ومضى إلى الدكتور الآخر لتصويره بالأشعة، وانتظر أياما يعاني آلاما نفسية مروعة إلى جانب آلام السعال، ولم يكن في الحقيقة مطبوعا على الخوف أو الوساوس والأوهام، ولكنه وجد نفسه فجأة تحت رحمة أفتك الأمراض، وأثر فيه اسم المرض تأثيرا بالغا. ثم رجع إلى الدكتور الأول ومعه صورة الأشعة، وفحصها الرجل بعناية ثم تحول إليه قائلا: كظني تماما! .. سمه خدشا خفيفا أو قذارة سطحية إن شئت.
وغاض الأمل، ولاح القنوط في العينين العسليتين وهما ترمقان صورة الأشعة بنظرة ساهمة لا تفقه شيئا، خدش خفيف أو قذارة سطحية! .. هل تضحي الحياة رهينة بهاتيك التوافه؟!
وقال للدكتور بصوت حزين: فلنسمه بما تشاء، فهل يعني هذا إلا أنه سل لا يرجى له شفاء؟!
فحدجه الدكتور بنظرة استنكار وقال بصوته الرفيع: لا يهولنك هذا الاسم، واطرح جانبا المخاوف التي لا أساس لها من الحق أو العلم، واعلم أن حالتك مضمونة الشفاء إذا اتبعت ما أنا موصيك به.
وأمسك قليلا كالمتفكر، فقال الشاب بإشفاق: يقولون إن هذا الداء لا شفاء منه!
فهز الرجل منكبيه باستهانة وقال: انبذ هذه الآراء، واعلم أني كنت يوما من ضحاياه، بيد أنه يلزمك الغذاء الجيد جدا والراحة التامة والهواء الجاف النقي، وكل أولئك متوفر في المصحة، فإلى حلوان دون تردد. - وكم يستغرق العلاج من الزمن؟ - ستة أشهر على أكثر تقدير!
فانقبض صدر الشاب، وأيقن أن هذه المدة تقضي عليه حتما بفقد وظيفته، وغدا إذا ذاعت الحقيقة وعلم بها «الجيران» فقد فتاته كذلك! فنفر من اقتراح المصحة، وقال للدكتور وإذا كانت هذه الشروط متوفرة في البيت؟ - أين تقطن؟ - في خان الخليلي. - هذا مكان رطب فيما أعلم، والمصحة خير مأوى لك، ولا تنس العناية الطبية هنالك!
وقوي أمله في أن يستشفى في البيت دون أن يعلم بسره إنسان فيطمئن على وظيفته وفتاته، فقال: وإذا تعذر علي الانتقال إلى المصحة؟
فهز منكبيه تارة أخرى وقال: هنالك ينبغي لك مضاعفة العناية في البيت، خصوصا الراحة والغذاء، فإياك أن تفارق فراشك، وسأصف لك العلاج الطبي.
وفي أثناء انشغال الدكتور بكتابة «الروشتة» خطر له - أي الشاب - خاطر هام، فتردد لحظة ثم قال متسائلا: ثمة سؤال آخر: هل يمكن ... أعنى متى يمكن أن يتزوج من كان مريضا مثلي؟!
Page inconnue