وغيرت لهجتها من التشكي إلى الحياد أو الإشفاق، ثم سألت: خبريني الآن عن العلاقة بينك وبين زوجك؟
فتنهدت بثينة، وقالت بإيجاز: بين بين يا خالتي. - كيف، وأنت شابة ولا كل الشابات؟!
ثم مستدركة، وابتسامة باهتة ترف على شفتيها الجافتين الممتعضتين: أنت جميلة يا بثينة، وكما قالوا، فأنت أشبه نساء الأسرة بخالتك عندما كنت في سنك!
أحنت بثينة رأسها بالإيجاب وهي تبتسم أيضا. - عندما كنت أسير في الطريق أو أطل من نافذة، كانت الأعين تلتهمني التهاما!
فضحكت بثينة، وهي ترنو إليها بعطف. - وتقولين إن حالك مع زوجك بين بين؟! .. متى يشعر بنعمة الله التي نعمه بها؟! - هكذا هي الدنيا يا خالتي. - دنيا لعينة يا بثينة. - ولا أمان لها يا خالتي.
ها هي عدلية قادمة بصينية الغداء، أجلستها مسندة ظهرها إلى وسادة، ثم شرعت في إطعامها.
وأرادت هي أن تتودد إليها، فقالت: طعامك لذيذ يا عدلية.
لم تبتسم ولم تشكر، وكأنها لم تسمع، وكالعادة تبدد ثناء الضعيف في الهواء. - ما لك يا عدلية؟
أجابت بنبرة لم تخل من خشونة: أفكر في بنتي. - ربنا يسعدها يا عدلية. - ولكنها شقية مع الرجل. - مهما يكن من أمره، فهو لن يفرط في أم أبنائه السبعة. - إنك لا تعرفينه يا ستي. - عليك دائما أن تعقليها وتصبريها! - ولكن ما العمل إذا طلقها؟
أجل ما العمل؟ ما العمل لو جاءتها بابنتها وعيالها؟ لو أرادت ذلك ما وسعها هي الاعتراض، إنها تحت رحمتها تماما؛ سيضيق المسكن الصغير بهم، وسينقلب سوقا، كيف تتحمل الضوضاء والشقاوة، ومن أين لها أن تطعمهم وتكسوهم! تهديد جديد يا عيون، ترى كيف قال لك الشيخ طه وهو يباركك ليلة دخلتك: «العز قدامك والسعد خدامك.» ولم كانت أمها مزهوة بها لحد الهوس؟ وقد بادأها الحظ بزيجة سعيدة حقا، من قاض أصيل تزوجت، رآها ذات يوم مع والديها في بنوار بسينما كوزمو جراف. كانت زوجة مدللة وأما سعيدة، وكان يتأبط ذراعها إلى الأوبرا متباهيا بجمالها، وغازلها مرة أحد الباشوات، فكادت تنشب معركة من أجلها، وقد انتهى ذلك التاريخ كله فوق هذا الفراش الكئيب، وتحت رحمة هذه المرأة الصلبة التعيسة، التي تأبى أن تجود عليها بابتسامة. ودق جرس الباب الخارجي، فاختلج جفناها بلهفة، هل من زائر جديد؟ - من يا عدلية؟ - السباك يا ستي.
Page inconnue