Kharidat al-Qasr wa Jaridat al-Asr - Section of Poets of Morocco and Andalusia Vol. 2
خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء المغرب والأندلس جـ ٢
Chercheur
آذرتاش آذرنوش
Maison d'édition
الدار التونسية للنشر (هذا هو الجزء الثاني من قسم شعراء المغرب والأندلس)
Genres
قسم شعراء المغرب والأندلس
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ أعن
باب في ذكر محاسن أعيان المغرب والأندلس
جماعة اتفقوا في بالأندلس في حدود سنة خمسمائة
المعتمد بن عباد
الملك بالأندلس
هو أبو القاسم محمد الملقب بالمعتمد بن أبي عمرو عباد الملقب بالمعتضد بن إسماعيل بن محمد بن قريش عمار بن عمرو بن عطاف بن نعيم. وعطاف ونعيم هما الداخلان بالأندلس. وولد المعتمد بمدينة باجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وولي سنة إحدى وستين بإشبيلية وخلع سنة أربع وثمانين وتوفي بأغمات سنة ثمان وثمانين، وكانت بداية دولتهم من سنة أربع عشرة وأربعمائة ولم تزل أيامه صافية المشارع من الكدر، ضافية المدارع بالظفر، محمية من الغير، واضحة الحجول والغرر، إلى أن دهي من يوسف ابن تاشفين بداهية خلعته عن سلطانه، وازعجته عن أوطانه، فعاد من كانيمدحه راثيا له ناعيا، ومن كان يرجوه منتجعا عليه باكيا. وقدم إلينا بالعراق رجل من أصحاب الحديث يقال له الشيخ أبو الحسن بن صالح الاندلسي، وقدم إلى البصرة وأنا نائب الوزير ابن هبيرة بها في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وخمسمائة وكان ينشدنيأشعار أهل المغرب ومما ذكره من حديث الملك عباد، قال: ذكر لي قاضي الجماعة بإشبيلية أبو الحسن شريح بن محمد أنه لما خلع المعتمد غربه يوسف بن تاشفين الى العدوة، فوصل الى موضع منها وأهل البلد خارجون للاستسقاء، فأنشد:
خرجوا ليستسقوا فقلت إليهم ... دمعي ينوب لكم عن الأنواء
قالوا حقيق في دموعك مقنع ... لكنها ممزوجة بدماء
1 / 25
وذكر أنه حكى له أنه كان المعتمد سائرًا الى الجامع يوم الجمعة، ووزيره ابن عمار معه، فسمع أذان المؤذن، فقال:
هذا المؤذن قد بدا بأذانه
فقال ابن عمار:
يرجو بذاك العفو من رحمانه
فقال المعتمد:
طوبى له من شاهد بحقيقة
فقال ابن عمار:
إن كان عقد ضميره كلسانه
نقص ٢٦
كأنك تحسبها نرجسًا ... تدير الدماء عليها عقارا
تريك الرماح القدود انثناء ... وتجلو الصفاح الخدود احمرارا
إذا نار حربك ضرّمتها ... حسبنا الأسنة فيها شرارا
ستلقى فعالك يوم الحساب ... ينشر بالمسك منك انتشارا
1 / 26
وللشهداء ثناء عليك ... بحسن مقامك ذاك النهارا
وأنهم بك يستبشرون ... ألا تخاف وألا تضارا
وتلقى نعيمًا ينسي الشقا ... وتجنى سراحًا ينسي الإسارا
وأول هذه الأبيات - وكان طلب خباء من يوسف يسافر به فوعده وأخلف - فقال:
هم أوقدوا بين جنبيك نارًا ... أطالوا لها في حشاك استعارا
أما يخجل المجد إن رحلوك ... ولم يصحبوك خباء معارا
تراهم نسوا حين جبت القفارا ... حنينًا إليهم وخضت البحارا
بعهد لزوم لسبل الوفا ... إذا حاد من حاد عنها وجارا
وقلب نزوع الى يوسف ... فلولا الضلوع عليه لطارا
ونقلت من بعض تعاليق المصريين ما أورده آنفًا، ووشحه من كلامه بما يرد من شعره الى أبيه من قصيدة:
سميدع يهب الآلاف مبتدئًا ... ويستقل عطاياه ويعتذر
له يد كل جبار يقبلها ... لولا نداها لقلنا إنه الحجر
وأولها في الاعتذار عن كبيرة:
سكن الفؤاد لا يذهب بك الفكر ... ماذا يعيد عليك الهم والسهر
وازجر جفونك لا ترضى البكاء له ... فاصبر فقد كنت عند الخطب تصطبر
وإن يكن قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر
وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غدوت ومن أشياعك الظفر
1 / 27
ومنها في قوم خذلوه وتركوه مع العدى وأهملوه:
ما الذنب إلا على القوم ذوي دغل ... وفى لهم عدلك المألوف إذ غدروا
قوم نصيحتهم غش وحبهم ... بغض ونفعهم إن صرفوا ضرر
يميز البغض في الألفاظ إن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ إن نظروا
وكتب أيضًا الى أبيه:
مولاي أشكو إليك داء ... أصبح قلبي به قريحا
سخطك قد زادني سقامًا ... فابعث إلي الرضا مسيحا
فقوله: مسيحا، من القوافي التي يتحدى بها.
وكتب الى أبيه يشكر عن فرس أصعد بعثه إليه:
نوال جزيل يبهر الشكر والحمدا ... وصنع جميع يوجب النصح والودا
لقد جدت بالعلق الذي لو أباعه ... بذلت ولم أغبن به العيشة الرغدا
جواد أتاني من جواد تطابقا ... فيا كرم المهدي ويا كرمى المهدى
وكم من يد أوليت موقعها ند ... لديّ ولكن أين موضع ذا الاصدا
لعليَ يوم أن أوفيه حقه ... فأنعله ممن عصى أمرك الخدا
وكتب إليه جوابًا عن تحفة:
يا ملكًا قد أصبحت كفه ... ساخرة بالعارض الهاطل
قد أفحمتني منّة مثلها ... يضيق القول على القائل
وإن أكن قصرت عن وصفها ... فحسنها عن وصفها شاغلي
ومن خطابه لأصحابه، كتب الى أبي بكر محمد بن عمار وزيره:
لما نأيت نأى الكرى عن ناظري ... ورددته لما انصرفت عليه
طلب البشير بشارة يجزى بها ... فوهبت قلبي واعتذرت إليه
1 / 28
وما أحسن قول أبي فراس لسيف الدولة:
أهديت نفسي إنما ... يهدى الجليل الى الجليل
وجعلت ما ملكت يدي ... صلة المبشر بالقبول
وكتب ابن عباد من قصره بقرطبة الى أصحاب له:
حسد القصر فيكم الزهراء ... ولعمري وعمركم ما أساء
قد طلعتم بها شموسًا صباحًا ... فاطلعوا عندنا بدورًا مساء
وكتب الى بعض ندمائه، يستدعيه الى الشراب:
أيها الصاحب الذي فارقت عي ... ني ونفسي منه السنى والسناء
نحن في المجلس الذي يهب الرا ... حة والمسمع الغنى والغناء
نتعاطى التي تنسيك في اللذ ... ة والرقة الهوى والهواء
فأته تلف راحة ومحيا ... قد أعدا لك الحيا والحياء
وكتب الى أبي بكر محمد بن عمار:
قد زارنا النرجس الذكي ... وطاب من يومنا العشي
ونحن في مجلس أنيق ... وقد ظمئنا وفيه ريّ
ولي صديق غدا سمي ... يا ليته وافق السمي
فحضر أبو بكر باب القصر، وكتب إليه رقعة فيها:
لبيك لبيك من مناد ... له الندى الرحب والندي
1 / 29
ها أنا بالباب عبد قن ... قبلته وجهك السني
شرفه والداه باسم ... شرفته أنت والنبي
ومن شعره في الغزل، قال في قصيدة كتب بها الى أبي بكر بن عمار:
وكم ليلة قد بت أنعم جنحها ... بمخضبة الأرداف مجدبة الخصر
وبيض وسمر فاعلات بمهجتي ... فعال الصفاح البيض والأسل السمر
وباتت تسقيني المدام بلجها ... فمن كأسها حينًا وحينًا من الثغر
وتطربني أوتارها وكأنني ... سمعت بأوتار الطلى نغم البتر
وقال:
فتكت مقلتاه بالقلب مني ... وبكت مقلتاي شوقًا إليه
فحكى لحظه لنا سيف عبا ... د ولحظي له سحاب يديه
وقال:
كتبت وعندي من فراقك ما عندي ... وفي كبدي ما فيه من لوعة الوجد
وما خطت الأقلام إلا وأدمعي ... تخط سطور الشوق في صفحة الخد
ولولا طلاب المجد زرتك طيّه ... عميدًا كما زار الندى ورق الورد
فقبلت ما تحت اللثام من اللمى ... وعانقت ما فوق الوشاح من العقد
من قول عمر بن أبي ربيعة:
واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر
وقال - وهو عليل - وقد زارته سحر جاريته:
سأسأل ربي أن يديم بي الشكوى ... فقد قربت من مضجعي الرشأ الأحوى
إذا علة كانت لقربك علة ... تمنيت أن تبقى بجسمي وأن تقوى
1 / 30
شكوت وسحر قد أعنت زيارتي ... فجاءت بها النعمى التي سميت بلوى
فيا علتي دومي فأنت حبيبة ... ويا رب سمعًا من ندائي والشكوى
وقال في جارية يحبها وهي بين يديه يومًا تسقيه والكأس في يدها، إذ لمع البرق، فارتاعت، فقال:
روعها البرق وفي كفها ... برق من القهوة لماع
يا ليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع
وهي من توارد الخواطر، أن ابن عباد أنشد عبد الجليل بن وهبون البيت الأول وطلب منه أن يذيله، فقال:
ولن ترى أعجب من آنس ... من مثل ما يمسك يرتاع
قال أبو الصلت في الحديقة: هذا البيت أجود، لجودة ترتيب اللفظ مع جودة معناه، وللمطابقة بين لفظي الأنس والارتياع، وتشبيه لمعان الخمر بلمعان البرق وإن كان بيت الأمير أيضًا جيدًا.
وقال ابن عباد:
تظن بنا أم الربيع سآمة ... ألا غفر الرحمان ذنبًا تواقعه
أأهجر ظبيًا في ضلوعي كناسه ... وبدر تمام في جفوني مطالعه
إذن هجرت كفي نوالًا تفيضه ... على معتفيها أوعدوا تقارعه
وقال:
دارى ثلاثته بلطف ثلاثة ... فثنى بذاك رقيبه لم يشعر
أسراره بتستر وأواره ... بتصبر وخباله بتوقر
1 / 31
وقال:
يا معرضًا عني ولم أجنِ ما ... يوجب إعراضًا ولا هجرا
قد طال ليل الهجر فاجعل لنا ... وصلك في آخره فجرا
وقال:
أكثرت هجري غير أنك ربما ... عطفتك أحيانًا عليّ أمور
فكأنما زمن التهاجر بيننا ... ليل وساعات الوصال بدور
وقال:
يا صفوتي من البشر ... يا كوكبًا بل يا قمر
يا غصنًا إذا مشى ... يا رشأ إذا نظر
يا نفس الروضة قد ... هبت لها ريح سحر
يا ربة اللحظ الذي ... شد وثاقًا إذا فتر
متى أداوي يا فدا ... ك السمع مني والبصر
ما بفؤادي من جوى ... بما بفيك من خصر
وقال:
الصبح قد مزق ثوب الدجى ... فمزق الهم بكفّيْ مها
خذ باسمها من ريقها قهوة ... في لون خديها تجلى الأسى
وقال:
أسر الهوى نفسي فعذبها ... يوم الوداع فلم أطق منعا
فأذاب حر صبابتي كبدي ... وأسالها في وجنتي دمعا
وقال:
حرم النوم علينا ورقد ... وابتلانا بهواه ثم صد
يا هلالًا حسن خد يا رشا ... غنج لحظ يا قضيبًا لين قد
1 / 32
بودادي لك بالشوق الذي ... في فؤادي لا تدعني للكمد
لست أرضى عن زماني أو أرى ... منك حسنًا لا أراه من أحد
وقال:
يا ليت مدة بعدك ... رشيقة مثل قدك
كمدة الورد ورد الر ... بيع لا ورد خدك
فعمر ذا عمر صبري ... وعمر ذا عمر صدك
رضيت منك وإن لم ... تنجز بلذة وعدك
وقال:
لو زرتنا لرأيت ما لم تعهد ... ذوب اللجين خليط ذوب العسجد
نطف تجملها فقاقع منه ما ... جمدت لتحفظ جسم ما لم يجمد
وقال في غلام اسمه سيف:
سميت سيفًا وفي عينيك سيفان ... هذا لقتلي مسلول وهذان
أما كفت قتلة بالسيف واحدة ... حتى أتيح من العينين ثنتان
أسرته وثناني غنج مقلته ... أسيره وكلانا آسر عان
يا سيف أمسك بمعروف أخا ثقة ... لا يبتغي منك تسريحًا بإحسان
وكانت له جارية تسمى جوهرة يحبها فكتب إليها يسترضيها في عتاب جرى بينهما فأجابته برقعة لم تعنونها باسمها فقال:
لم تصف لي بعد وإلا فلم ... لم أرَ في عنوانها جوهره
درت بأني عاشق لاسمها ... فلم ترد للغيظ أن تذكره
قالت إذا أبصره ثانيًا ... قبّله والله لا أبصره
1 / 33
وما أحسن قول الصنوبري:
وشاطرة أدبتها الشطاره ... حلى الروض من حسنها مستعاره
أميرة حسن إذا ما بدت ... أقر الأمير لها بالإماره
أتت في لباس لها أخضر ... كما تلبس الورق الجلناره
فقلت لها ما اسم هذا اللباس ... فردت مردًا مليح العباره
شققنا مرائر قوم به ... فنحن نسميه شق المراره
وقال ابن عباد في الجارية:
سرورنا دونكم ناقص ... والطيب لا صاف ولا خالص
والسعد إن طالعنا نجمه ... وغبت فهو الآفل الناقص
سموك بالجوهر مظلومة ... مثلك لا يدركه غائص
وقال فيها:
جوهر قد عذبني ... منك تمادي الغضب
فزفرتي في صعد ... وعبرتي في صبب
يا كوكب الحسن الذي ... أزرى بزهر الشهب
مسكنك القلب فلا ... ترضي له بالوصب
وقال في جارية اسمها وداد:
اشرب الكأس في وداد ودادك ... وتأنس بذكرها في انفرادك
قمر غاب عن جفونك مرآ ... هـ وسكناه في سواد فؤادك
وقال:
لكِ الله كم أودعتِ قلبيَ من أسى ... وكم لك ما بين الجوانح من كلم
لحاظك طول الدهر حرب لمهجتي ... ألا رحمة تثنيك يومًا الى سلمي
1 / 34
وقال:
ولج الفؤاد فما عسى أن أصنعا ... ولقد نصحت فلم أرد أن أسمعا
أسفي أود ولا أود وأغتدي ... وأروح أحفظ عهد من قد ضيعا
ما كان ظني أن أجود بمهجتي ... حبا وأقنع بالسلام فأمنعا
يا هاجرين قد اشتفيتم فارفقوا ... وهبوا لعثرة عاشق لكم لعا
ردوا بردكم السلام حشاشة ... لم تبق لولا أن فيكم مطمعا
وقال من أبيات:
قلت متى ترحمني ... قال ولا طول الأبد
قلت فقد أيستني ... من الحياة قال قد
ولما علقت هذين البيتين في هذا الجزء في دمشق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة عملت في أسلوبها:
راودته في قبلة ... من وجهه الحلو ومن
فاغتاظ مني حنقا ... كأنه لي مضطغن
فقلت إن بذلت ما ... يرضيك مني قال إن
وقال ابن عباد:
حكّمه في مهجتي حسنه ... فظل لا يعدل في حكمه
أفديه ما ينفك لي ظالمًا ... يا رب لا يجز على ظلمه
وقال من أبيات:
ولما التقينا للوداع غدية ... وقد خفقت في ساحة القصر رايات
بكينا دمًا حتى كأن عيوننا ... لجري الدموع الحمر منها جراحات
مأخوذ من هذا البيت:
بكيت دمًا حتى لقد قال قائل ... ترى ذا فتى من جفن عينيه يرعف
1 / 35
ومن أوصافه وملحه، قال:
ورب ساق مهفهف غنج ... قام ليسقي فجاء بالعجب
أبدى لنا من لطيف حكمته ... في جامد الماء ذائب الذهب
وقال:
لاح وفاحت روائح الند ... مختصر الخصر أهيف القد
وكم سقاني والليل معتكر ... في الماء ذائب الورد
قد أكثر الشعراء من أخذ هذا المعنى، وتصرفوا في قول ابن المعتز:
وخمارة من بنات المجوس ... ترى الدن في بيتها سائلا
وزنّا لها ذهبًا جامدًا ... فكالت لنا ذهبًا سائلا
ومما نظمته في هذا الأسلوب من قطعة ببغداد:
رعى الله عصرًا فيه فازت قداحنا ... ودارت علينا بالمسرة أقداح
وقد راقنا ورد وراح تشابها ... فلم ندر ذاب الورد أم جمد الراح
وقال ابن عباد، وقد أمره أبوه أن يصف مجنًّا فيه كواكب فضة:
مجنّ حكى صانعوه السما ... لتقصر عنه طوال الرماح
وقد صوروا فيه شبه الثريا ... كواكب تقضي لنا بالنجاح
وقال ابن عباد في شمعة:
وشمعة تنفي ظلام الدجى ... نفي يدي العدم عن الناس
ساهرتها والكأس يسقي بها ... من ريقه أشهى من الكاس
ضياؤها لا شك من وجهه ... وحرها من حر أنفاسي
1 / 36
وقال في وصف قصيدة:
إليك روضة فكر جاد منبتها ... ندى يمينك لا طل ولا مطر
جعلت ذكرك في أرجائها زهرًا ... وكل أوقاتها للمجتني ثمر
وقال يستدعي عودًا للغناء:
غلب الكرى ودنت مطايا الراح ... واشتقن شدو حداتها النصاح
فابعث نشاط سؤومها وحسيرها ... بغناء حاديها أخي الإفصاح
ليقيم ذاك العود من رسم السرى ... ويعود في الأجسام بالأرواح
فنسير في طرق السرور ونهتدي ... لخفيفهن بأنجم الأقداح
وقال في توديع بعض جواريه:
ساويتهم والليل غفل ثوبه ... حتى تبدى للنواظر معلما
فوقفت ثَم مودعًا وتسلمت ... مني يد الإصباح تلك الأنجما
ومن أشعاره في مدة أسره، واستيلاء أمير المسلمين يوسف ابن تاشفين على بلده بأسره، قال من قطعة:
أبى الدهر أن يقنى الحياء ويندما ... وأن يمحوَ الذنب الذي كان قدما
فإن يتلقى وجه عتبي وجهه ... بعذر يغشّي صفحتيه التذمما
ستعلم بعدي من تكون سيوفه ... الى كل صعب من مراقيك سلما
سترجع إن حاولت دوني فتكة ... بأخجل من خد المبارز أحجما
1 / 37
وقال من أبيات:
سلت علي يد الخطوب سيوفها ... فجذذن من جلدي الحصيف الأمتنا
ضربت بها أيدي الخطوب وإنما ... ضربت رقاب الآملين بها المنى
يا آملي العادات من نفحاتنا ... كفوا فإن الدهر كف أكفنا
وكتب الى ابن صمادح حين سعى به الى أمير المسلمين بالقبائح سعي الطاعن القادح:
يا من تمرس بي يريد مساءتي ... لا تعرضن فقد نصحت لمندم
من غره مني خلائق سهلة ... فالسم تحت ليان مس الأرقم
وقال من قصيدة يصف فيها الكبل:
تعطف في ساقي تعطف أرقم ... يساورها عضًا بأنياب ضيغم
وإني من كان الرجال لسيبه ... ومن سيفه في جنة وجهنم
وقال:
قبح الدهر فماذا صنعا ... كلما أعطى نفيسًا نزعا
قد هوى ظلمًا بمن عاداته ... أني ينادى كل من يهوى لعا
من إذا قيل الهوى صم وإن ... نطق العافون همسًا سمعا
قل لمن يطمع في نائله ... قد أزال اليأس ذاك الطمعا
راح لا يملك إلا دعوة ... جبر الله العفاة الضيَّعا
وقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا ... أسرّك العيد في أغمات مأسورا
1 / 38
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلًا ... فردك الدهر منهيًا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسرُّ به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا
ومنها:
أرى بناتي في أغمات من عدم ... يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
يمشين في الأرض والأقدام حافية ... وطالما وطئت مسكًا وكافورا
وتعرض له ملحفو أهل الكدية، فقال:
سألوا اليسير من الأسير وإنه ... لنوالهم لأحق منهم فاعجب
لولا الحياء وعزة لخمية ... طي الحشا لحكاهم في المطلب
وكان قد أبلى بلاء حسنًا عند خلعه، فأشار عليه وزراؤه بالخضوع والاستعطاف، فقال:
قالوا الخضوع سياسة ... فليبدُ منك لهم خضوع
إن يسلب القوم العدى ... ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع
كم رمت يوم نزالهم ... أن لا تحصني الدروع
وبرزت ليس سوى القمي ... ص عن الحشا شيء دفوع
1 / 39
أجلي تأخر لم يكن ... بهواي ذلي والخشوع
ما سرت قط الى القتال ... وكان في أملي الرجوع
شيم الألى أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع
قوله: ما سرت قط الى القتال، البيت، من قول أحد الخوارج في وقعة قديد أيام مروان الجعدي حين تمثل:
وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع
من كان ينوي أهله فلا رجع
وقال يرثي ابنيه: الفتح ويزيد، وكانا قتلا:
يقولون صبرًا لا سبيل الى الصبر ... سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
أفتح لقد فتحت لي باب رحمة ... كما بيزيد الله قد زاد في أجري
هوى بكما المقدار عني ولم أمت ... فأدعى وفيًا قد نكصت الى الغدر
ولو عدتما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتماني في الأسر
أبا خالد أورثتني البث خالدًا ... أبا النصر
مذ ودعت ودعني نصري
1 / 40
وقال من قطعة يرثي فيه سعدًا ابنه:
إذا كان قد أودى الزمان بمثله ... ولم يبق في عود له طمع بعد
فلا بترت بُترٌ ولا قنيت قنا ... ولا زأرت أسد ولا صهلت جرد
ولا زال ملذوعًا على سيد حشا ... ولا انفك ملطومًا على ملك خد
وقال من قطعة:
نار وماء صميم القلب أصلهما ... متى حوى القلب نيرانًا وطوفانا
ضدان ألّف صرف الدهر بينهما ... لقد تلون في الدهر ألوانا
وفي المجموع، قال ابن اللبانة: كنت مع المعتمد بأغمات، فلما قاربت الصدر، وأزمعت السفر، صرف حيله، واستعد ما قبله، وبعث إلي مع شرف الدولة ابنه - وهذا من بنيه أحسن الناس سمتًا، وأكثرهم صمتًا، تخجله اللفظة، وتجرحه اللحظة، حريص على طلب الأدب، شارع في اقتناء الكتب - بعشرين مثقالًا مرابطية، وثوبين غير مخيطين، وكتب مع ذلك أبياتًا منها:
إليك النزر من كف الأسير ... وإن تقبل تكن عين الشكور
تقبل ما يذوب له حياء ... وإن عذرته حالات الفقير
فامتنعت من ذلك، وأجبته بأبيات منها:
تركت هواك وهو شقيق ديني ... لئن شقت برودي عن غدور
ولا كنت الطليق من الرزايا ... إذا أصبحت أجحف بالأسير
جذيمة أنت والزباء خانت ... وما أنا من يقصر عن قصير
1 / 41
تصرف في الندى حيل المعالي ... فتسمح من قليل بالكثير
وأعجب منك أنك في ظلام ... وترفع للعفاة منار نور
رويدك سوف توسعني سرورًا ... إذا عاد ارتقاؤك للسرير
وسوف تحلني رتب المعالي ... غداة تحل في تلك القصور
تزيد على ابن مروان عطاء ... بها وأزيد ثَم على جرير
تأهب أن تعود الى طلوع ... فليس الخسف ملتزم البدور
وأتبعتها أبياتًا منها:
حاش لله أن أجيح كريما ... يتشكى فقرًا وكم سد فقرا
وكفاني كلامك الرطب نيلا ... كيف ألقي درًا وأطلب تبرا
لم تمت إنما المكارم ماتت ... لا سقى الله بعدك الأرض قطرا
وطالعت قلائد العقيان، وله في غلام رآه يوم العروبة من ثنيات الوغى طالعًا، ولطلى الأبطال قارعًا، وفي الدماء والغًا، ولمستبشع كؤوس المنايا سائغًا وهو ظبي قد فارق كناسه، وعاد أسدًا صارت القنا أخياسه، ومتكاثف العجاج قد مزقه إشراقه، وقلوب الدارعين قد شكتها أحداقه.
فقال:
أبصرت طوقك بين مشتجر القنا ... فبدا لطرفي أنه فلك
أو ليس وجهك فوقه قمرًا ... يجلى بنيّر نوره الحلك
وله فيه:
ولما اقتحمت الوغى دارعًا ... وقنعت وجهك بالمغفر
حسبنا محياك شمس الضحى ... عليه سحاب من العنبر
1 / 42
وأورد أبو الصلت في الحديقة من شعر المعتمد قوله في جارية وقفت تحجب الشمس عنه:
قامت تحجب ضوء الشمس قامتها ... عن ناظري حجبت عن ناظر الغير
علمًا لعمرك منها أنها قمر ... هل تحجب الشمس إلا دارة القمر
وقوله في نكبته وهو في العقل وهو أحسن ما سمع فيه:
قضى وطرًا من أهله كل نازح ... وكرّ يداوي علة في الجوارح
سواي فإني رهن أدهم مبهم ... سبيل نجاتي آخذ بالمبارح
يزيد الملقب بالراضي
ولد المعتمد بن عباد قال بعد أسر والده مع أخيه، ولم ير الدعة دعي أواخيه، علقت من المجموع: كان لا يشرب، وبلغه أن أخاه عبد الله شرب سرورًا به فكتب إليه:
أتاني من بابي لمجدك عثرة ... فدب له من كل جارحة شكر
لئن كان لي فضل فمنك استفدته ... ولولا ضياء الشمس ما بهر البدر
أتشرب في ودي المدامة سيدي ... وينساغ لي في تركها أبدًا عذر
سأشربها شكرًا لما ظلت موليًا ... وفي مثل ذاك الود يستسهل الوزر
وقال من أبيات يصف فيها نكد أيامه:
هي الدار غادرة بالرجال ... وقاطعة لحبال الوصال
1 / 43
يفجع منها بغير اللذيذ ... ويشرق منها بغير الزلال
ويزداد مع ذاك عشقًا لها ... ألا إنما سعينا في ضلال
كمعشوقة ودها لا يدوم ... وعاشقها أبدًا غير سال
وقال يخاطب أباه - وقد دعاه مؤنسًا له، بعد وحشة تقدمت - من أبيات:
الآن تعود حياة الأمل ... ويدنو شفاء فؤاد معل
ويورق للعز غصن ذوى ... ويطلع للسعد نجم أفل
دعوت فطار بقلبي السرور ... إليك وإن كان منك الوجل
كما يستطيرك حب الوغى ... إليها وفيها الظبى والأسل
وليس لأنك قاسي الفؤاد ... ولكن لان اجترامي جلل
فمثلك وهو الذي لم نجده ... يعود لحلم على من جهل
فقد وعدتني سحاب الرضا ... بوابلها حين جادت بطل
وقال من قصيدة في أبيه، وذكر الروم:
فإن أتته فمن جبن ومن خور ... قد ينهض الغير نحو الضيغم الضاري
ومن أنصاف الأبيات التي جاءت أمثالًا، قوله:
ومن عجبٍ شكوى الجريح الى النصل
وأول البيت:
سأشكو الى مشكي فؤادي بعتبه
هذا أحسن من قول المتنبي:
شكوى الجريح الى العقبان والرخم
1 / 44