالبحرُ مِلْحُ مياهِه عِقيانُه
ليس القُدودُ، ولا البُرود فضيلةً ... ما المرءُ إلا قلبُه ولسانُهُ
وأُنشِدت له في الباقلاء الأخضر:
فصوصُ زمرّدٍ في كيس دُرِّ ... حكتَ أقماعُها تقليمَ ظُفرِ
وقد خاط الرّبيعُ لها ثِيابًا ... لها لونانِ من بيضٍ وخُضْرِ
وأنشدت له أيضًا بها في نظام الملك:
نظامَ العلى، ما بالُ قلبك قد غدا ... على عبدِك المسكين دون الورى فَظّا
أنا أكثرُ الورّادِ حقًّا وحرمةً ... عليكَ فما بالي أقلّهمُ حظّا
وأُنشدت له أيضًا فيه:
وإذا سخِطتُ على القوافي صُغتُها ... في غيره لأذِلَّها وأُهينَها
1 / 11
وإذا رضيتُ نظَمْتُها لجلاله ... كيما أشرّفَها به وأزينَها
وله، وقد عُزِل ابن جَهير وتولّى أبو شجاع الوزارة:
ما حطّ قدرَهمُ ولا أزرى بهِمْ ... عزلٌ عجِلتَ به وأنت سديدُ
لكن به ظهرتْ حقائقُ سعدهم ... والسّيفُ يُبدي ماءَه التّجريدُ
والأُسْدُ أولى بالعرين فكم غدا ... يختالُ في خِيس الخِلافةِ سيدُ
وكذا سِرارُ البدرِ أصلُ كمالِه ... وبسوءِ فعلِ النّارِ يذكى العودُ
وله في الأوصاف:
وكأنّ السماءَ والنّجمُ فيها ... لُجّةٌ مات دُرُّها فهو طافِ
أو كصرْحٍ ممرّدٍ من زُجاج ... نُثرت فيه خرقةُ الصّرّافِ
تحت ظل الكروم بين رياضٍ ... وأغانٍ ونزهةٍ وسُلافِ
فإذا راسل الهَزارُ أخاه ... رقص القلبُ من وراءِ الشِّغافِ
وإذا فرّك النّسيمُ قميصَ ال ... ماءِ أضحى مكسّرَ الأطْرافِ
وله في معناه، مطلع القصيد:
أدرها من بنات الكَرم صِرْفًا ... معتّقةً تُريك النُّكْرَ عُرْفا
فجيشُ الليلِ قد ولّى هزيمًا ... وجيشُ الفجر قد لاقاه زحْفا
وعبّا الشّرقُ للإصباحِ صفًّا ... وعبّا الغربُ للظلماء صفّا
وطار النّسْرُ منحدرًا فقصّت ... قوادِمُهُ الدّجى فانقضّ ضعفا
وشدّ الليلُ من درَرِ الثّريّا ... على لِيتِ السُّها في الغرب شَنْفا
كأنّ الجوّ صرْحٌ أو غَديرٌ ... صفاءً حين تنظرُه ولُطْفا
كأنّ ذراعَه فيه ذراعٌ ... تمدّ الى صِفاح البدرِ كفّا
وقد رقّ النّسيمُ وذاب لمّا ... تهلهَلَ بُرْدُ ليلتِه وشفّا
وقد أكل المَحاقُ البدرَ حتّى ... غدا في معصَم الجوزاءِ وقْفا
وقد راق المُدام ورقّ حتّى ... غدا من دمعة المهجور أصفى
نقص في الأصل
وصفت له الدّنيا وخُصّ ... أبو الغنائم بالكَدَرْ
فالدّهرُ كالدّولاب لي ... سَ يدورُ إلا بالبَقَرْ
فلمّا سمِع نظام الملك هذه الأبيات، قال: هذه إشارة إلى أنّني من طوس، فإنّه يقالُ لأهل طوس البقر. واستدعاه، وخلع عليه، وأعطاه خمس مئة دينار. فقال ابن الهبّارية لتاج الملك: ألم أقل لك؟ كيف أهجوه، وإنعامه بلغ هذا الحدّ الذي رأيته؟ وله أيضًا، أُنشدتها بأصفهان في ذمّ الدّهر:
ومن نكد الدّنيا الدّنيّةِ أنّها ... تخُصّ بإدراك المُنى كلَّ ناقصِ
وكم ذنَبٍ قد صار رأسًا وجبهةٍ ... تودّ اضطرارًا أنها في الأخامِصِ
وما سادَ في هذا الزّمان ابنُ حرّةٍ ... وإنْ سادَ فاعلم أنّه غيرُ خالصِ
لَحى الله عزمًا حطّ رحلي لديهمُ ... وجعجع عن أرض العِراق قلائصي
وله:
كيف أصغيتَ للوشاة وألقي ... تَ زمام النُّهى الى الأغبياء
فحذفتَ الإخاءَ والوُدَّ والصّح ... بةَ حذفَ النُّحاةِ حرفَ النّداء
وله:
صنَعتْ بي الأيام في أرض قاشا ... نَ صنيعَ الحروف بالأسماء
بين قومٍ جميعُ حظّيَ منهم ... أنْ يسمّونني من الظُرفاء
وله في وصف الذّكاء:
وعنديَ شوقٌ دائمٌ وصبابةٌ ... ومن أنا ذا حتّى أقولَ له عندي
الى رجلٍ لو أنّ بعضَ ذكائِه ... على كلّ مولودٍ تكلّم في المهدِ
ولولا نداه خِفْتُ نارَ ذكائه ... عليه ولكنّ النّدى مانعُ الوَقْدِ
هذا البيت ما سبق الى معناه.
وله:
أستغفرُ اللهَ من ظنّ أثِمْتُ به ... أحسنتُه في امْرئٍ في ذا الورى غلَطا
ندِمْتُ بل تُبْتُ من ظنٍّ يقاربُه ... ك ... صُمَّ حياء بعدما ...
وله وقد نفّد ولده الى نقيب النّقباء عليّ بن طراد الزّينَبي ببغداد:
لُذْ بنظامِ الحضرتين الرِّضا ... إذا بَنو الدّهرِ تحاشَوْكْ
1 / 12
واجلُ به عن ناظريك القَذى ... إذا لئامُ القومِ أعشَوْكْ
واصبِرْ على وحشة غِلمانه ... لا بُدّ للورد من الشَوْك
وله:
ما صغت فيك المدحَ لكنّني ... من غُرِّ أوصافِك أستملي
تُملي سجاياك على خاطري ... فها أنا أكتُبُ ما تُملي
وله قصيدة في هجو أرباب الدّولة الجلاليّة الملكشاهيّة، ومنها:
لو أنّ لي نفسًا صبرْتُ لِما ... ألقى ولكنْ ليس لي نفْسُ
ما لي أُقيمُ لدى زعانفةٍ ... شُمِّ القُرونِ أنوفُهم فُطْسُ
لي مأتمٌ من سوءِ فعلِهمُ ... ولهم بحسن مدائحي عُرْسُ
ولقد غرسْتُ المدحَ عندَهُمُ ... طمعًا فحنظلَ ذلك الغرسُ
الشيخُ عينُهُم وسيّدهُم ... خرِفٌ لعمْرُك باردٌ جِبْسُ
كالجاثليق في عُصيّتِه ... يغدو ودارًا خلفَهُ القَسُّ
والنّاصحُ الهندورجيّ الى ... جنب الوزيرِ كأنّه جعْسُ
نقص في الأصل
أعلى أمورهم إذا نفقَ ال ... طّرّيخُ عنهم أو غلا الدِّبسُ
واللهِ لو ملكوا السّماءَ لما ... عرفوا ولا اهتزّوا ولا انحسّوا
أم باب إبراهيمَ أقصدُهُ ... هيهاتَ خاب الظّنُّ والحدْسُ
قد كان محبوسًا وكان له ... جودٌ وزال الجودُ والحبسُ
أم أعتفي ابنَ أخيه مرتجيًا ... علقًا له من ظهره تُرْسُ
ندَفتْ ... التّرك فقْحتَهُ ... حتى ظننّا أنها بُرْسُ
هذه القصيدة ألغيت منها أبياتًا كثيرة، لأنّه يعرض للسُّدّة الشريفة.
وله:
أرى الطّريقَ قريبًا حين أسلُكُه ... الى الحبيبِ بعيدًا حين أنصرفُ
وله:
نزورُكُم لا نُكافيكم بجفْوتِكم ... إنّ الحبيبَ إذا لم يستزر زارا
وله:
قد كنت أحرُسُ قلبي خائفًا وجِلًا ... من أن يكونَ بسيف الحبِّ مقتولا
فلم يزلْ بلطيفِ القولِ يخدَعُني ... حتى جعلْتُ دمي في الحبّ مطلولا
هذا فؤادي إليكم قد بعثتُ به ... ليقضيَ اللهُ أمرًا كان مفعولا
وله:
ذكرتُكِ بالرّيحانِ لمّا شممْتُه ... وبالرّاحِ لما قابلتْ أوجهَ الشّرْبِ
تذكّرتُ بالرّيحانِ منكِ روائحًا ... وبالرّاحِ طعمًا من مُقبَّلِك العذْبِ
وله:
تُريدون منّي أن تسيؤوا وتبخلوا ... ويختصّ بالأيام دونَكُمُ الذّمُّ
وما جارتِ الأقدارُ فيما جرت به ... ولا شاء بعضَ الفضلِ والأدبِ النّجمِ
ولكنّكم أبغضتموه لجهلكم ... وأحببتُمُ المالَ الذي حُبُّهُ وصْمُ
فأنتم عن العلياء عُمْيٌ لحبّه ... وعن سائل المعروفِ من أجله صُمُّ
وما جارتِ الأيام إلا لميلها ... إليكم وفي تقديمها لكم الغشْمُ
نقص في الأصل وله:
قد قلتُ للشيخ الرّئي ... س أخي السّماح أبي المطهّرْ
ذكّرْ معينَ الدّين بي ... قال المؤنّثُ لا يُذكَّرْ
وله:
هيهاتَ هيهاتَ كلّ الناسِ قد قُلِبوا ... في قالِبِ الغدرِ والإعجابِ والملَقِ
فإن تخلّقَ منهم بالنُّهى رجلٌ ... عادت به نفسه لؤمًا الى الخُلُقِ
وله:
يا أيها الصّاحبُ الأجلُّ ... إنْ لم يكن وابلٌ فطَلُّ
المالُ فانٍ والذِّكرُ باقٍ ... والوفْرُ فرعٌ والعِرضُ أصلُ
فاجعَلْهُ دونَ العيالِ سترًا ... فالصّوْنُ في أن يكون بذْلُ
لا تحقِرَنْ شاعرًا تراه ... فعُقْدَة الشِّعْرِ لا تُحَلُّ
وله:
خذا فُرَص اللّذّاتِ ما سمحَتْ بها ... صُروف الليالي فهي بَيْضُ أنوقِ
ولا تعذُلاني في الصّبابةِ والصِّبا ... فلومي على أدهابها لعقوقي
وما العيشُ إلا في الخلاعة والهوى ... وشُرْبِ طِلًا صافٍ ووصلِ عشيقِ
ولا تأمنا سَلْمَ الزّمانِ فإنّهُ ... صديقٌ لما صافاه غيرُ صديقِ
1 / 13
لقد جار في الأحكام حتى أغصّني ... وأشرَقَني في النّائبات بِرِيقي
وله من قصيدة في المدح:
وما الرّمحُ عرّاصُ الكعوبِ مثقّفٌ ... يخوضُ الكُلى في كلّ يوم لقاءِ
بأمضى شَبًا من ناحل الجسم ذابلٍ ... بكفّك في يوميْ وغىً وعطاءِ
ولا المُزْنُ منهلّ الآقي كأنّه ... مودِّعُ حيٍ آذَنوا بثَناءِ
تجمّلَ للواشين ثمّ تبادرت ... مدامعُهُ في إثرِهم ببكاءِ
بأجوَدَ من أنواء كفّك ديمةً ... وأسخى بوَبْلَي نائلٍ وحِباءِ
وله من قصيدة:
طرَقَتْ وساريةُ النّجومِ هجودُ ... وسرت وشاردةُ الرِّياحِ ركودُ
نقص في الأصل
بيناهُ يرتقبُ المُنى ... حتّى تخطّفَهُ المنيّهْ
تبًّا لدهرٍ دينُه ... إخمالُ ذي الهِمَمِ العليّهْ
فالحُرُّ من دون الورى ... لرِماحِ قسوتِه دريّهْ
وخطوبُه بذوي الفضا ... ئِلِ دونَ غيرِهِمُ غريّهْ
ومنها:
قد كان لي يا ابْنَ الهُدى ... والوحي والعتَرِ الزّكيّهْ
بيت مذ عزمت هـ ... ذا الأمرَ في التّخفيفِ نيّهْ
ورأيتُ مسألةَ الرّجا ... لِ حُطامَهُمْ حالًا رديّهْ
وأنِفْتُ من ذلّ السؤا ... لِ بعِزِّ نفسٍ هاشميّهْ
وظَننْتُ أني غِنَىً ... عن قصدِ حضرتِك العليهّ
فاغتالني صرْفُ الزّما ... نِ فبِعتُ شعري بالنّسيّهْ
وله:
يقول أبو سعيدٍ إذ رآني ... عفيفًا منذُ عام ما شرِبْتُ
على يدِ أيّ شيخٍ تُبْتَ قل لي ... فقلتُ على يد الإفلاس تُبْتُ
وله في شكاية الفضل:
تجاهلتُ لمّا لم أرَ العقل نافعًا ... وأنكرتُ لمّا كنتُ بالعلم ضائعا
وما نافعي عقلي وعلمي وفِطنَتي ... إذا بتَّ صِفْرَ الكفّ والكيس جائعا
وله من قصيدة يصِفُ الشّيب:
نزَل الشّيبُ بفودِيَ ضيفًا ... يا سَقاهُ اللهُ ضيفًا وجارا
وكساني وفْدُهُ كلَّ وصفٍ ... من صفاتِ الشّيخِ إلا الوَقارا
وسقاني من أذاهُ كؤوسًا ... مُرّةً تعقِرُ ليست عُقارا
متّ إلا أنّ قلبيَ حيٌّ ... يعشقُ العِشقَ ويهوى الخَسارا
يتصابى بعدَما ردّ كرهًا ... من غَيابات الصِّبا ما استعارا
ما الذي تصنعُ باللهِ قُلْ لي ... ما أرى فيه عليك اقتدارا
فأنا في جانبِ البيت نِضْوٌ ... ما أطيقُ الخطْوَ إلا قِصارا
وله:
ورقّتْ دموعُ العين حتى حسبتُها ... دموعَ دموعي لا دموعَ جُفوني
همُ عذَلوني جاهليَ بقصّتي ... ولو عرَفوا ما نالَني رحِموني
وأُنشدت له، بأصفهان، من قصيدة في مدح مجد الملك مستوفي الدّولة الملكشاهيّة:
تجنّبَ في قرب المحلِّ وقصدِه ... وزارَ على شحْطِ المزارِ وبُعدِه
خيالُ حبيبٍ ما سعِدتُ بوصله ... وزورَتِه حتى شقيتُ بصدّهِ
تبسّم عن عذْبٍ شتيتٍ كشمْلِه ... وشملي يُذكي نارَ قلبي ببَردِه
فلم أدرِ من عُجْبٍ تحليَ ثغرِه ... أم افترّ ضحكًا عن فرائِدِ عِقدِه
وقابلَ نُوّارَ العَقيقِ وورْدَهُ ... بأنضرَ من نوْر الشّقيقِ وورْدِه
ورُبّ بَهارٍ مثلِ خدّيَ فاقعٍ ... يُناجي شقيقًا قانيًا مثلَ خدِّه
سقاني عليه قهوةً مثلَ هجرِه ... وطعمِ حياتي مُذ بُليتُ بفَقدِه
وما أسكرتْ قلبي وكيف وما صحا ... ولا زال سكرانًا بسكرة وجْدِه
ولو أنّه يسْقيهِ خمرةَ ريقِه ... لأطْفأ وجْدًا قد كواهُ بوقْدِه
سقاني وحيّاني بوردةِ خدِّهِ ... وريحانِ صُدْغَيْهِ وبانةِ قدِّه
1 / 14
ومازَحَني بالهجرِ والهجرُ قاتلٌ ... وما مزْحُه بالهجْرِ إلا كجِدِّه
وبِتْنا كما شئنا وشاءَ لنا الهوى ... يكُفّ علينا الوصلُ فاضلَ بُردِه
زمانًا نعِمْنا فيه بالوصل فانقضى ... وبانَ على رُغمي ومنْ لي بردِّه
فلا تعذُلَنّ الدّهرَ في سوء غدرِه ... ولا تطلُبنْ منه الوَفاءَ بعهدِه
وخُذْ ما أتى منه فليس بعامدٍ ... وما خطأُ المِقْدارِ إلا كعهدِه
ورفقًا فم الإنسانُ إلا بجدّه ... وليس بمُغْنٍ عنه كثرةُ كدِّه
فما يسبِقُ الطِّرفُ العَتيقُ بشدّه ... ولا يقطعُ السيفُ الذّليقُ بحدّه
ولكنّ أقدارًا تحكَّمُ في الورى ... فيأخُذُ كلٌ منهمُ قدرَ جدِّهِ
وما أحدٌ نال العَلاءَ بحقّه ... وأدركه دونَ الرِّجالِ بجَهْدِه
سوى الصّدرِ مجْدِ الملك فهْوَ سما له ... بجِدٍّ وجدٍّ مستقلٍ بسعْدِه
فما قرّ صدرُ الدّين إلا بقلبِه ... ولا اشتدّ أزْرُ المُلكِ إلا بمجدِه
وحنّ إليه الدّستُ مُذْ كان مرضَعًا ... ونافس فيه التّخْتُ أعوادَ مهدِه
ومنها:
على مجده من جودِه دِرْعُ نائل ... تكفّلَ كعبِيُّ السّماحِ بسرْدِه
وله:
أما إنّه لولا الهوى وجنونُه ... لما غلِقَتْ يومَ الرِّهانِ رُهونُهُ
له اللهُ أما دمعُهُ فيُذيله ... غَرامًا وأمّا وجدُه فيصونُه
وإن هو أخفى وجدَهُ وشؤونَه ... حِذارًا أذاعتْهُ ضِرارًا شؤونُه
بنفسي بدرًا يفضحُ البدرَ نورُه ... وغصنَ قوامٍ يُخجِلُ الغُصنَ لينُه
عقاربُ صُدْغٍ ليس يرقى سليمُها ... ورمحُ قَوامٍ لا يبِلُّ طَعينُهُ
وله:
إسقني يا ضرّةَ القمرِ ... واسلُبِ اللّذّاتِ وابتدِرِ
قهوةً حمراَ صافيةً ... تخضِبُ النُّدمانَ بالشّررِ
سبَقَتْ نوحًا فلو نطقَتْ ... لرَوتْ ما مرّ في السِّيَرِ
فجيوشُ الليلِ هاربةٌ ... وجُنودُ الصّبحِ في الأثرِ
ونجومُ الجوِّ حائرةٌ ... والدُجى يبكي على القمرِ
وغصونُ البانِ مائلةٌ ... طربًا من شدّة السُّكُرِ
ولُحونُ الطّيرِ عاليةٌ ... والصَّبا تختالُ بالشّجَرِ
ليلتي لا عيبَ فيكِ ولا ... خِلتُ أنْ تشني سوى القِصَرِ
ليتَها طالتْ عليّ ولو ... كان ذاك الطّولُ من عُمُري
لي حبيبٌ ليسَ يُنصِفُني ... مهجتي منه على خطَرِ
مالك رِقّي يعذّبني ... كم مليكٍ سيّئ الظّفَرِ
ثمّ وقعت بيدي مجلّدة مقفّاة من شعره، فأوردت منها ما انتخبتُه. فمن ذلك قوله:
أخيطُ ... بتخريقه ... وليس إلا فَيْشتي إبْرَهْ
ومنه في وصف غلام هنديّ:
أخضرُ هنديٌ لمَىً كلُّه ... والصّارمُ الهنديّ ذو خُضرَهْ
مُهفهَفُ الأعطافِ ممشوقُها ... مُبلبَلُ الأصداغِ والطُرّهْ
وله:
قُم يا غلامُ فهاتِها ... حمراء فالتّفاحُ أحمَرْ
قانٍ كخدِّك بين ريْ ... حانٍ كعارضِك المسَطّرْ
فكأنّها والمزْجُ يُل ... بِسُ رأسَها إكليلَ جوهَرْ
بدرُ الدُجى صاغت له ال ... أفلاكُ نجمَ الجوِّ مِغفَرْ
وكأنّ كفَّ مديرِها ... من لونيَ القاني معَصْفَرْ
وقوله من قصيدة:
لعلّ الخيال العامريّ إذا سرى ... يدلّ عيونَ الهاشميّ على الكرى
ويا ربِّ إن روّحتَ فكرًا من الهوى ... فزِدْ نارَ قلبي حُرقةً وتسعُّرا
وإنْ كان في وصلي المَلالةُ والقِلى ... فأوْحِ إليها الهجرَ ربّي لتهجُرا
ومنها:
وإنّ ضلالي فيك أهدى من الهُدى ... وإنّ سُهادي فيك أحلى من الكرى
1 / 15
ودِدْتُ وما تُغْني الوَدادة والمُنى ... لو انّي أرى قلبًا يُباعُ فيشترى
وقوله من أخرى:
أيّ السِّهامِ بدتْ لنا ... يومَ اللّوى تلك المحاجِرْ
غَرْثى الوِشاحِ شَبيعةُ الت ... حْجالِ مُفعَمةُ المآزِرْ
في العدلِ أنّك راقدٌ ... عنّي وأنّي فيك ساهِرْ
ساروا بقلبي في الرّكا ... بِ وسائري في الإثرِ سائِرْ
وقوله من قصيدة في المدح:
عشِقَتْ شمائلَه الوزارةُ فاغتدت ... شوقًا إليه وعن سِواهُ تنفِرُ
ويجلّ عنها قدرُه مع أنّها ... لَتَجلُّ قدرًا عن سواهُ وتكبُرُ
وقوله من أخرى:
قولي بغير الذي أوليت من حسَنٍ ... كقول أهل العمى في الشّمسِ والقمرِ
فالشمسُ إن جحَدَ الأعمى فضيلتَها ... فإنّما قولُه عن آفة البصَرِ
وقوله من أخرى:
يبلبلُ منّي العقلَ صُدغٌ مبَلبلٌ ... ويملِكُ مني القلبَ أغيدُ أسمرُ
وقدٌ كغصنِ البانِ يهتزّ مائلًا ... وخصْرٌ على الرِّدْفِ الثّقيلِ مزنَّرُ
وخدٌ أسيلٌ تحت صُدغٍ مشوّشٍ ... على طرسِه سطرٌ من الحسنِ أخضرُ
وقوله:
أعورٌ مثلُ ... ... لا تَرُمْ نيلَ خيرِه
شيخُ سوء عجوزُه ... أبدًا تحتَ غيرِه
وقوله في وزير:
المُلكُ راسلَه بأني مَحجِرٌ ... يا ناظري فمتى تحلّ المحْجِرا
والدولةُ الغرّاءُ قالت إنّني ... عينٌ مسهّدةٌ وأنت لها كرى
وزَر الوِزارةَ إذ سواهُ بذكرها ... أزرى وبالوزَرِ العظيمِ تأزّرا
وقوله من أخرى في العِذار:
إني خلعْتُ عِذاري ... على المليح العِذارِ
جار العِذارُ على ورْ ... دِ خدّه بالجِوارِ
بنفسَجٌ فارسيٌ ... بادٍ على جُلَنار
وقوله:
ولو أنّني استمدَدْتُ من ماء مُقلَتي ... لجاءتك كتبي وهْي حُمرٌ سُطورُها
وكيف تُلامُ العينُ إن قطرتْ دمًا ... وقد غابَ عنها نومُها وسرورُها
وقوله من قصيدة في مدح مكرم بن العلاء بكرْمان:
رحيبُ رِواقِ الحِلم يكفي اعتذارُه ... الى المذنبِ الجاني اختلاقَ المعاذرِ
فليس وحاشاهُ لإحسانِ محسنٍ ... بناسٍ ولا للمُحفِظاتِ بذاكرِ
وقوله من أخرى:
كفاني عجزًا أن أُقيم على الصّدى ... وبحرُ النّدى في بُردَسِيرَ غزيرُ
وأعشو الى نارِ اللئيم سفاهةً ... وبدرُ العلى بادي الضّياء مُنير
وقوله من أخرى:
وكم ميّتٍ قد صار في التُّرْب عظمُه ... تراهُ عِيانًا بالأحاديثِ والذّكرِ
ويا رُبّ حيٍّ ميتٌ لخُموله ... فسيّان ذاك القصرُ والقبرُ في الفخرِ
وقوله من أخرى:
رقّ النسيمُ وغنّتِ الأطيارُ ... وصفا المُدامُ وضجّتِ الأوتارُ
وصغا السِّماك الى المغيب وقد بدا ... نجمُ الصّباحِ كأنّه دينارُ
وكأنّما الجوزاءُ مِعصمُ قَينةٍ ... والكفّ كفٌ والهِلالُ سِوارُ
فكأنّما زُهْرُ النّجوم فوارسٌ ... تبغي السِّباقَ لها الدُجى مِضمارُ
يا حبّذا أثَلاتُ رامةَ إنّها ... كانت لياليَ كلّها أسحارُ
ومنها:
إن لم تكن وطني فلي برُبوعِها ... وطَرٌ وأوطانُ الفتى الأوطارُ
لا ذنْبَ إلا للقلوبِ فإنّها ... تهوى وإنْ لم تعلَمِ الأبصارُ
أهدى لنا نفَسُ الصَّبا أنفاسَكُم ... سحَرًا فقلت عسى الصَّبا عطّارُ
وتمايلت للسّكر باناتُ الحِمى ... حتى كأنّ نسيمَه خمّارُ
الزاي، وقوله في المدح من أخرى:
فتىً يهتزّ للإحسان ظَرْفًا ... ومن فعل الدّنايا يشمئزُّ
أغرّ مُحسَّدُ العلياء ندْبٌ ... محَلُّ علائِه في الجِدّ نشْزُ
1 / 16
له رأيٌ كنصْلِ السّيفِ ماضٍ ... غدا في مفصِل الجُلّى يحُزُّ
مُذِلٌ للثّراء بجودِ كفٍّ ... نداها للعلى أبدًا مُعزُّ
لوْ أنّ لي في كلّ عضوٍ فما ... فيه لسانٌ ناطقٌ موجزُ
السين، وقوله من قصيدة:
مغنى الصّبا مالي أراك دريا ... ولقد عهدتُك آهلًا مأنوسا
ما راح دمعي في عِراصك مُطلَقًا ... حتى غدا قلبي بهن حَبيسا
حملَتْ أهلّةُ مُهرةٍ من عامر ... يوم الكثيبِ أهلّةً وشُموسا
غرَبَتْ بهم في غُرَّبٍ يا من رأى ... شمسًا يكون غُروبُها تعبيسا
يا حبّذا المتحمّلون عشيّةً ... من بطنِ وجرَةَ يُعمِلون العِيسا
متبارياتٍ كالسِّهام فأصبحت ... مما أضرّ بها الدّروبُ قُؤوسا
لا دَرُّ درُّكِ من قِلاص قلّصت ... ظلّ الهوى فغدا حِماهُ وطيسا
فلقد صدَعتِ ببينهم كبِد الهوى ... ونكأتِ قرْحًا في الحشا لا يوسى
للهِ ليلٌ بالحريم خلَستُه ... والحزمُ كوْني للسّرور خَلوسا
فجلوتُ فيه على الهموم وطوّفتْ ... بابنِ المُنى بنتَ الكروم عروسا
وشموس راحٍ في سماء الرّاحِ قد ... جعلت لنا أبراجهنّ كؤوسا
وقوله من أخرى:
فتاة جسمُها كالماء رطْبٌ ... ولكنْ قلبُها كالصّخرِ قاسِ
وفَتْ وهْنًا فوافت وصلَ صبٍّ ... سقيمٍ في الغرامِ بغيرِ آسِ
وقوله:
أريدُ من الأيّامِ تطبيبَها نفسي ... ولا روحَ للمحبوس ما دام في الحبسِ
أمِنْتُ سِباعَ الوحشِ وهْيَ مَخوفةٌ ... وخِفتُ سِباع الإنس والشّرُّ في الإنسِ
وقوله من أخرى:
بدت غُرّةُ النّيروزِ باللهوِ والأنسِ ... فقُمْ نجْلُ بنتَ الدّنِّ حمراءَ كالورْسِ
معتّقةً في دنِّها قيصريّة ... توارثَها قَسٌّ من الرّوم عن قسِّ
ومنها:
وحرٍّ من الفِتيان حلو موافق ... مليح الثّنايا غير غثٍّ ولا جِبسِ
ذكيّ عليم بالزّمانِ وغدرِه ... كأنّ به للعلم ضربًا من المسِّ
يبادرُ أحداثَ الليالي وجورَها ... ويستلبُ اللّذّاتِ بالنّهبِ والخلْسِ
يقول دعوني أنهزْ فُرَص المُنى ... فوالله لا ذُقتُ المُدامةَ في رَمسي
أنِستُ به لما رأيتُ خِلالهُ ... توافقني والأنسُ من عادة الإنسيّ
ومنها:
أيعلمُ دهري أنّني غيرُ خائفٍ ... رَدايَ وأنّي من حياتي في حبسِ
أريدُ بحرصي راحةً وسلامةً ... من الشرِّ بين الناس والأمرُ بالعكسِ
ولستُ بشاكٍ صرْفَ دهري وأهلَه ... ولكنّني أشكو الى الدّهر من نفسي
وقوله في أصفهان:
بلدٌ أبو الفتح اللّئيم عميدُه ... والقاسمُ بنُ الفضلِ قيلَ رئيسُه
وظريفُه الكافي الطويلُ وعرضُه ... رثُّ الرِّداءِ كما عرَفت لَبيسُه
ونقيسبُه التّيسُ الرِّضا متبَظْرِمٌ ... مع أنّه دنِسُ المحلّ خسيسُه
وابنُ الخطيبيّ الصّغيرُ لحكمِه ... زللٌ وجُرْوُ المندويّ جليسُه
والوقف في أيدي العُلوجِ وكلّهم ... قد زادَ من مال المصالح كيسُه
وأنا وسلمانُ الأديبُ إمامنا ... وجميعُ من صقلَتْ نُهاه دُروسُه
نبكي على الفضل الذي قد صوّحت ... بسقوطهم أفنانُه وغروسُه
الشين، وقوله:
بأبي أهيفُ مهضومُ الحشا ... مستعارُ اللّحْظ من عين الرّشا
يُخجل الأقمارَ وجهًا إن بدا ... وغصونَ البنِ عِطفًا إن مشى
ثمِلُ الأعطافِ من خمر الصِّبا ... منتشي الألحاظِ صاحٍ ما انتشى
آنِسٌ بالناس غيري فإذا اس ... تأنستْ عينيَ منه استوحشا
أيّها المعرِضُ عنّي عبثًا ... من وشى بي ليت شعري لا وشى
سوف أرشو عنك قلبي فعسى ... يقبلُ المسكينُ في الحبّ الرُّشا
1 / 17
الصاد، وقوله من قصيدة:
أنا في أصفهانَ في تنغيصِ ... بين سعر غالٍ وشعرٍ رخيصِ
قد تحيّرتُ في عِيالٍ وفقرٍ ... وغَلاء وليس لي من مَحيصِ
لا مُقامٌ ولا رحيلٌ وقد عُدْ ... تُ أسيرًا كالطائر المقصوص
ولو أنّ الطريق سهلٌ كما كا ... نَ لقرّبتُ للبِعاد قَلوصي
ضِعتُ في أصفهان بين رجالٍ ... سِفَلٍ بالعموم لا بالخوصِ
كالتّعاويذِ والتّصاوير ما في ... هِمْ من الناس غيرُ حُسن الشّخوصِ
ومنها:
عجبًا للذي يشحُّ ولا يُنْ ... فِقُ حتى إذا رأى الموتَ يوصي
ذاك بذلُ المُضطرِّ بالرُّغم لِمْ لَمْ ... يكُ في البذْلِ قبلَ ذا بحريص
كل شيء يفْنى ويبقى لك الأج ... رُ وحُسْنُ الثّناءِ خيرُ قَنيصِ وقوله في الخمر:
نسيمُها كالمِسكِ في نشرِه ... وجسمُها روحٌ بلا شخصِ
لو جمَدَتْ في دنّها لحظة ... خرَطْتُ من جامدها فَصّي
وأهيف كالبدرِ في تِمّهِ ... على عذاب الناس قد وُصّي
قامتُه كالغُصن مهتزةٌ ... في كفَلٍ يرتجّ كالدّعصِ
طُرّتُه ليلٌ على غُرةٍ ... نوريّة تلمعُ كالقُرصِ
يقتصّ ممّن كان ذا عفّةٍ ... يقولُ قد أذنبتُ فاقتصِّ
تورّعًا من أن يُرى ظالمًا ... تورّعَ الكافي أبي النّقص
وقوله من قصيدة:
يا دهرُ ما ازداد اللئيمُ لينقُصا ... كلاّ ولا أغلى نُهاه ليرخُصا
قد كنتُ أطمَعُ بالفضائل في العلى ... فالآنَ جُلّ مُناي أن أتخلّصا
لو كنتُ أعلم أنّ فضليَ ناقصي ... ما كنتُ من سفَهٍ عليه لأحرِصا
كالمِسكِ يُسحَقُ بالصّلاةِ لنشْرِه ... والعودِ يحْرَقُ للنّسيم مُمحّصا
والظّبيُ لولا حُسنُه لم يُقتنَصْ ... والبومُ يؤمنُه القَضا أن يُقْنَصا
ومنها في المدح:
قاسوك جهلًا بالملوكِ وظالمٌ ... من قاسَ عُلويّ الكواكب بالحَصا
واستكثروا لك ما بلغتَ وإنّني ... مستنزرٌ لك منْ أطاعَ ومن عصى
قلّت لك الدُنيا فكن لكنوزِها ... مترقّبًا ولمُلكِها متربّصا
الضّاد، وقوله من قصيدة:
أنت كلّ الفضل والإف ... ضالِ والعالمُ بعضُ
وأنا اليومَ كما تع ... لَمُ في بسْطيَ قبْضُ
ما لِعرقِ الرّزقِ إن لم ... يُجْرِه جاهُك نبْضُ
وقوله في الحمى:
عادت فزارت وسادي ... بعد الفراقِ البغيضَهْ
صديقةُ المُتنبّي ... تلك الوَقاحُ الحَريضَهْ
وجمشتْني وكانت ... ثيابُ نومي رَحيضَه
وخلّفت في ضُلوعي ... ما في الجفون المريضَهْ
الطاء، وقوله من قصيدة:
يا حبّذا أهيفُ خَطُّ ... حُسنِه حُلو النّمَطْ
حُلو الصِّبا في خدّه ... بالمسك والعنبر خطْ
رطْبُ الصِّبا عذْبُ اللّمى ... حُلو الرِّضا مُرّ السّخَطْ
كأنّ برقَ ثغرِه ال ... واضح سيفٌ مخترَطْ
سطر كأن در ثغره ... عقد لآل في سقط
سرّحهُ الحسنُ بأم ... شاطِ التّصابي ومشَطْ
وصاغه اللهُ من ال ... جَمالِ شخصًا وخرَطْ
لهفي على عيشٍ مضى ... على اقتراحي وفرَطْ
فالآن نجمي راجعٌ ... محترقٌ بلْ قد هبَطْ
ومنها:
أنعِم ببسط العُذر لي ... فأنت أولى من بسَطْ
وامنُنْ برسمي عاجلًا ... نقدًا ففضلي قد قنَطْ
1 / 18
بين كِلاب جيَف ... أعراضُهم ذاتُ نُقَطْ
ترى الأديبَ بينهم ... كاللّصّ ما بينَ الشُرَطْ
وقوله من قصيدة طويلة، على وزن طائيّة المعرّي:
سواءٌ دنا أحياء ميّة أم شطّوا ... إذا لم يكن وصلٌ فقربُهم شحطُ
إذا كان حظّي منهُمُ حظّ ناظري ... تعلّلْتُ منهم بالظِّباء التي تعطو
فكم نازحٍ أدناهُ حسنُ وِدادِه ... وإن لم تزَلْ أيدي المطيّ به تمطو
ودانٍ أبانَ الهجرُ قربَ جوارِه ... وإن ضمّنا في مضجَعٍ واحدٍ مِرْطُ
ومنها:
حلَفْتُ بها تهوي على ثفِناتِها ... عوائمَ تطفو في السّراب وتنغطُّ
لما ظلْتُ في جَرباذَقان لحاجةٍ ... سوى مدحِ علياه ولا اخترتها قطُّ
لإنعامِه في كلّ جيدٍ بجودِه ... قلائدُ في جيدِ الزّمانِ لها سِمْطُ
له راحةٌ في المحْلِ يهْمي سحابُها ... ببحرِ نوالٍ ما للجّتِه شطُّ
ومنها في القلم:
براحتِه العلياء أرقشُ ضامرٌ ... تُناسبُه في لينِه الرُّقْشُ والرُقْطُ
يمجّ رُضابًا بالمنايا وبالمُنى ... ففي جبهة الأيامِ من خطّه خطُّ
ومنها في الدّواة:
وتغذوه أمٌ في حَشاها تضمّه ... ويظهرُ أحيانًا وليس به ضغْطُ
عجوزٌ لها في الزّنجِ أصلٌ ومحتِدٌ ... ولكنّما أولادُها الرّومُ والقِبطُ
إذا اعتاضَ عن جرْيٍ من الأينِ راضَهُ ... فأصحب في ميدانِه الحزُّ والقَطُّ
له في ميادينِ الطّروسِ إذا جرى ... صريرٌ كما للخيل في جريِها نحْطُ
وقوله من قصيدة مرثيّة في عليّ بن الإمام محمد بن ثابت الخُجَنديّ:
سِهام المنايا لا تطيشُ ولا تُخطي ... وحادي الليالي لا يجورُ ولا يُبطي
أرى الدهر يُعطي ثمّ يرجعُ نادمًا ... فيسلِبُ ما يولي ويأخذُ ما يعطي
ويستدركُ الحسنى بكلّ إساءةٍ ... كما استدرك التّفريطَ والغلطَ المُخطي
ويختار للجهل الطّبيبَ تعللًا ... ويستفرغُ الأدواءَ بالفَصْد والسّعطِ
ويجتابُ سرْدَ السابريّ وإنّه ... إذا ما رمى رامي المقادير كالمِرْطِ
كأنّا ثمارٌ للزمانِ فكفُّه ... تعيث فتجني بالحصادِ وباللّقْطِ
أفي قلبه حِقدٌ علينا ففتكُه ... بنا فتْكُ موتورٍ من الغيظِ مشتطِّ
وما الكونُ إلا للفسادِ وإنّما ... حياتي كموتي كالجزاء مع الشّرطِ
كذاك تمامُ البدرِ أصلَ محاقِه ... يكونُ وإشراقُ الكواكب للهَبطِ
كوصل الفتاة الرّؤدِ للهجْر والقِلى ... يكون وقرب الدّار للبعد والشّحطِ
وقد قيل إنّ النفسَ تبقى لأنّها ... بسيطٌ وما التّركيبُ إلا من البسطِ
ستُفني المنايا كلّ شيء فلا تُرَعْ ... بما زخرفوا من نقطةٍ لك أو خطِّ
فلا بدّ للموت المقيت وإن أبوا ... مقالك فيها من نصيب ومن قِسط
أبى اللهُ أن يبقى سواهُ لحكمةٍ ... رآها وأقسامٍ تجِلّ عن القِسطِ
فما لك تستدني المَنونَ جَهالةً ... ببيض الظُّبا مشحوذةً وقَنا الخطِّ
لعلّك تستبطي حِمامَك شيّقًا ... رُويدًا ستستوحي الذي كنت تستبطي
عرفتُك يا دنيايَ بالغدر والأذى ... فما أنتِ من شأني ولا أنت من شرطي
وقوله من قصيدة أخرى:
الحِقفُ في مئزَرِه إن مشى ... والغُصُن الرّيانُ في المِرطِ
أسخنُ من عيني على أنّه ... أضيقُ من رزقي ومن قِسطي
زار وقد شاب عِذارُ الدُجى ... ودبّ فيه الصبحُ بالوخْطِ
وقوله من قصيدة أخرى:
من يَديْ أهيفِ الشّمائل بالخا ... لِ له نونُ صُدغِه منقوطُ
يتثنّى سكرانَ من خمرة التّي ... هِ كما مال في النّسيم الخوطُ
ومنها:
1 / 19
أسرفوا في الذّنوب فالله يعفو ... إنّ شرّ الورى اليَؤوسُ القَنوط
وكذا الرّزقُ من يَديْ أسعدَ المس ... عودِ ظلٌ على الورى مبسوطُ
كفّهُ للنّدى كما عِرضُه الطّا ... هرُ للمدحِ والثّناءِ ربيطُ
وإذا غيرُه أبى المجدَ كسلا ... نًا أتاهُ جذلانَ وهْو نشيطُ
لم أخَلْ قبل ربعِه أنّ ربعًا ... فيه بدرٌ زاهٍ وبحرٌ مُحيطُ
لو بآرائِه الكواكبُ سارت ... لم يعُقْها وجوعُها والهبوطُ
وقوله من أخرى:
قد كانت الأرزاق محبوسةً ... فردّها بالجود منشوطَهْ
له يدٌ في الشرّ مقبوضة ... وأختُها في الخيرِ مبسوطَهْ
ومنها في الغزل:
مبلبَلُ الطّرّةِ أصداغُه ... نوناتُها بالخالِ منقوطَهْ
إذا بدا واختالَ قدّرتَه ... من حسنه بدرًا على خوطَهْ
الظّاء، وقوله:
كبّرْ على الكلّ إذا لم يكن ... لي منهمُ معْ جودِهِم حظُّ
ما نافعي رِقّةُ أخلاقِهم ... وقلبُ دهري يابسٌ فَظُّ
وعظتُهم في النّثر لكنّهم ... ما هزّهم للكرم الوعْظُ
العين، وقوله من قصيدة في نظام الملك:
وأورَقَ أيكيٍّ من الطّير موجَعٍ ... بساعده شكْوٌ من الإنس موجِعُ
سهرتُ له ليلَ التّمام فلم يزلْ ... الى أن تفرّى الصبحُ أبكي ويسجَعُ
شَدا طرَبًا أو ناح شجْوًا ومُقلتي ... على كل حالٍ دون جفنَيْهِ تدمَعُ
أعِدْ فكِلانا بالغصونِ متيّمٌ ... له كبدٌ حرّى وقلبٌ مفجّعُ
وقود براها السّبرُ حتى تشابهت ... وأرسانَها مما تخبّ وتوضِعُ
بأشلاءِ أسفارٍ كأنّ وجوهَهُم ... بلفح الحصا قطعٌ من الليل أسفعُ
سهامُ حَنايا ناحلاتٍ رمت بهم ... مطامعُ في قوس المقاديرِ تَنزِعُ
نَشاوَى على الأكوار من بين ساجدٍ ... ومُستمسك في رحله باتَ يركَعُ
إذا ما ونتْ خوصُ النجائبِ تحتَهمْ ... حدَوْها بأوصافِ الرّضيّ فتُسرِعُ
ومنها:
ووجهُ العُلى في هالةِ الدّستِ ضاحكٌ ... وثغرُ المُنى في أوجهِ المدح يلمعُ
وماءُ الندى للحائمين مصفّقٌ ... وروضُ الغِنى للشاتمين موسّعُ
ومن قوله فيه:
ما على الرّكب إن سمحْتُ بدمعي ... في رُبوع بين اللّوى والجِزعِ
وعلامَ المَلامُ والقلبُ قلبي ... وغرامي الغرامُ والدّمعُ دمعي
يا عذولي إليك عني فإني ... منك أدرى بوجهِ ضُرّي ونفعي
كيف أصغي للّوم والحبّ قد ... سدّ بوقرِ الغرامِ طرْفي وسمعي
هذه سُنّة الهوى لستُ فيما ... جئتُه من هوى الدّيار ببِدْعِ
وله من أخرى في وصف القلم:
في كفّه من اليرا ... ع ذابلٌ مزعزِعُ
روعُ الزّمان أبدًا ... من وقعه مروّعُ
إذا انبرى لحادثٍ ... فهْوَ سنانٌ مشْرَعُ
ليْنُ المجسِّ قاتلٌ ... والصِّلُّ ليْنٌ يلسعُ
أخرسُ إلا أنّه ... في إصبعَيْهِ مصقَعُ
فكم لسانٍ ناطقٍ ... أفصحُ منه إصبَعُ
يعلمُ الورْقاءَ في ال ... أغصان كيف تسجَعُ
وله:
بأبي وجهُك ما أحسنَهُ ... كيفما دُرت به درتُ معهْ
هو شمسٌ وأنا حِرباؤه ... فلذا أقبل وجهي مطلَعَهْ
وقوله:
لو قيل لي ما تمنّى ... لقلتُ قلبٌ قَنوعُ
ومسكنٌ وفتاةٌ ... فيها تُقىً وخُشوعُ
وقوله:
ما كنت أعرفُ قدرَ أي ... امي ذهبَتْ ضَياعا
حتى فجعتُ بها ولم ... أسطِع لذاهبها ارتجاعا
ومن قصيدة أخرى:
الحزنُ حزني والضّلوع ضلوعي ... والجفنُ جَفني والدّموعُ دموعي
فعلام يعذلني على برْح الهوى ... من لا يقومُ نزاعُه بنُزوعي
1 / 20