فقال متحديا: حسن، ولكني أطالب بالثمن مقدما!
فتساءلت بحركة من رأسها، اضطربت لها خصلة سوداء من شعرها، معقوصة في دائرة فوق حاجبها. - أن تشفيني بزيارة في عمارة الشرق.
ابتسمت دون تعليق، ودون تصديق. - موافقة؟ - أنا واثقة من أنك أنظف تفكيرا من ذلك. - لكني مصاب بشيء من القلق العصري! - لا .. لا تخلط بين الهزل والجد.
ثم بأسف: بددت وقتك الثمين.
وأشعلت سيجارة ثالثة، وتبادلا نظرة طويلة، وابتسما معا، وعاود التفكير قليلا في موضوعه، وصفا الجو تماما من سوء الظن، ورجع الإحساس المضطهد بالحرارة والرطوبة، وداعبته قائلة: أنت رجعي بقشرة عصرية. - كلا، أنت لا تصدقين نفسك، ولكنك ممتعة وتلذ مداعبتك، سيتم التعارف في مكتبي بالمجلة، فتعالي يوم الأربعاء - مصادفة - الساعة التاسعة مساء. - شكرا. - أنا مدين لك بمقالة الأسبوع القادم. - سأرى كيف تعالجه. - ولكني عند الكتابة أتقمص شخصية جديدة!
فضحكت قائلة: وتراعي حتما ما يجب أن يقال، ولو بالكذب على ضميرك. - ربما، الحق أن خير ما في لم يعبر عن ذاته بعد.
ولما رأته ينظر في الكراسة، أقلعت عن مناقشته، وأخذت حقيبتها إلى كرسي خال، ومد بصره مرة أخرى إلى القصر النائم الغارق في فخامته المغلقة، أعجب بشرفته المتصلة بالحديقة، وأعجب أكثر بشرفة الدور الأعلى القائمة على عمودين كمسلتين. ما أحلى الجلوس في الشرفة في ضوء القمر، والتفكير الحر غير المقيد بمواعيد ولا بتقاليد! أو يخت يطوف بك البحار لتعرف أناسا وبلدانا بلا حدود، وتحت شرط أن تبقى زوجتك في القاهرة! واللعب بالورد في جزر هاواي، ونبذ موضوعات الأمس واليوم، وسائر مشكلات الفقر والجهل والمرض، والتطلع للمجهول وطي التاريخ البشري في لحظة واحدة، وأنت لا تخلو من شك في موهبتك، ولكن الانفجارات تغطي على الشك؛ انفجارات غريبة مثيرة للدهشة، متخطية لأي مسئولية، لا تفهم ولا تسأل، ويتعذر الحكم عليها، ويتطوع المفسرون لتفسيرها من الحانات والغرز! - ما رأيك يا نادرة في اللامعقول؟
فقالت بحماس: معقول جدا! - إنه يلاعبني كحلم. - وأنا أفكر في كتابة مسرحية لا معقولة لمسرح العرائس.
وتنهدت في حسرة، وقالت: لولا أبي، لكتبت قصة جنونية عن تجاربي.
وغلبه المزاح، فقال: ويا حبذا لو تضمينني إلى التجارب! - لا تهزل، وتخيل النجاح الجدير بها.
Page inconnue